من أكادير.. انطلاق دينامية شبابية جديدة لترسيخ ثقافة القرب والتواصل السياسي    توقعات الأرصاد الجوية لطقس اليوم الإثنين    فيفا يعلن إجراءات جديدة لحماية صحة اللاعبين وتنظيم فترات الراحة    صاروخ يقتل أطفالا يجلبون الماء في غزة وإسرائيل تعزو السبب لعطل    طنجة.. مكبرات صوت وDJ في الهواء الطلق تثيران استياء المصلين وسكان كورنيش مالاباطا    "السيبة" في أصيلة.. فوضى في الشوارع وغياب للسلطات    تشلسي يصعق باريس سان جيرمان ويتوج بلقب مونديال الأندية الموسع بثلاثية تاريخية    الفنانة الهولندية من أصول ناظورية "نوميديا" تتوَّج بلقب Stars on Stage    رفاق حكيمي يسقطون بثلاثية أمام تشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    كرة القدم.. "فيفا" يكشف عن قرارات جديدة بخصوص صحة وفترات راحة اللاعبين واللاعبات    "كان" السيدات .. تأهل نيجيريا والجزائر    اليمين المتطرف في بلدة إسبانية يستغل حادثة للعنف لربط الهجرة بالجريمة    بناني والحاجي والمرنيسي يحسمون لقب "بطل المغرب" في الفروسية    وفاة رئيس نيجيريا السابق محمد بخاري    أطروحة دكتوراه تكشف محدودية تفاعل المواطنين مع الخدمات الرقمية بالمغرب: فقط 40% راضون    الوزيرة بنعلي تعلن الشروع رسميا في إنجاز مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا        منظمة الصحة العالمية تحذر: تلوث الهواء يهدد أدمغة الأطفال ويعيق نموهم    نشرة إنذارية: موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    عودة العيطة إلى مسرح محمد الخامس.. حجيب نجم النسخة الثالثة    لطيفة تطرح الدفعة الأولى من ألبوم "قلبي ارتاح".. أول ألبوم عربي بتقنية "Dolby Atmos"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتفاعل مع فاجعة 'خزان أولاد يوسف'    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مونتينيغرو بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    تيزنيت: للسنة الثانية على التوالي..نسبة النجاح بالبكالوريا تُلامس 80%    إصابة أربعة أشخاص في سقوط أرجوحة بمرتيل    « البسطيلة بالدجاج» تحصد المركز الثالث في مسابقة «تحدي طهاة السفارات» بواشنطن    الكوكب يراهن على خبرة الطاوسي في رحلة التحدي الكبير    "فيفا" يُنصف حكيمي: أفضل مدافع في مونديال الأندية بأرقام دفاعية وهجومية مذهلة    متحدية الحصار الإسرائيلي.. سفينة "حنظلة" تنطلق من إيطاليا باتجاه غزة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يأسف لتطورات اعتصام قصبة تادلة ويحذر من نشر مشاهد صادمة دون ضوابط    الشاعرة نبيلة بيادي تجمع بتطوان الأدباء بالقراء في برنامج "ضوء على القصيدة"    "نوستالجيا 2025": مسرح يحفر في الذاكرة... ويستشرف الغد    بملتقى فكري مفتوح حول «السؤال الثقافي: التحديات والرهانات»، بالمقر المركزي للحزب بالرباط .. الاتحاد الاشتراكي يفتح نقاشاً ثقافياً استعداداً لمؤتمره الثاني عشر    دلالات خفقان القلب بعد تناول المشروبات المثلجة        الاتحاد الأوروبي يؤجل "رسوم أمريكا"    "عدالة" تنبه إلى التدهور المقلق للوضع الحقوقي بالمغرب وتدعو لإصلاح يضمن الحقوق والحريات    انتهاك صارخ لقدسية الأقصى.. مستوطنون يقتحمون قبة الصخرة ويؤدون طقوسًا تلمودية في ذكرى خراب الهيكل    مراكش تنادي إفريقيا: إصلاح التقاعد لضمان كرامة الأجيال المقبلة    الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة        بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شالّة.. موقع أثري للبحث والتكوين والمهرجانات
100 ألف سائح يزورون معالمها التاريخية والطبيعية
نشر في الصحراء المغربية يوم 30 - 04 - 2013

فيما يشبه العودة إلى الأزمنة السابقة، سافرت "المغربية" عبر سجلات التاريخ، إلى ماض موقع "شالة" بمدينة الرباط، حيث فرض طابعه الأثري المميز تعقب شواهده ومعالمه وفق زيارة ميدانية للموقع، الذي يلخص في تنوع مقوماته ومكوناته تعاقب أحداث ووقائع مختلفة.
