وفد حماس يدرس مقترح الهدنة.. والولايات المتحدة وبريطانيا تدعوانها لقبول "العرض السخي"    أمطار ورياح مرتقبة اليوم الثلاثاء في ممناطق مختلفة من البلاد    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب        المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنتزه الوطني للحسيمة.. زيارة واحدة لا تكفي
يجمع بين البحر والجبل والوادي على مساحة تناهز 48 ألفا و460 هكتارا
نشر في الصحراء المغربية يوم 03 - 12 - 2013

قد يجد المتجول في رحاب المنتزه الوطني للحسيمة، نفسه مجذوبا فجأة، وبصورة لا تقاوم إلى الوقوف في مكان بمرتفعه، للاطلاع على المجال البحري الموازي للمجال البري، حيث يتمثل المنتزه في شكل متنوع بين شواطئ صخرية ثم رملية وأخرى من الحصى، تشرف على المجال البحري على مسافة تقدر ب 40 كيلومترا.
على وقع تأثير هذه الطبيعة الجذابة، خاضت "المغربية" جولة قصيرة على ممر الشريط البري، حيث كان بالإمكان تحقيق رؤية شاملة نوعا ما لمد المنتزه، لكنها غير كافية لرصد مكوناته الجيولوجية والطبيعية والإحيائية، ماعدا تلك الملاحظات الطفيفة التي تعززت بتوضيحات من حكيم المسعودي، بصفته رئيسا لمركز الإرشاد والتوثيق في مجال التنمية المستدامة والتربية البيئية بالحسيمة، مكنت من إدراك أن هذا المنتزه هو منظومة بيئية غنية ومتميزة، وبحاجة إلى رصد إعلامي يكشف عن قيمته الإيكولوجية.
في المنتزه الوطني للحسيمة، الذي يؤوي أصنافا حيوانية ونباتية، منها المميز ومنها النادر ومنها المهدد بالانقراض، توقفت "المغربية" بمعية المسعودي للاستفسار عن هذا المعطى الطبيعي الذي قد يغيب عن الكثيرين معرفته.
بدا المنتزه في شكل لوحة فنية على الناظر فيها أن يقرأ دلالتها الإيحائية على نحو يقربه من معانيها، فالمنتزه يحمل في خاصياته المورفولوجية (علم يهتم بدراسة الشكل والبنية) تنوعا يتشكل في شواطئ من ركام صخري وشواطئ ذات انحدار قوي مكونة من الحصى وأحيانا من الرمل الخشن، ثم شواطئ رملية.
فالمنتزه يقع بالمنطقة الوسطى من الساحل المغربي المتوسطي، يُحد شمالا بالبحر الأبيض المتوسط، وجنوبا بالطريق الثانوية الرابطة بين الحسيمة وأيت قمرة عبر أمزورن، ثم الطريق الساحلي إلى حدود كلايريس غربا، وشرقا بمدينة الحسيمة، ليغطي المنتزه مساحة تناهز 48 ألفا و460 هكتارا، تشمل وسط بري بمساحة 28 ألفا و860 هكتارا، ووسط بحري بمساحة 19 ألف و600 هكتار.
إن الرحلة لمسافة قصيرة بمحاذاة المنتزه تتطلب اعتماد سيارة، لأن الانطلاق من مركز مدينة الحسيمة في اتجاه المنتزه، يكشف أن المسار إليه هو عبارة عن منعطفات ومنعرجات يزداد ارتفاعها مع مواصلة السير على طول المجال البري للمنتزه، غير أن الطريق المعبدة تشجع على استعذاب النسيم الذي يقذف به المناخ البحري قبل الوصول إلى نقطة بالمرتفع أتاحت إلقاء نظرة بعيدة المدى، عكست شساعة المنتزه وتمازج مكوناته البيئية والجيولوجية.
