صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم تترأس المجلس الإداري للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية    ارتسامات المؤتمرين حول المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الحكومة تقترح على النقابات زيادة 10% في الحد الأدنى للأجور    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    دعوة لإحياء جمعة الغضب بالمغرب دعما للشعب الفلسطيني    وزارة التعليم تشن حملة ضد "العلكة" في مدارس تيزنيت    "العمق" تتوج بالجائزة الثانية في الصحافة الفلاحية والقروية (فيديو)    مندوبية السجون تقرر إغلاق السجن المحلي المعروف ب"سات فيلاج"    انتخاب رئيس جديد على رأس الإتحاد الإسباني لكرة القدم    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    كأس الكاف .. نهضة بركان يعلن طرح تذاكر مباراته أمام اتحاد العاصمة الجزائري    الطقس غدا السبت.. أمطار فوق هذه المناطق ورياح قوية مصحوبة بتناثر غبار محليا    جماهير اتحاد العاصمة تثور على السلطات الجزائرية بسبب المغرب    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك        سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"        احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 85 مرشحا للهجرة غير النظامية    أخنوش معلقا على احتجاجات طلبة الطب: ليس هناك سنة بيضاء و3 آلاف طالب يدرسون كل يوم    طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    طلبة الطب يقررون تعليق كل الخطوات الاحتجاجية وفسح المجال للحوار    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    الأمثال العامية بتطوان... (582)    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حساب ودائع و أداءات المحامين» و أسباب النزول 4/1

صادق البرلمان على مقترح تعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، و المقدم من طرف الفريق النيابي الاتحادي، و الذي استند على التعديلات المهيئة من طرف مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، بعد قبول وزارة العدل لهذا المقترح شريطة أن يدرج فيه النص المتعلق بحساب ودائع و أداءات المحامين، كما تم اقتراحه من طرف مكتب الجمعية مع التعديلات التي أدخلتها عليه الوزارة، و هو ما تم التوافق عليه من طرف كل مكونات مجلسي البرلمان.
و قد نصت المادة 56 من القانون 28.08، المضافة من طرف وزارة العدل، على ما يلي :
«يؤسس على صعيد كل هيئة حساب ودائع و أداءات المحامين يديره مجلس هيئتها، تودع به لزوما المبالغ المسلمة للمحامين المسجلين بجدول هذه الهيئة على سبيل الوديعة، و تتم بواسطته كل الأداءات المهنية التي يقوم بها المحامي لفائدة موكليه أو الغير.
تودع بهذا الحساب كل المبالغ الناتجة عن تنفيذ مقرر قضائي من لدن مصالح التنفيذ والمفوضين القضائيين.
يتعين على كل الإدارات العمومية و شبه العمومية و المؤسسات و الشركات إيداع المبالغ العائدة لموكلي المحامين بحساب الودائع و الأداءات التابع لهيئتهم.
كل أداء تم خلافا لهذه المقتضيات لا تكون له أية قوة إبرائية في مواجهة الموكل أو المحامي و يتحمل مرتكب المخالفة عند الاقتضاء مسؤولية أداء المبالغ العائدة للموكل أو مصاريف وأتعاب المحامي.
يحدد طريقة تنظيم هذا الحساب تظامه الداخلي طبقا للفقرة الثامنة من المادة 91 بعده.
تدخل هذه المادة حيز التنفيذ خلال سنة من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية.»
**
سار النهج المهني الكرونولوجي، منذ أواخر الستينات، على تعديل القانون المنظم للمهنة في كل عقد من الزمن تقريبا، ابتغاء لإصلاح ما يمكن إصلاحه من السلبيات التي أبانت عنها الممارسة، أو تعزيز الإيجابيات و تطويرها، أو تبني المستجدات التي تظهر على الساحة المهنية.
إلا أن بعض التعديلات التي جاء بها القانون 28.08، و رغم محدوديتها و عدم شمولها لطموحات المحامين، لها أهمية خاصة و حاسمة على الممارسة المهنية وعلى مصالح مختلف أجيال المحامين، سواء منهم الذين يمارسون المهنة حاليا أو أولئك الذين سيلجونها فيما بعد.
و الأهمية المذكورة تكتسي طابعها من العناصر التالية :
- العنصر الأول و يتعلق بمنظور المحامين للإصلاح الذي ينشدونه لمهنتهم، سواء من حيث تسليحهم بالمعرفة و التكوين الضرورين، أو من حيث تحصين المهنة في جوانبها المادية والمعنوية والأخلاقية.