المدخل الرئيسي لموقع شالة الأثري
ثمة إيحاءات تاريخية وأثرية كثيرة تعكس للزائر قبل ولوجه "شالة" عبر بابها الرئيسي، أنه بصدد استكشاف عوالم فترات قديمة من التاريخ، لتتضح له الرؤية ولو بشكل "عام" عن "شالة المدينة" بعد الانخراط في جولة متفحصة للبقايا الأثرية الكامنة فيها.
هذه الشواهد الصامدة تعكس بجلاء تنوع المعالم ووظائفها وتؤرخ لحقب متباينة، يرصدها عبد القادر شرقي، محافظ موقعي شالة والأوداية في شروحات مفصلة، وهو يجوب ب"المغربية" أرجاء "شالة" الأثرية، إذ ساعد إلمامه بحيثيات الموقع التاريخية، في رصد أحداث استوعبتها "المغربية" بالوقوف عن كثب أمام هذه المعالم.
خلف الباب الرئيسي ل"شالة" وقائع كثيرة مضت، قد لا تنعكس للزائر بمجرد الرؤية، لكنه سيشعر أن وراء تلك المعالم الموجودة بقلب شالة والمتمثلة في المعبد وقوس النصر والمحكمة وساحة الفوروم وحوض الحريات والحمامات وغيرها، ماض عريق وطويل أفرز هذه التشكيلة الأثرية، صمد منها ما صمد، واندثر منها ما لم يتحمل عوامل الزمن.
"شالة" مزيج بين معالم أثرية يمكن التفريق بينها لخاصية كل واحدة منها، وفي هذا التنوع جمالية الموقع وقيمته الأثرية، وعندما يدخل الزائر من الباب الرئيسي متجاوزا إياه عبر منعرجات، يدرك أنه بمرتفع يتيح له مشاهدة الموقع بشكل بانورامي.
وهنا ينعم الزائر بمنظر طبيعي فريد، أشجار وارفة الظلال، وهدوء وارد في الفضاء، ومعالم قائمة الذات، ولتتضح تركيبة بناء هذه الشواهد الأثرية، فإن السلالم الحجرية تساعد الزائر على الوصول إلى المنخفض حيث المعالم ثابتة مرصودة لكل محب للتاريخ والآثار.
قد يوحي للزائر منظر المعالم الأثرية في شالة على امتداد بقعتها للزائر أنها "لوحة فنية"، تمزج بين النحت والتصوير، وترصد استمرارا لصور قديمة في أعمال متجذرة، لكونها تراثا إنسانيا قديما، أما من ناحية أخرى فإن بقايا شالة تعد تراثا ماديا عالي العمق، تأتي أهميته أنه خلد لفترات ما قبل الميلاد وتحمل عوامل التلاشي والاندثار، وهذا تشبيه خاص ب"المغربية"، ربما يختلف من زائر لآخر كل حسب رؤاه وقراءاته الذاتية وتفاعله مع معطيات شالة التاريخية والأثرية.
المدينة الرومانية
استطاعت معالم شالة أن تشكل حضورا مهما لدى المؤرخين والباحثين في الآثار وذلك لأنها "مدينة متكاملة المقومات" في خاصيات عماراتها المدنية والدينية والعسكرية، إلى جانب أن الغوص في الحيثيات والدوافع التي أنتجت هذا التعدد المعماري، سيخلق بين الزائر والموقع صلة وإن باعدت بينهما الأزمنة، فإن الشواهد الأثرية اختزلتها في ذلك التجاوب الحاصل مجرد التفقد والاستفسار حولها.