المجال البحري للمنتزه
عند بلوغ "المغربية" تلة برُكن من مرتفعات المنتزه، بدا المشهد مثيرا للانبهار، فالمجال البحري منبسط في تلك اللحظة على نحو هادئ، ليعكس صفاء مياهه الجارية، فيما كان المجال القاري يظهر في مستويات متباينة الأشكال والمكونات الطبيعية من نباتات وحجارة وصخور وتراب، غير أن الرؤية من فوق لم تخول الكشف عن الوصف الفيزيائي للمنتزه، لهذا كان لابد من الاعتماد على شروحات المسعودي المدعومة بكتيب أعده المركز، بمثابة "دليل للمجال البحري بالمنتزه الوطني للحسيمة".
وبهذا تأتى معرفة أن ساحل المنتزه تهمين عليه شواطئ صخرية مشكلة من أجراف بحرية عمودية وعالية، تخترقها وديان عميقة منحوتة في صخور كلسية تنتهي عند مصباتها بشواطئ صغيرة رملية أو حصباوية (مكونة من الحصى).
وتتعرض الواجهة البحرية للمنتزه لحركات قوية للأمواج تزيد من شدتها الخصائص المرفولوجية لساحله المتميز بخلجانه ورؤوسه البحرية العديدة مما يولد تيارات بحرية محلية غير مستقرة في المكان والزمان.
كما يتأثر المجال البحري للمنتزه بالإضافة إلى التيارات البحرية المحلية بتيارات بحرية عامة (من الغرب نحو الشرق) ناتجة عن دخول مياه المحيط الأطلسي عبر جبل طارق التي تصطدم مع "راس وارش ( رأس تريس فوركاس)، فتنشأ حركة دائرية لمياه البحر يتولد عنها تيار راجع نحو الغرب، ولقد ساهم هذا النشاط الهيدرودينامي (حركات الموج والتيارات البحرية) في نحت الملامح المرفولوجية المميزة لساحل المنتزه الوطني للحسيمة.
إن الإقرار بالغنى الطبيعي والبيئي للمنتزه مؤكد بمجرد تدقيق النظر ولو من زاوية بعيدة عن عناصره المختلفة، إلا أن بعض الباحثين بمن فيهم حكيم المسعودي، رئيس "مركز الإرشاد والتوثيق في مجال التنمية المستدامة والتربية البيئية بالحسيمة، التابع ل"شبكة الجمعيات التنموية العاملة بالمنتزه"، تعمقوا في بعض الدراسات لسبر أغوار هذا المنتزه، ومن ثمة أصبح من المعروف لديهم أنه يمكن التمييز على مستوى الواجهة البحرية للمنتزه بين ثلاثة شواطئ تتباين من حيث الخاصيات الفيزيائية والكيميائية والإحيائية، إذ أن الشاطئ الرملي والحصباوي (مكون من الحصى) بصفة عامة يفتقران إلى الطحالب ماعدا بعض الأنواع المقتلعة من عمق البحر أو من الشاطئ الصخري مع بقايا قواقع الحيوانات البحرية التي تشكل أحزمة موازية لمستوى الماء، وفي المقابل تظهر على السطح عدة فتحات وثقوب تدل على وجود بعض أنواع الحيوانات التي تحفر أنفاقا داخل الرمل، (لتجنب الاجتفاف)، ويتعلق الأمر ببعض الديدان والقشريات، كما يوضح ذلك كتيب "دليل المجال البحري بالمنتزه".
ويمكن للمتجول على الشاطئ الصخري أن يلاحظ خلال فترة الجزر كثرة الأنواع الحيوانية والنباتية في هذا المكان، التي تختلف ظروف عيشها، لتظهر على الصخور مستعمرات صغيرة من بلح البحر والصحنيات (حيوانات بحرية لا فقرية تثبت على الصخر)، وعند التقدم جهة البحر يلاحظ تلك المراكن (أحواض أو حاويات) التي تحتفظ بماء البحر وتعج بحيوانات متنوعة من بينها قنفذ البحر.