- و العنصر الثاني يأخذ بعين الاعتبار نظرة المواطن للمهنة بصفة عامة، و ما يطلبه في ممارسيها من إعطائه ضمانات قانونية محكمة تؤكد ثقته في محاميه، و تقرر بوضوح نوعية العلاقة و ضوابطها، حرصا على مصلحته، و قصد استبعاد كل الشوائب التي من شأنها أن تولد منازعات تؤدي إلى فقدان الثقة أو المساس بالمصلحة.
- أما العنصر الثالث فيجد مصدره في المنظور الجديد الذي أخذت تعرفه المهنة على الصعيد الدولي وما ينبغي للمشرع المغربي أن يقرره، بتعاون مع المسؤولين المهنيين، من خلق الشروط الملائمة التي ستمكن المحامين ليس من تفادي الآثار الجانبية للعولمة، بل لاندماجهم فيها و استفادتهم مباشرة من خيرات بلادهم، و ليس انتظار قدوم مكاتب أجنبية لتوزع إكراميات عليهم مقابل إشراك أسمائهم، بصفة شكلية، في المشاريع التي يشرفون عليها مقابل أتعاب باهظة، علما أن بلادنا لها من الكفاءات الجليلة التي لا ينقصها إلا وضع الثقة فيها ومنحها الفرصة لصقل مواهبها.
إن نقل المهنة من مهنة تقليدية إلى مهنة حداثية صار ضرورة حتمية و ملحة في هذا الزمن الذي يتعولم فيه الاقتصاد و ما يتبع ذلك من تدويل الخدمات، على اعتبار أن العولمة ليست مسألة الغد بل مشكلة اليوم، وهي التي بدأت بالأمس.
فقد أصبح المصطلح الاقتصادي يلج بكل تؤدة و ثبات عالم المهنة، و هكذا صار المتقاضي مستهلكا للقانون و المحامي فاعلا قانونيا، على غرار الفاعل الاقتصادي، و المهنة أصبحت مدرجة في إطار الخدمات، على اعتبار أن السوق الاقتصادية تخلق بالضرورة أسواقا قانونية.
و لذلك فإننا كمحامين مغاربة نجد أنفسنا حاليا مضطرين إلى التكيف و التلائم مع هذه المستجدات، وإلا، لا قدر الله، فإننا لن نستطيع ركوب القطار، مع ما قد يؤدي إليه هذا الأمر من بقائنا في نفس المحطة وتضييع فرصة اللحاق بالركب، و بالتالي تسليم زمام الأمور لغيرنا.
و آثار مثل هذا التصور التراجيدي لن تكون كارثية على المهنة فقط، بل على استقلالية القرار القانوني في البلاد، الذي ستتحكم فيه لوبيات، سواء كانت داخلية أو أجنبية، أغلبها له هدف نفعي محض، دون الالتفات إلى الخسائر التي قد يسببها ذلك للمصالح العليا للوطن.
و رغم هذه »الأقصدة« للمهنة، إن جاز التعبير، فإن ذلك يجب ألا ينسينا الثوابت المهنية ودور المحامي الإنساني و الاجتماعي. فكما نفهم التغيير و ضرورته الحية لمجتمعنا المهني، لإمكانية ولوجنا إلى العصر، فينبغي لنا أن نتشبث بالثوابت التي استقرت عليها الممارسة المهنية من حيث ضمان الدفاع والمؤازرة لكل شخص يطلب ذلك، حتى و إن لم تتوفر له الإمكانات أو وجدت لديه إحراجات ذات طبيعة اجتماعية أو سياسية.
* *
إن مهنة المحاماة تستند في الأساس على العلاقة الشخصية التي تجمع المحامي بموكله، وهي رابطة روحية ليست لها ضوابط معيارية يمكن عن طريقها إعطاء تعريف علمي محدد لها يمكن من الحسم بوجودها كلما توفرت عناصر التحديد.
إلا أن العنصر الأساسي الذي يشكل العمود الفقري للعلاقة المذكورة هو عنصر الثقة، والذي يلاحظ في المجال العملي بوضوح عندما يتخلى الموكل لمحاميه على الوثيقة الوحيدة التي تثبت حقه في مواجهة خصمه و دون الإلحاح في أخذ توصيل عن ذلك في أحيان كثيرة، والأمر يتعلق بمجرد مثال يجسد بالملموس العنصر المعنوي المذكور أي عنصر الثقة.