جاءت زيارة "المغربية" ل"شالة" برفقة عبد القادر شرقي بمثابة مكسب حقق تلك المتعة الطبيعية والأثرية والفنية، فالسير من الباب الرئيسي إلى موضع المعالم الأثرية التي توجد في منخفض مقارنة مع علو موضع الباب، يقود إلى مشاهدة تلك الحجارة الصلدة التي تتوزع بشكل مرتب، موحية بأن وجودها على هذا النحو لم يكن اعتباطا، بل هو من صنع إنسان سخرها لأغراضه وحاجياته آنذاك.
أشجار تتوزع على اتجاهات الممشى الذي يؤدي إلى المنخفض حيث الشواهد الأثرية تعكس تناغما بينها وبين الأشجار الطبيعية التي تحفز الزوار على التجول بتأن لاستعذاب جمالية موقع أثري، جمع بين الطبيعة والآثار.
مجرد بلوغ المنخفض يدرك الزائر أنه وسط فناء تتخلله معالم أثرية مختلفة قد يدركها البعض ممن اطلع على القليل من التاريخ ومرت على ذاكرته صور ورسومات للمباني السائدة قديما.
وهنا تدخل عبد القادر شرقي للكشف عن طبيعة الشواهد الموجودة في "شالة" والتي شطرها الأول يتعلق ب" المدينة القديمة أو مدينة سلا الرومانية"، إذ ذكر ل"المغربية" أن هناك "المعبد الرسمي للمدينة المعروف بالكابيطول"، يبلغ طوله 46 مترا وعرضه 26 مترا، بني فوق مرتفع يعلو باقي بنايات الحي العمومي، ويضم رواقا كبيرا يحيط بقاعة مغطاة كانت تحتوي على تماثيل الآلهة الثلاث: جوبيتر: كبير الآلهة، جونان زوجته ومينيرفا إلهة الحكمة والفنون.
وبالمحاذاة كشف شرقي أن هناك قوس النصر، وهذه بناية عبارة عن بوابة ضخمة تشيد تخليدا لحدث هام مثل زيارة الإمبراطور أو انتصار جيوشه، وقوس النصر بسلا بوابة كبيرة ذات ثلاث فتحات لم يبق منها سوى الأساسات.
كما كشف عن "المحكمة" التي قال عنها إنه "في المدينة الرومانية كانت المحكمة تستعمل كقاعة للاجتماعات وكسوق للتبادل التجاري وكباحة للتجول في حالة محاذاتها للساحة العمومية (الفوروم). أما دار العدالة بسلا فهي عبارة عن قاعة كبيرة مستطيلة الشكل كانت تضم كذلك قاعة لاجتماع المستشارين البلديين. وبالمكان نفسه هناك "ساحة الفوروم" التي أوضح بخصوصها الشرقي بأنها ذات شكل مربع كان مجلس المدينة وسكانها يقيمون فيها النقائش المهداة إما للآلهة أو للأباطرة أو لأعيان المدينة الذين قدموا خدمات جليلة للمدينة.
وبالسير خطوات قليلة يوجد حوض الحوريات، وهو بناية ذات شكل مثمن الأضلاع تشكل حوضا مائيا يستقبل المياه من القناة المائية ويوزعها على باقي أحياء المدينة.
يضم هذا الحوض عدة كوات حائطية يعتقد أنها كانت مزينة بتماثيل آلهة وحوريات ورسوم جدارية، ويبدو أن هذا المكان قد شكل كذلك مزارا مقدسا تقام به طقوس مرتبطة بالمياه ومخلوقاته، حسب ما أوضحه الشرقي.