منتزه قبيلة "بقيوة"
كانت الإطلالة عبر مرتفع على المنتزه مفيدة، فهي متنفس طبيعي قاد إلى "اليقين بقيمة الطبيعة في حياة الفرد، خاصة إن حصل تخاطب وجداني بينه وبين عناصرها، ومن هنا كان المسعودي يحاول التوضيح خلال مرافقته ل"المغربية" أن "المنتزه الوطني للحسيمة يعد مركزا للصيد ومكمنا للثروة الحيوانية والنباتية والثروات المعدنية، وتتشكل فيه أوساط طبيعية غنية بالكائنات الحية النباتية والحيوانية ذات الأهمية الكبرى للإنسان".
وأضاف المسعودي أن المنتزه الذي أحدث بمقتضى مرسوم وزاري الصادر سنة 2004، رسمت له أهداف تتجلى في حماية نموذج من النظم البيئية بالمنطقة الساحلية المتوسطية المغربية، والمحافظة على التنوع البيولوجي والتراث الثقافي والتاريخي، ثم تطوير أنشطة مدرة للدخل تستجيب لحاجيات السكان وتضمن استغلالا أمثل للموارد الطبيعية.
ويغطي مجال المنتزه الوطني للحسيمة معظم قبيلة بقيوة، (إبقوين) وهي من أقدم القبائل بالمغرب، حيث تواتر ذكرها في عدد من المصادر التاريخية المهمة، العربية والأجنبية، ولعل أقدمها مُؤلف لبطليموس الروماني الذي ذكر فيه "بقيوة" إلى جانب "بوسكور".
كما أن مرسى "بادس" كانت مرفأ طبيعيا للسفن الفينيقية، وبذلك شكلت القبيلة صلة وصل بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب منذ ذلك الحين، ولمراحل طويلة، وعن بادس يقول الشريف الإدريسي (القرن السادس الهجري)، "وبادس مدينة متحضرة فيها أسواق وصناعات".
فهناك تاريخ موغل في القدم، ترك إرثا حضاريا ومواقع أثرية يزخر بها المنتزه الوطني للحسيمة من مدن وقرى وقلاع وحصون وزوايا وأسواق، بعضها مازال صامدا كقرية أدوز التاريخية ومسجدها العتيق ومسجد السلطان (مولاي رشيد) بتقيت، وقلاع طوريس، وهو الذي سجله "المركز الإرشاد والتوثيق في مجال التنمية المستدامة والتربية البيئية بالحسيمة"، في كتيب خاص به للتعريف بالتربية البيئية بالمدينة.
طيور نادرة مهددة بالانقراض
يحتضن المنتزه أنواعا مهمة من الطيور، مثل طائر "السرنوف العركي" أكثر أنواع الطيور ندرة على المستوى المتوسطي والمهدد بالانقراض على المستوى العالمي، والمدرجة باللائحة الحمراء للاتحاد العالمي للطبيعة، والمحمية وطنيا بالفصل 12 من ظهير يوليوز 1923، وباتفاقية واشنطن سنة 1973 حول التجارة العالمية في الأنواع الحيوانية والنباتية البرية، وباتفاقية بون سنة 1976 حول الأنواع الحيوانية البرية المهاجرة.
ويعتبر طائر "السرنوف العركي"، من الكواسر النهارية، يعيش على الأجراف المطلة على البحر حيث يصطاد الأسماك الحية السطحية، ويبني عشه على قمم الصخور وبأعلى الأشجار، ويبيض ثلاث بيضات على الأكثر في السنة.
فموقع المنتزه على الساحل المتوسطي الجنوبي، وضمن أحد مسالك هجرة الطيور، إلى جانب طغيان الأجراف العالية المطلة على البحر، والسفوح الشديدة الانحدار، والشعاب والمنبسطات، المغطاة بغطاء نباتي متنوع، جعلت المنتزه الوطني للحسيمة محميا بشكل طبيعي لعدد من الطيور، ذات أهمية متوسطية أو عالمية من كواسر وطيور بحرية والجواثم، منها النادر والنادر جدا والمهدد بالانقراض.
