الخط : إستمع للمقال قال عبد الحميد جماهري، رئيس تحرير ومدير نشر يومية الاتحاد الاشتراكي، في عموده "كسر الخاطر"، في عدد الجريدة الصادر، يومه الاثنين، إن قضية الانتخابات المقبلة احتلت حيزا مهما في خطاب ملك البلاد بمناسبة عيد العرش. واختار جماهري لعموده "كسر الخاطر"، المتعلق بهذا الموضوع، عنوان "من أجل قواعد نهائية في تدبير الانتخابات.."، جاء فيه مايلي: احتلت قضية الانتخابات المقبلة حيزا مهما في خطاب ملك البلاد بمناسبة عيد العرش، وقد أعقبته جلسات وزير الداخلية لتنفيذ مضامين الأمر الملكي. ماذا يتأتَّى من الفقرة الواردة في الخطاب؟ الواضح أن الخطاب وضع حدا للتكهنات والتخمينات الخاصة بموعد الانتخابات، والتي كانت موضوع نقاش في البرلمان في الفترة الأخيرة. كما تحدد تاريخها بمنطوق الخطاب الملكي الذي ورد فيه بوضوح «أن سنة، تقريبا، تفصلنا عن الانتخابات التشريعية المقبلة»، وأن «الانتخابات ستكون في موعدها الدستوري والقانوني العادي». كما فصَلَ الخطاب بين الانتخابات البرلمانية وباقي الاستحقاقات الترابية الأخرى، وقضى الخطاب الملكي بعدم تكرار تجربة 2021، التي تمت في ظروف استثنائية، جمعت فيها كل الاقتراعات- التشريعية والجماعية والجهوية- في صندوق واحد، وكانت هناك بالفعل أحاديث حول تكرار التجربة. وقد حسم الملك النقاش بالتركيز على «توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب» قبل نهاية السنة الحالية. إلى جانب الفصل بين الاستحقاقات الوطنية، الخاصة بمجلس النواب، وبين الاستحقاقات الترابية المحلية والجهوية، لا شك أن القوانين المؤطرة، بخصوص الاستحقاق الثاني، قد تختلف في جزئياتها عن البرلمان، وهذا حديث آخر. وليس المجال هنا للوقوف عند تكليف وزير الداخلية «من أجل الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين، بل لطرح سؤال أوسع: أي معنى لانتخابات 2026، من حيث جوهر العملية الديموقراطية، وأي زاوية تليق بمعالجة النقاش حولها؟ هل نكتفي بوضع منظومة لا تتجاوز مدة صلاحيتها الانتخابات القادمة، أم سنُكيِّف التفكير السياسي والتقني مع عمق الإصلاح الدستوري الذي اتفقت عليه الأمة في 2011؟ ولا يمكن أن نقارب الموضوع كإجراء قياس «لترتيب ديموقراطي مرحلي»، وقد آن الأوان للتفكير في قواعد لعب نهائية مستقرة، تضع بلادنا ضمن الحداثة السياسية للأنظمة الديموقراطية العالمية، والتي تعمل بمنظومات قارة، لا تمنع من حدوث تغيير تقني بين الفينة والأخرى. أولا: لقد مضت ستون سنة على تجربتنا التعددية، وما زلنا في كل تجربة نعيد الوصفة، ونحن اليوم عشنا 12 ولاية تشريعية، وأصبح الثبات الانتخابي... والاستمرار مطروحا. ثانيا: لقد كان مسموحا، من قبل، أن «نجرب» في كل مرة وصفة انتخابية، أما والدستور بين أيدينا فقد صار من المنطقي أن نعطي في بلورة المنظومة الحالية المعنى الحقيقي للانتخابات والمكانة التي أصبحت لها. ومن الواضح أن ننطلق مما يلي: 1 – وجوب الحسم بشكل نهائي في الشكل الانتخابي الذي يليق بالمغرب والخروج من التجريبية، والعود الأبدي للنقاش حول الانتخابات يجد المبررات الكبرى في الدستور من خلال تعريف السيادة ورفعه الديموقراطية إلى رابع الثوابت عند الأمة، من الفصل الأول في الدستور، تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي. 2 قبل 2011 كان من الممكن أن نجرب في أنفسنا كل مرة، نظرا لالتباس معنى السيادة والتعيين، أما اليوم، فنعتقد بأن أهم شيء جاء به الدستور هو.. التوضيح النهائي والحاسم لأصل السيادة. فالفصل الثاني يضع معنى واضحا لا يحتمل التجريبية المزمنة، إذ ينص على أن «السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم».. وليس صدفة أن هذا الفصل يأتي بعد الفصل الذي يعرف طبيعة الدولة المغربية ونظام الحكم فيها.