وليس بعيدا عن الحوض هناك الحمامات، إذ كانت المدن الرومانية تتوفر على كثير من الحمامات العمومية لم يكشف البحث بموقع سلا سوى عن نموذج واحد منها، تحتوي هذه البناية على قاعتين لخلع الملابس والقيام بتمارين رياضية، قاعة باردة وقاعتين ساخنتين، يتم تسخينهما عن طريق قنوات تحت أرضية مبنية بالآجور المشوي يمر عبرها الهواء الساخن.
في عهد المرينيين
بجوار هذه "المدينة الرومانية" هناك مسجد تلوح صومعته في الأفق، لتدعو الزائر إلى استكشاف خصائص بناء إسلامي، فالمسجد وفق ما استعرضه شرقي "شيد من طرف السلطان أبي يوسف يعقوب سنة 683/1283-1284، وهو يتألف من صحن مكشوف وقاعة للصلاة مازالت تحتوي على بقايا تبرز في مجملها مكانة هذه المعلمة، ومن البقايا المهمة بهذا المسجد المنارة المربعة الشكل، التي ترتفع في الركن الجنوبي الشرقي منه والتي يصل ضلعها إلى 2.46 متر وعلوها إلى 8.25 أمتار.
كما توجد "مقبرة شالة المرينية"، حيث "الخلوة"، وهي "الجزء من الموقع الذي يضم مسجدا ومجمعا من القبب الجنائزية من أهمها قبة السلطان أبي الحسن وزوجته شمس الضحى ومدرسة تبقى بمنارتها المكسوة بزخرفة هندسية متشابكة ومتكاملة وزليجها الرقيق المزركش نموذجا أصيلا للعمارة المغربية في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي"، تبعا لما ذكره شرقي بنبرة تعكس اطلاعا كبيرا.
وبالموازاة هناك "القبب الجنائزية"، قال عنها شرقي إن "وظيفتها الأساسية لشالة على العهد المريني تمثلت في استقبال تربتها جثامين الأسرة الحاكمة وأعيانها، وعلى عهد السلطان أبي الحسن بنيت قاعة جنائزية ضخمة ومزخرفة مازالت تحتفظ لحد الآن بأغلب مكوناتها العمرانية والزخرفية وبرخاميات مقبرية للسلطان نفسه ولابنه أبي مالك".
وعلى بعد خطوات أخرى والسير على ممر، ظهر ل"المغربية" فضاء مجزء على شكل بنايات لم يبق منها غير أجزاء متراصة، ذكر بشأنها شرقي أنها "المدرسة المرينية"، وهي بناية ذات طابق تتكون من بيت للصلاة وفناء تحيط به أروقة محمولة بواسطة أعمدة رخامية بيضاء وسواري مكسوة بالزليج، أما الجوانب فقد خصصت لاحتواء مجموعة من الغرف الصغيرة على غرار تلك الموجودة بباقي المدارس المرينية.
وقريبا من هذه المعالم هناك "الحمام المريني"، الذي بني مابين سنة 739 – 759/1339 - 1358 والذي يعد أحد أروع حمامات القرن الرابع عشر الميلادي بالمغرب، تنقسم مساحته إلى أربع قاعات: قاعة لخلع الملابس وقاعة ثانية باردة وقاعة ثالثة دافئة ثم قاعة رابعة ساخنة، تحتوي على كوة "كانت تحوي نافورة أو حوضا للماء الساخن".
وكما هناك "حوض النون"، الذي هو في الأصل قاعة للوضوء، بعد أن تجمعت بها مياه عين شالة، وقد نسجت الذاكرة الشعبية حول هذا الحوض ومخلوقاته مجموعة من الخرافات والمعتقدات وجعلت منه مزارا يرتاده أغلب زوار شالة للوقوف حول الحوض وكائناته الحارسة لمدافن ملوك وأمراء بني مرين وأولياء شالة، حسب إفادات الشرقي.