ومن الكواسر النهارية بالمنتزه المقيمة والنادرة، هي "العقاب الحر" و"العقاب الأبيض"، و"صرارة" و"الباز" و"صقر شاهين" و"صقر عاسوق" و"الصقر الحر"، أما الكواسر الليلية، النادرة والمقيمة أيضا بالمنتزه، هي "البوهة" و"بومة الحظائر" و"الخبل".
في حين تقارب الطيور البحرية بأنواعها المقيمة والمهاجرة والعابرة للمنتزه خلال مواسم الهجرة حوالي 30 نوعا، فمن الطيور البحرية النادرة بالمنتزه "نورس أدوران" و"الطائر السماك" و"الغطاس الكستنائي".
أما الجواثم، (العصفوريات)، فعددها أكبر من الأنواع الأخرى، فهي تتعدى 80 نوعا منها المقيم ومنها المهاجر العابر، مثل "الهدهد" و"الشرشور الأصفر" و"العندليب مروحي الذنب"، و"دخلة".
ويتجاوز عدد أنواع الطيور التي تلجأ إلى المنتزه الوطني للحسيمة، قصد التعشيش والتوالد، 20 نوعا من كواسر بنوعيها وطيور مائية وجواثم، منها ما يعد نادرا، مثل "بومة الثبج" و أبوبليق أسود" و"السبد" و"كروان الجبل".
من جهة أخرى، يحط بالمنتزه أكثر من 60 نوعا من الطيور المهاجرة، منها ما يفضل قضاء فصل الشتاء بالمنطقة فقط، ومنها ما يتخذ من المنتزه محطة استراحة لبضع ساعات أو أيام لتواصل هجرتها نحو الجنوب ذهابا أو نحو الشمال إيابا.
وهناك إلى جانب الطيور، الثدييات ويتصدرها الخنزير البري ثم الثعلب وابن آوى والقط الوحشي والقنفذ وأنواع أخرى من القوارض من أرانب وفئران وخفافيش، أما الزواحف فتتجلى في السلاحف والثعابين والحيات والحرباء الشائعة، إضافة إلى البرمائيات، مثل الضفادع وسلمندر ناري وسلاحف مائية.
أصناف حيوانية ونباتية متميزة
يتميز المنتزه الوطني للحسيمة عن باقي المنتزهات الوطنية، بكونه يشمل مجالين متباينين، مجال بحري ومجال بري، لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، فالوسط البحري للمنتزه يؤوي أصنافا حيوانية ونباتية متميزة ومتنوعة بعضها نادر وبعضها مهدد بالانقراض، ومن النباتات البحرية (طحالب)، وهي تقارب 40 نوعا، وحاليا يوجد ما لا يقل عن 6 أنواع منها على اللائحة الحمراء ضمن الطحالب المهددة بالانقراض.
وهناك الأسماك، التي تشكل ثروة طبيعية بالجزء البحري للمنتزه، وهي بدورها متنوعة، حيث جرى التعرف على ما يفوق 70 نوعا، منها ما هو مهدد بالانقراض على المستوى المتوسطي، ويشكل "الميرو" نوعا متميزا بالمجال البحري للمنتزه، إلى جانب الثدييات المهددة بالانقراض مثل الفقمة وربما أصبحت من ماضي المنتزه، ثم هناك أنواع من الدلافين مثل الدلفين الكبير والدلفين الشائع والدلفين الأزرق والأبيض، وتتعايش مع بعضها البعض جنبا إلى جنب وهي حالة نادرة.
كما يوجد المرجان، إذ يعد مرجان الوسط البحري بالمنتزه من الأنواع الجيدة من حيث الشكل واللون والكثافة، ولعل أهمها المرجان الأحمر والمرجان المتفرع، وهي من الأنواع المهددة بالانقراض.