إن المتقاضين حين يطلبون كثيرا من جهاز العدالة فإنهم يطلبون من المحامين ضمانات أكبر سواء من حيث الإخلاص لهم بالذود عن حقوقهم بكل تفان و إخلاص، و بالخصوص للحفاظ على مصالحهم ورعايتها بكل حرص و عناية.
و لذلك، و نبذا لكل أشكال التلوث الاجتماعي العام أو الطائفي المهني، و بالنظر لما بينت عنه التجربة من ضعف آليات المراقبة على الأموال، و الحرص على تسليمها لمستحقيها في أوانها، فإن المحامين أنفسهم اقتنعوا بأنه صارضروريا، في إطار النماء الأخلاقي، أن تتوفر المؤسسات المهنية على ميكانيزمات تحترم القواعد الديونتولوجية، ترفع عن المعاملات المالية للمحامين اللبس الذي يؤدي للخلاف و إطلاق الاتهامات و تقديم الشكايات.
إن المحامي يكتسب القوة في كل تدخلاته، و على جميع المستويات، من استناده على مقتضيات القانون، الذي ينبغي أن يكون وحده جواز سفره و هو يتنقل بين كل الحدود، سواء في مقرات الضابطة القضائية أو لدى النيابة العامة أو في جلسات الحكم، أو أمام أية هيئة أخرى يسمح له القانون بالتدخل لديها.1
إلا أن المحامي، و إن استند على مقتضيات القانون، فإنه يكاد يفقد القدرة على القيام بالمهام الموكولة إليه في تمثيل الموكل أو الدفاع عن حقوقه و مصالحه أو مؤازرته، لما يتدخل عنصر حاسم يكون له أثر مباشر في تعطيل مؤهلاته، كيفما كانت القدرات التي يتوفر عليها، و ذلك عندما يؤثر سلوكه المخالف للقانون، أو حتى لبعض الأعراف و التقاليد، على مهمته.
و بصيغة أخرى، فإن نقاط الضعف التي يراكمها المحامي في حياته الشخصية يكون لها بالضرورة تأثير على مردود عمله المهني. فالمحامي المتابع بشكاية من أجل إصدار شيك بدون رصيد، من الصعب عليه أن يتولى مهمة الدفاع عن شخص مواجه بنفس التهمة، مهما كانت براعة هذا المحامي أو كفاءته.
إلا أنه عندما ترتبط مخالفة القانون أو الأعراف و التقاليد المهنية بالعلاقة مع الموكل فإن مداها يكون أفدح، لأنها تؤدي مباشرة إلى فقد الثقة و تجعل المحامي، و الذي يعلم نوع المخالفة المرتكبة من طرفه، يقف مشلولا أمام اتهامات موكله، و يكون لمثل هذه الواقعة آثار مدمرة على وضعيته، و في كثير من الأحيان على مستقبله المهني.
و لعل المشرع نفسه عندما حَرَّمَ على المحامي ممارسة بعض المهن فإنه لم يأت بذلك اعتباطا أو لحرمانه من موارد رزق إضافية، بل بالأساس لحمايته من نقاط الضعف التي قد تخلقها ممارسة تلك المهن، و التي من شأنها أن تحد من شجاعته و اندفاعه الكلي في القيام بمهمته بكل جرأة و إقدام، و في احترام مطلق لآداب التعامل، لأن انعكاسات نقاط الضعف المذكورة سيؤدي نتيجتها المتقاضي الذي تحرص كل القوانين العادلة أن تضمن له حق الدفاع بشكل حقيقي و ليس فقط بصفة رمزية.
إن التفكير الجدي في تعديل المقتضيات القانونية المنظمة للودائع بدأ منذ تهيئ مشروع تعديل المرسوم الملكي المؤرخ في 19 دجنبر 1968.2 و بذلك فقد جاء المشروع الأولي للتعديل لينيط بالسيد رئيس كتابة الضبط المكلف بقسم التنفيذ مهمة تسليم المحامين أتعابهم بعد تحديدها من طرف النقيب و تسليم الباقي مباشرة للموكلين.