فكل متعلقات "شالة" تؤثث لصورة مدينة مرت بمراحل بناء عديدة على مدى تاريخها وتعاقب حضاراتها، وبينما تتجول "المغربية" بمعية عبد القادر شرقي في الأنحاء حيث تقسيمات التراث المادي بارزة بجلاء للزوار، استطرد قائلا إن السلطان أبا الحسن المريني وسع الروضة السلطانية وسيجها سنة 738 - 739/1339 بسور ثان خماسي الأضلاع، تقويه أبراج، ويحيط بمساحة تقارب سبع هكتارات، تابعة كلها للنواة الأولى للروضة التي جرى تأسيسها من طرف السلطان أبي يوسف يعقوب سنة 683/83 1284.
وأوضح شرقي أن السور بني بالطابية على ارتفاع يتراوح مابين 6 و 7 أمتار وعرض يصل إلى 1.60 متر، ويعلوه ممر للجند ومِتراس بشرافات هرمية (0.65 متر).
وتتخلل هذا السور أبراج مربعة الشكل يصل عرضها إلى 5.00 أمتار وعمقها مابين 3.50 و3.90 أمتار تضفي عليه طابعا عسكريا شبيها بالحصون والقصبات المعاصرة والموجودة بتازة أو بالمنصورية في تلمسان، وتسهيلا لولوج الروضة جرى فتح ثلاثة أبواب، باب عين الجنة بالواجهة الشمالية الشرقية وباب البساتين بالجهة الجنوبية الشرقية ثم الباب الرئيسي.
أسرار الباب الرئيسي لشالة
مثلت عناصر شالة الأثرية المتنوعة مرحلة مهمة من مراحل تطور المدينة حينئذ، لتبقى اليوم منطقة أثرية محمية على امتداد مساحاتها، باعتبارها تراثا وطنيا.
وفي هذا الصدد قال شرقي إن ولوج "شالة" واكتشاف عوالمها الأثرية والتاريخية يكون عبر الباب الرئيسي، هذا الباب الذي يوجد قبالة السور الموحدي لرباط الفتح ويتفرد بحجمه وغنى زخرفته وعناية تنظيمه، ينفتح هذا الباب المدعم ببرجين مكسوري الزوايا بواسطة قوس منكسر ومتجاوز يصل ارتفاعه إلى 4.80 أمتار، وتزينه زخارف نباتية ونقائش كوفية، ترسم إطارا مستطيلا، يعلوه إفريز مقرنص، مما يجعل العلو الإجمالي للباب يصل إلى 9.95 متر.
يفضي القوس عبر مدخل منعرج مغطى بقبب نصف دائرية من الآجور المشوي إلى النزالة في الزاوية الغربية للموقع، وهي عبارة عن فندق مكون من فناء وغرف مربعة الشكل خاصة بإيواء الحجاج والزوار.
لما كانت "المغربية" تتنقل بين المعالم الأثرية وسط "شالة" كانت الممرات المبلطة تساعد على متابعة الاستكشاف، وهي في بعض الجنبات محاطة بالورود والشجيرات، تؤدي إلى ممرات متفرعة عنها، مغطاة بأشجار ضخمة ومتينة تلوح للزوار بظلال مشجعة على المكوث لوقت طويل ب "شالة".
وفي هذه الأثناء انتقل شرقي بشروحاته "المغربية" من المعاينة المباشرة للشواهد الأثرية، إلى سيرورة التاريخ التي أسست هذا "الموقع الأثري، ليروي أن
اسم شالة عرف تسميات مختلفة عبر مختلف المراحل التاريخية التي عرفتها، فغالب الظن أنه في الفترة المورية كانت تسمى سالت أو سلات من خلال الاعتماد على الأحرف البونية (s.l.t.) المثبتة على المسكوكات التي تحمل أسماء الملوك الموريين.
في الفترة الرومانية، نجد الإشارة إلى اسم سلا باللغة اللاتينية (sala) كما ذكر عند بلينيوس الشيخ في تاريخه الطبيعي وأيضا على النقائش اللاتينية التي عثر عليها بالموقع.
بعد ذلك، و خلال الفترة الإسلامية سيتحول هذا الاسم إلى المدينة الجديدة على الضفة اليمنى لنهر أبي رقراق (مدينة سلا)، وسيتحول اسم موقع سلا القديمة إلى شالة وإن كان يصعب تفسير وإيجاد معنى لهذا التحول والتغيير، لا ينبغي أن نغفل أن أصل الاسم قد يكون محليا و ربما أمازيغيا.