حسب معاينة بسيطة للمنتزه خلال الوجود بأحد مرتفعاته، تبين أن مجاله البري تغطيه نباتات وأشجار مختلفة، أوضحها كتب المركز في أنها نباتات متوسطية متكيفة مع الوسط، حيث المناخ الممطر والدافئ شتاء والحار والجاف صيفا، والتربة الكلسية، وتبقى عينات من هذا الغطاء خاصة في محيط الأضرحة وفي أماكن يصعب الوصول إليها، شاهدا على ما كان عليه الأمر في الماضي.
وجرى التعرف إلى اليوم، على وجود ما لا يقل عن 74 عائلة نباتية تضم أزيد من 250 نوعا من الأنواع الأكثر انتشارا وتميزا بمنتزه الحسيمة، وذا قيمة إيكولوجية وطبية واقتصادية، مثل "طنبات الديس" و"الخزامى المسننة" و"الزيتون البري" و"البلوط القرمزي" و"الخروبط و"الدرو" و"الصنوبر الحلبي" وعرعار شمال إفريقيا و"الدوم".
ويساهم الغطاء الغابوي للمنتزه في دور إيكولوجي من خلال تحقيق وسط طبيعي لعيش الكثير من الحيوانات بمختلف أحجامها وأنواعها، وتحفظ التربة من الانجراف وتحد من الفيضانات، وتسهل تسرب المياه إلى الطبقات الجوفية، كما تخفف من تلوث الهواء بواسطة أوراقها التي تخلص الهواء من الدخان والغازات والغبار وتطرح الأكسجين، كما تلطف الجو بواسطة النتح (عملية خروج الماء على شكل بخار من أجزاء النبات المعرضة للهواء) الذي يتم على مستوى الأوراق.
كما يلعب الغطاء النباتي للمنتزه دورا اقتصاديا يتجلى في إنتاج الخشب المستعمل في البناء والصناعة والطهي، ثم الرعي اعتمادا على النباتات الطبية والعطرية، وكذا إنتاج العسل، أما الدور الاجتماعي فيكمن في الترويح عن النفس للدراسة والتربية.
سكان المنتزه والصيد البحري
يعتبر الصيد البحري موردا اقتصاديا مهما لسكان المنطقة منذ القدم، فحسن الوزان ذكر في "وصف إفريقيا" عندما تحدث عن بادس، أن "سكانها كانوا "يقتاتون على الخصوص بالسردين وغيره من السمك لأن الصيادين يصطادون منه كميات وفيرة".
وما زالت سواحل المنتزه الممتدة على طول يقدر بحوالي 40 كيلومترا، تساهم في التنمية الاقتصادية المحلية للمنطقة، حيث تشتغل أعداد كبيرة من اليد العاملة توفر دخلا للأسر.
فحسب إفادات المسعودي فإن "نسبة كبيرة من اليد العاملة بالصيد الساحلي، سواء تلك التي تفرغ بميناء الحسيمة أو بميناء كلايريس، هي من سكان المنتزه، إضافة إلى قوارب الصيد التقليدي التي تتوزع عبر مرافئ طبيعية على شواطئ المنتزه، بومهدي وبوسطور، وتوسارت وتيقيت وأدوز وبادس وطوريس، إضافة إلى وحدات استخراج وصناعة اللؤلؤ والمحار.
ونظرا للظروف المناخية والتضاريسية الصعبة (جفاف وجبال وفقر التربة) فإن الزراعة البورية، خاصة زراعة الحبوب، تبقى من الأنشطة الأساسية لدى سكان المنتزه، فهي توفر لهم المادة الاستهلاكية الرئيسية (الشعير خاصة)، ويبيعون الفائض منها في السوق المحلي لاقتناء الحاجيات الأخرى، حسب وصف كتيب المركز لطبيعة الحياة بالمنتزه، في توضيح أنه أمام غياب المياه الكافية فإن الزراعة السقوية تبقى نادرة جدا، إذ يقتصر وجودها على منطقة أغبال وضفتي واديي العنصر، وبني بوفراح، حيث تزرع الخضروات مثل البطاطس والطماطم والبصل، وتغرس بعض الأشجار المثمرة كالزيتون والبرقوق والإجاص والكروم.