إلا أنه نتيجة للمعارضة القوية التي لقيها هذا المشروع فقد تم تعديله بالتفكير في تكليف النقيب بالمهمة بدلا من السيد رئيس كتابة الضبط، و هو الأمر الذي رفضه آنذاك أغلب المسؤولين المهنيين، مما أدى إلى التخلي مطلقا عن الفكرة من أساسها في ظهير 8 نونبر 1979،3 و لم يتم الاحتفاظ إلا بالمقتضيات المتعلقة بالقاصرين اليتامي في الفصل السادس من الظهير.4
إنه بالنظر لما أصبح يثيره موضوع الودائع من جدل، يزداد بازدياد الحالات المحدودة التي يتم فيها التصرف أو الاحتفاظ بغير حق بهذه الودائع، بلغت لحد الطعن في الجسم المهني برمته،5 فإن المحامين أنفسهم، و خلافا لمعارضتهم السابقة، تبنوا التفكير الجدي في إيجاد حلول ناجعة تحافظ للمهنة على كرامتها و مصداقيتها و تمنح للموكلين ضمانات أكبر لحماية مصالحهم، بل وتحمي المحامي ذاته من كل المغريات التي قد يكون لها عواقب غير محمودة عليه و على المهنة.
و انطلاقا من التجارب التي سارت عليها أغلب التشريعات المقارنة فقد أسفر الأمر عن اقتراح خلق جهاز يحمل اسم »حساب ودائع و أداءات المحامين« في إطار النظام القانوني للمؤسسات المهنية و بإشراف مباشر منها، يتكفل بمهمة حفظ ودائع الموكلين بشكل آمن ويوفر كل الضمانات.
و منذ خروج المقترح المذكور لحيز الوجود، ثم تبنيه فيما بعد من طرف المشرع، فإنه أثار قريحة العديد من المحامين بين محبذ و ناقد.
فإذا كانت الغالبية العظمى من المحامين تعتبر المقترح وسيلة إيجابية لدرء نقاط الضعف التي تؤثر على الممارسة المهنية من حيث التشكيك في مصداقية و تجرد المحامي، فإن هناك أصواتا أخرى انتقدت بشدة هذا التوجه و اعتبرت أن اقتراحه هو الذي يمس بتلك المصداقية و هذا التجرد.
و إذا ما وقع غض الطرف عما تثيره شريحة صغيرة من المحامين بالنظر لمساس المقترح بمصالحها غير المشروعة، فإن المعارضين الآخرين يركزون رأيهم على عناصر مبدئية.
و هكذا فإن هؤلاء المنتقدون يصرحون بكون المشرع كلف المحامي بالترافع نيابة عن الأطراف و مؤازرتهم و الدفاع عنهم و تمثيلهم أمام محاكم المملكة و المؤسسات القضائية و التأديبية لإدارات الدولة و الجماعات و المؤسسات العمومية و الهيآت المهنية.. و تقديم كل عرض أو قبوله، و إعلان كل إقرار أو رضى و رفع اليد عن كل حجز و القيام بصفة عامة بكل الأعمال لفائدة موكله و لو كانت اعترافا بحق أو تنازلا عنه.6
و يستمر أصحاب نفس الرأي في التأكيد على أن الثقة اللامتناهية التي وضعها المشرع بمقتضى القانون المنظم للمهنة في المحامي، من بداية المسطرة القضائية إلى نهايتها، ستتوقف مباشرة بمجرد أن يصل الملف لمرحلة التنفيذ وقبض منتوج العمل، الذي يدوم في بعض الأحيان لعدة سنوات، فترتفع الثقة و تستبدل بجحود مطلق وطعن مفترض في ذمة المحامي الذي توضع أمامه علامات المنع لبلوغه المحطة النهائية لمسيرة الثقة.
و في رأينا المتواضع، و رغم ما تنطوي عليه وجهة النظر أعلاه من تحمس و تحيز للمشاعر المهنية لا يمكن إلا أن يقدر في أصحابها غيرتهم على مهنتهم، فإن الأمر ينبغي أن لا يأخذ من جانبه العاطفي المحض، بل بالبحث بكل هدوء و تعقل عن الصالح المهني واستبعاد كل ما من شأنه أن يشكل عائقا لممارسة المحامي لعمله دون أن يكون متأثرا بشبهات تخدش في سمعته، مع عدم التفريط في المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها المهنة.
إن المهمة الأساسية للمحامي تتجلى بشكل جوهري في الدفاع عن مصالح موكله و عدم إهمال أي سبب مشروع يوصل لهذه الغاية، و السعي بكل الوسائل القانونية لتوصل الموكل بالحقوق التي أقرت له بها المحاكم. أما عملية قبض القيم و الأموال فإن الأمر يتعلق بمجرد إجراء مادي، قد يكون يمثل بالملموس النتيجة النهائية للعمل و الجهد المبذولين طيلة حقبة من الزمن، إلا أنه ينبغي ألا يؤخذ عدم القيام بعملية الأداء بين يدي المحامي على أنه طعن في أخلاقيات هذا الأخير أو بمثابة توجيه اتهام مسبق له بارتكاب محتمل لمخالفة مهنية.