وترجع العهود الأولى لموقع سلا إلى الفترة الفينيقية (القرن السابع أو السادس ق.م)، حيث لعب دور محطة بحرية على الطريق الأطلنطية الرابطة بين ليكسوس وموكادور، وفي الفترة المورية برزت سلا كمدينة مزدهرة تربطها علاقات تجارية مع العالم المتوسطي، وهكذا عرفت تحت حكم الملوك الموريين خاصة خلال عهد الملكين يوبا الثاني (25 ق.م -23 م)، وابنه بطليموس (23-40 ميلادية) تشييد عدة بنايات عمومية ذات تأثير هيليني وروماني، كما حصلت على استقلاليتها مما جعلها تسك نقودا باسمها.
وابتداء من سنة 40 ميلادية، خضعت المدينة لتصميم عمراني جديد، بعدها أصبحت المملكة المورية ولاية رومانية، وهكذا في الوقت الذي جرى الاحتفاظ فيه ببنايات مورية بغرض استغلالها جرى الاستغناء عن بعض البنايات الأخرى، كما أقيمت مبان جديدة ذات اتجاه مغاير عن سابقاتها مثل "المعبد الرسمي" و"الفوروم"، وغيرها.
وفي سنة 144 ميلادية تحت حكم الإمبراطور الروماني أنطونينوس، أحيطت المدينة بسور تتحدث عنه نقيشة ماركوس سلبيكيوس فيلكس المشهورة، وبقيت سلا تحت السيطرة الرومانية إلى غاية نهاية القرن 4 أو 5 للميلاد، وترجع أهمية مدينة سلا في العهد الروماني إلى مكانتها الاقتصادية كميناء تجاري نشيط على الواجهة الأطلنطية.
مهجورة من القرن 5 إلى 10 ميلادي
يبدو من خلال ما ذكره بعض الرحالة والمؤرخين العرب، أن شالة بقيت مهجورة منذ القرن 5 إلى 10 الميلادي، وهو الوقت الذي تحول فيه هذا المكان إلى رباط يتجمع فيه المجاهدون لمواجهة قبيلة برغواطة.
وعادت الحياة لشالة حينما اتخذ منها السلطان المريني أبو يوسف يعقوب، سنة 1284 ميلادية، مقبرة لدفن الملوك والأعيان، لتتراجع مقبرة شالة الملكية بعد قرار المرينيين بإقامة مقبرة بعاصمة دولتهم مدينة فاس، فأهملت بنايتها إلى أن تعرضت في بداية القرن 15 ميلادي للنهب والتدمير، غير أن هذه المعلمة احتفظت بقدسيتها العريقة وعاشت على ذكريات تاريخها القديم كمزار مقدس على هامش مدينة "رباط الفتح".
هي مختصرات من تاريخ شالة العريق، حاول شرقي أن يمد "المغربية" بها لرصد المكانة التاريخية والأثرية والاعتبارية لهذا الموقع الذي يرتاده الزوار بكثافة وإن كان الكثيرون منهم يقصدونه للاستمتاع ببساطه الأخضر وظلال أشجاره النظرة، متناسين في غالب الأحيان أصول الحفاظ على الموروث المادي الأثري ل"شالة"، التي وإن تحملت وقع عوامل الزمن عليها، فإن عبث بعض زوارها يفقدها بعضا من المناعة.
لهذا، فكل زائر تروقه المعالم الأثرية المنسجمة مع عناصر الطبيعة، فإن "شالة" مؤهلة لتحقيق المتعة والمعرفة، مادامت تختزل فصولا عديدة من التاريخ، لكن شرط أن يحسن الزائر التجول بمنأى عن المس بهذا "الموقع الأثري" هذا ما تفرضه أصول الزيارة، وهذا ما استخلصته "المغربية" قبل أن تعود أدراجها من "شالة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.