كما يولي سكان المنتزه الوطني للحسيمة أهمية بالغة للنشاط الرعوي، نظرا لأهميته الاقتصادية، حيث يساهم في الرفع من مدخول الأسر ويوفر حاجياتها المعاشية الأخرى (اللحوم والحلب ومشتقاته والصوف)، ويتصدر الماعز قطيع المواشي الموجودة بالمنتزه، اعتبارا إلى طبيعة التضاريس ويتعاطى لتربيته دواوير مثل ثنذا يفران، وأغبال وأيت بوذير وتونيل وتغزة وتدكانت والزيتونية.
ومن الملاحظ في المنتزه استمرار ظاهرة الترحال والإيواء بالكهوف، التي تعد شائعة بين ممارسي هذا النشاط، خاصة جهة بادس، حيث يقضي الرعاة فصل الخريف والشتاء، وينزلون إلى الهضاب المجاورة للمنتزه خلال فصلي الربيع والصيف، كما يتعاطى السكان تربية الغنم والأبقار وتربية الدواجن والنحل ولكن بطرق تقليدية جدا.
الفخار وصناعة المتطلبات المنزلية
في جولة ليست بالطويلة أو المتعمقة لأنحاء مهمة من المنتزه الوطني للحسيمة، كان لابد من الاستفسار عن وجود بقايا وأدوات أثرية تؤثث لتاريخ هذا المنتزه وتكشف عن جوانب حياة السكان آنذاك وفي فترات متعاقبة، فاكتفت "المغربية" بحكم وعورة التضاريس، بالاعتماد على شروحات المسعودي الذي استضاف "المغربية" بعد الجولة في مقر "مركز الإرشاد والتوثيق في مجال التنمية المستدامة والتربية البيئية بالحسيمة" لرصد بعض الصور المعبرة عن أدوات تقليدية مازالت قائمة الصنع إلى اليوم، تشتهر بها منطقة المنتزه، بعدما تعدت شهرتها المستوى المحلي، لدقة صنعها وجمالية منظرها وجودة منتوجها، وهي صناعة إيكولوجية تعتمد على المواد الأولية المحلية، خصوصا الدوم والحلفاء بقبيلة "بقيوة"، لوفرتها بهذه المنطقة، إلى جانب أنواع أخرى من الحرف مثل الفخار وصناعة المتطلبات المنزلية من الأواني والغزل لنسج الأغطية والجلابيب الصوفية وصناعة الحصائر من الأسل (نبات ينبت في المياه الراكدة والمستنقعات)، إلى جانب الصناعات الخشبية كالقوارب والمعدات الفلاحية والمنزلية.
فالتقصي عن جميع مكونات المنتزه لم يكن متيسرا ل"المغربية" بحكم امتداده الشاسع ووعورة تضاريسه وغياب آليات التنقل في منعرجاته ومنحدراته ومرتفعاته، إلى جانب أن الجولة تحتاج إلى رفقة مجموعة من الباحثين في المنتزه، والعارفين بخباياه لتجنب الدخول في متاهاته، ولهذا كان المسعودي يحاول قدر الإمكان تحقيق صورة متكاملة عن منتزه إيكولوجي نادرا ما تتداوله وسائل الإعلام لتمنحه هامشا صغيرا من مساحتها الإعلامية.
وتعود "المغربية" أدراجها من المنتزه بمعية المسعودي وبرغبة في الاطلاع على الكتيبات المعززة صفحاتها بالصور، التي حصلت عليها من المركز، على الأقل لسد الخصاص في معرفة "ماهية المنتزه الوطني للحسيمة بكل أبعاده".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.