اختار جلالة الملك، الذكرى 34 للمسيرة الخضراء للإعلان عن خطة خماسية لتجديد روح المسيرة وإعطاء ذكراها، بعدا جديدا وملموسية أكبر من جهة تعزيز التنمية والجهوية والهياكل المرتبطة بها. فقد حرص الخطاب الملكي بالمناسبة على أن «تكون الاقاليم الصحراوية في صدارة الجهوية المتقدمة المنشودة، بما يعزز تدبيرها الذاتي لشؤونها المحلية»، وهو ما يجعل منها، ثانيا نموذجا لعدم التمركز الناجح وللحكامة الجيدة، وهو ما يعني أن المغرب يريد أن يقدم رسالة عن جدية مقترحه حول الحكم الذاتي ، ويعني أيضا أن بلادنا جادة في مسعاها من حيث العمل على خلق كل الشروط الذاتية والموضوعية لتنزيل مقترحه الذي لقي ترحيب العواصم الفاعلة في عالم اليوم. خطوة المغرب لإعطاء ملموسية أكبر لمقترحه التاريخي، للحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية ، صاحبتها كذلك الدعوة الملكية الى إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية «في أفق انتهاء ولايته». ويتضح من خلال الخطاب الملكي أن المجلس يحتاج، في انتظار انتهاء ولايته، الى عمل مضاعف يعتمد تركيبة جديدة، ونخبا جديدة وفاعلة «ذات كفاءة وغيرة وطنية». وهو مايعني أيضا الاهتمام بالشأن الداخلي للمجلس، وللبيت الداخلي للبلاد في تدبير القضية، سواء تعلق الامر بالهياكل أو بالاشخاص أو بطريقة التسيير. ولا تكتمل الخطة الملكية الخماسية بدون النظر في الجانب التنموي، والموكول أمره الى وكالة تنمية الجنوب، والتي سيتحدد نفوذها الترابي في الاقاليم الصحراوية كما ستضاف إليها مهام أساسية وجوهرية من قبيل تيسير ظروف العائدين، والحرص على دعم اندماجهم. وتلخصت الركيزة الخامسة في الدفع بالهيآت السياسية والمدنية الى القيام بعملها بالتأطير اللازم، وعدم الاتكال على الدولة وحدها في هذا العمل. وهو ما يعني دورا أكبر للهيآت السياسية والنقابية وغيرهما ، لا يتوقف على مسايرة الدولة وأجهزتها بقدر ما يساهم على التربية الوطنية الحقة، ومحاصرة الآلة الدعائية التي تهدف الى زعزعة العقيدة الوطنية، وإحداث الشرخ في الصف الوطني وفي اللحمة المتراصة حول القضية الاولي للبلاد . ومن قوة الخطاب أن الأجندة الخماسية الابعاد تزامنت مع الحزم الذي أبداه ملك البلاد إزاء التصعيد العدواني ، والدعوة الى مضاعفة الجهود واليقظة والتعبئة للتصدي بقوة القانون لكل مساس بسيادة الوطن. وتجلى الحزم المغربي، المعبر عن روح عامة لدى الشعب المغربي، ولدى الرأي العام المتعاطف مع حقه في صيانة حدودها وداخل ترابه، في رفض الازدواجية والخداع، حيث قال جلالة الملك« إما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي.( ) وإما أن يكون الشخص وطنيا أو يكون خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة». لقد جاء الخطاب الملكي قويا، صريحا ومجددا لمعنى استرجاع المغرب لصحرائه وللعلاقة التي يفرضها التزامه بالدفاع عن الشرعية وعن الحقوق التاريخية للمغاربة. لقد شكل الخطاب الملكي خارطة طريق جديدة ومتقدمة،كما أنه وضع التحدي الداخلي في مستوى ما يسترعي الحزم والصرامة، مركزا في الوقت ذاته على التراص الديموقراطي لكل قواه الحية والبناء المستمر للشروط الموضوعية لتفعيل المقترح المغربي.