وقبل الفصل الذي يعرف دين الدولة (الفصل الثالث :الإسلام دين الدولة). وهو ما يعني أن الأمر ليس مجرد ترتيب عفوي أو سمو سياسي وأخلاقي للمشرع، بل له عمقه في الممارسة . على اعتبار أن الانتظام لا يمس دورية الزمن بل أيضا انتظام الأسلوب في تقدير العبد الفقير لربه. وبما أنه لا يمكن الاعتماد على التجريب في ممارسة أو تشكيل ثوابت الأمة الثلاثة التي سبقت الديمقراطية: الدين الإسلامي، والوحدة الوطنية، والملكية الدستورية، فلا يمكننا أيضا اعتماد التجريبية في كل مرة لتحديد معنى وشكل ممارسة سيادة الأمة عبر الانتخابات. إلى ذلك يتبين من خلال ما سبق أن: حقيقة الانتخاب وقدرتها على عكس التمثيلية الحقيقية أصبحت انشغالا مهيمنا على العقل السياسي الرسمي والشعبي معا، من الملك المواطن إلى المواطن الناخب. – الانتخابات هي الإلية الوحيدة اليوم، والمتعارف عليها دوليا، لقياس انفتاح نظام سياسي معين ومدى ديموقراطيته وليبراليته المبدئية. بل يمكن القول، بدون خوف من الوقوع في التمجيد الليبرالي، إنها أفضل مؤشر يعتمد في باب الحكم على الأنظمة. وكاتب هاته السطور يجد نفسه ضمن الكثير من الدارسين والمتتبعين والمناضلين أساسا، الذين يعتقدون، بتجرد وعن صدق، أن حكم محمد السادس يندرج ضمن هذا الفهم، ويعتمد شبكة القراءة هاته في مقاربة معنى الانتخابات، وهو بحد ذاته قطيعة مع نوع من الحكم الذي اعتمد الانتخابات كواجهة زجاجية فقط قابلة للانكسار. في أي لحظة . (الفهم الحالي منتهاه تفادي التعيين بواسطة الانتخابات، والذي يقود في أقصى حالات التفسخ إلى الفساد وربما شراء بعض السلطة!! للفوز بالمقعد كما في حالة فاس ).. + إن القاموس الانتخابي المعتمد، ديموقراطيا، صار هو القاموس الدستوري، الذي يبني التعاقد بين السكان والنخبة التي تمثلهم. ونقصد به انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. + التعددية السياسية بما هي أساس النظام السياسي ونظام الحريات حتى لا تقتلها انتخابات غير نزيهة ولا شفافة.. – الانتخابات بهاته المواصفات هي التي تسمح بربط المسؤولية بالمحاسبة وإلا فإننا نعطل الدستور بتعطيل مفعول الديموقراطية. أمامنا، بطبيعة الحال، هذا التصور الشمولي، الذي لا يغيب الأعطاب الأخرى التي ألفناها وألفنا الاجتهاد فيها كل مرة. ومن ذلك كون «الترتيبات» الانتخابية لم تنتف أو تنته من خلال السمسرة السياسية. بل ربما أصبحت هاته الترتيبات بمثابة نمط تدبيري له قوانينه وذكاؤه الخاص، الذي يعتمد مهارة خاصة ترقى أحيانا إلىالتزوير المشروع أو المقنن. وذلك عبر ما تطرحه أحزاب سياسية مثل الاتحاد الاشتراكي من خلال النقاش، كل مرة، حول العدد المرتفع للغاية في صناديق الاقتراع. الضغوطات غير المباشرة على المرشحين ويقوم بها مسؤولون في الحكومة أو في السلطات الترابية (ليست خيارا مركزيا الحمد لله) ..الكشف عن الفضائح في فترات الحملات الانتخابية.. الحملات الإعلامية الموجهة وكما لو أن هناك خوفا من «انزلاق» تنتجه المفاجأة! وقد بات من نافل الاقتراع القول إن من وسائل ترتيب الانتخابات والتحكم فيها ضمنيا هناك، ولا شك، التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع و«الشغيلة» الانتخابية وسقف الإنفاق الانتخابي الذي «يهرَّسْ اللعب»! الواضح أن ملك البلاد، ومن خلال العرض الدستوري الذي ناقشته القوى الحية وتوافقت عليه الأمة، يسعى، بوضوح، إلى وضع المملكة في قلب الحداثة السياسية العالمية. ولمن لم يستوعب هذا الطموح الملكي الجريء والتاريخي في تاريخ الديموقراطية، أن ينظر كيف تدبر الملكيات الحديثة والديموقراطيات عموما هذا الموضوع . فنحن نرى أنها تحتكم إلى قواعد لعب قارة، تتغير قليلا لاعتبارات التقطيع مثلا. والقاعدة الرئيسة هي أن الانتخابات، بالشكل المتعارف عليه دوليا ..لا تتغير حسب النوايا وتدبير التوازنات الضيقة، ذلك أن الانتخابات هي أساس الشرعية التمثيلية الديموقراطية.. ولحظة الانتخابات هي التي تتيح تقليص الفارق بين النخبة والنص، بين الدستور والطبقة التي تحكم باسمه.. ومن قوة الانتخابات، ولا سيما مجلس النواب، أن الملك نفسه مطالب باحترام هاته الانتخابات لتعيين رئيس الحكومة. وفي حالة وقع عطل ما أو تم حلُّ الحكومة، لا قدر لله، يكون علينا إجباريا انتخابات أخرى.. وكل ما سبق، كتب عنه الكثير وهو لا يحضر بنفس القوة للأسف في النقاش السياسي الذي يدور عادة في الفضاء العمومي.. وإن كانت مواضيعه تؤخذ بجدية واحترام ومعقولية من طرف الملك.. ويجب أن يكون الأمر نفسه من طرف الطبقة السياسية.. إن جزءا من أزمات النظام الحزبي المغربي، والنفور الانتخابي الذي يوسّع الهوة بين المواطن والناخب، هو ظاهرة المواطن الذي يرفض أن يتحول إلى ناخب..ويجب أن نقرب منه منظومة قارة يتلقى بخصوصها التنشئة السياسية اللازمة ليكون حاسما متحمسا ومحصنا( ولله أعلم... عاود ثاني!!!)ا. الوسوم المغرب الملك محمد السادس عبد الحميد جماهري كسر الخاطر كسر خاطر