إن النتيجة الطبيعية التي يسعى إليها كل ذي حق عندما يلجأ للمحامي لمساعدته على التوصل به هي الحصول على الحق المذكور، و عندما يتعلق الأمر بأموال و قيم فأن يحصل عليها صاحب الحق من جهاز يخلقه المشرع للتكفل بهذه المهمة، ليس من شأنه أن يدخل أي خلل في علاقة المحامي بموكله، بل بالعكس فإن الإجراء المذكور يحصن هذه العلاقة لأنه يبعد عنها كل الشبهات و أسباب التشكيك، علما أن المقتضيات المقترحة لتنظيم »حساب ودائع و أداءات المحامين« تحتوي على نصوص تضمن للمحامي الحقوق التي قد تكون له على المبالغ المستحقة له في الأموال المودعة بهذا الحساب، بشكل يوفر ضمانات أكبر من تلك التي كان معمولا بها قبل صدور القانون 28.08.
و بذلك ستكون هذه المؤسسة المهنية حارسة للأموال المودعة لديها، و تتجلى التزامات هذه الحراسة في المراقبة القبلية و البعدية للودائع و طرق صرفها بواسطة الصندوق.
و ما أتمنى شخصيا من الزملاء هو أن يعتبروا الجهاز الجديد شريكا يرفع عنهم كل الإحراجات المرتبطة بمعاملاتهم المالية مع الموكلين، و محاور مفيد لهم لتجاوز الصعوبات التي تعترضهم في هذا الإطار وليس منظومة للمراقبة.
و حتى عندما يتعلق الأمر بعنصر المراقبة فإنه لا ينبغي أخذه من جانبه القدحي، كما هو معمول به عادة داخل المؤسسات الرسمية للدولة حيث لا تتحرك فرق المراقبة إلا عند وقوع مساس بالمال العام، مما جعل المجتمع يعتبر المراقبة مرادفا لحصول سرقات أو تحويلات مبهمة للأموال.
إن المراقبة التي ينبغي الأخذ بها في الإطار المهني ترتكز على تطبيق مبدأ الشفافية المطلقة على التعاملات المالية للمحامي سواء إزاء الموكل أو إزاء المؤسسات المهنية، و هو ما ينتج عنه حتما الاطمئنان على مصالح الموكلين من جهة، و من جهة أخرى تؤدي تلك المراقبة إلى إبعاد المحامي عن كل سلوك غير محمود و من تم حفاظه على قوته و شجاعته و قدرته على مجابهة أي كان في نطاق المشروعية و القانون، و أخيرا سد أفواه الأبواق التي ما فتئت تنهش في الجسد المهني.
1- فتحت المسطرة الجنائية الجديدة ثغرة صغيرة بتمكين المحامي من الحضور لدى الضابطة القضائية، و إن كان ذلك لا يتناسب مع طموحات المحامين، إلا أنه يشكل بداية مشوار من المأمول أن يتطور مستقبلا للقيام بدور الدفاع والمؤازرة و ليس لعب دور مجرد شاهد على التعامل مع الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية في حالة تمديدها.
2- مرسوم ملكي رقم 816.65 بتاريخ 19 دجنبر 1968 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين و مزاولة مهنة المحاماة.
3- ظهير شريف رقم 1.79.306 صادر بتاريخ 9 نونبر 1979 يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 19.79 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين و مزاولة مهنة المحاماة.
4- تنص الفقرة الثانية من الفصل 6 على ما يلي :
»غير أنه إذا كان المستفيد قاصرا يتيما يتعين على المحامي عند قبض ما يجب قبضه نيابة عن هذا القاصر أن يقدم ملفه إلى النقيب قصد تقدير الأتعاب و المصاريف التي يمكن أن يستخلصها مما قبضه، و يجب على المحامي أن يدفع الباقي إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين في أجل شهر من يوم القبض، و في حالة عدم قبول هذا التقدير من طرف المحامي أو موكله تتبع مسطرة الطعن في تقدير الأتعاب.«
5- أصبح تدخل المؤسسات المهنية لمختلف الهيئات يتم بشكل مكثف كلما تطلب الأمر هذا التدخل، كما تدل عليه مختلف القرارات التأديبية التي يتعلق جلها بميدان الودائع.
6- المادة 28 من الظهير الشريف رقم 162-93-1 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) معتبر بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.