تحكي مارية، التي تملك محلا لبيع الزليج بالرباط، أن زبونا حل بمتجرها لاقتناء قطعة زليج واحدة ثمنها 15 درهم، إلا أنه دفع مبلغ 200 درهم ليجعلها تفتح خزنة النقود، في حين شرع رفيقه في ترديد عبارات مبهمة، لتقوم تلقائيا وكأنها تحت تخدير تنويمي، بتسليمهما مبلغ 8000 درهم الذي كان يوجد في الخزنة. هذه الواقعة ستفسرها مارية بعد ذلك بأنها سرقة عن طريق ما يسمى ب "السماوي". وهي الطريقة ذاتها التي تم بها النصب على خديجة، من الدارالبيضاء، التي كادت أن تتنازل من تلقاء نفسها عن عقار بقيمة 400 مليون سنيتم لصالح شخص يدعي أنه فقيه من الجنوب، زارها في مقر العقار موضوع البيع وشرع في ترديد بعض الآيات والكلمات غير المفهومة. مارية وخديجة لم تجدا تفسيرا لما تعرضتا له من نصب واحتيال سوى ربط ذلك بتعرضهما لما يسمى داخل مجتمعنا بالسماوي وما يربطه العلماء بالتنويم المغناطيسي. هذا الاعتقاد لا يشاطره معهما "ياسمرايز"، وهو شاب متخصص في التنويم المغناطيسي، الذي أوضح ل"الصحراء المغربية" ان فقدان الوعي في حالتي مارية وخديجة لا علاقة له بتنويم الضحايا، لأن ذلك لا يتم إلا بموافقة وتهييئ العقل الباطن للإنسان المنوم مغناطيسيا، في حين أن ما يوصف ب"السماوي" هو فقدان للوعي دون موافقة أو تهيئ العقل الباطن. وأضاف أن اعتقاد الضحايا القوي بالشعوذة ويقينهم الكبير بالروحانيات يجعلهم عرضة للنصب والخداع من طرف من يدعون أنهم فقهاء أو رقاة. وفي السياق ذاته يعتقد سعيد، وهو فقيه من مدينة الصويرة، أن سقوط أغلب هؤلاء الناس في فخ "السماوي"، يعود بالدرجة الأولى إلى إيمانهم بالروحانيات، مما عمل المحتالين لخدعاهم، إذ يخضعون ضحاياهم للمراقبة طيلة مدة ترددهم على محلات "الشوافات" و"الفقهاء"، حيث يفصحون عن مشاكلهم وممتلكاتهم في أغلب الأحيان، وبذلك يتمكن ممارسو "السماوي" من الحصول على أكبر قدر من المعلومات حول الشخص المستهدف، ومن ثمة يستعملون قدراتهم في الاحتيال عليه والسطو على أمواله مستغلين ضعف حالته النفسية. من جانب آخر، يرى الدكتور عبد الجبار شكري، وهو باحث في علم الاجتماع وعلم النفس، أن أساليب ممتهني النصب عن طريق "السماوي" تعد "سلوكات خرافية تحتوي على نوع من الإيحاء والتأثير على الآخر، خصوصا إذا كان هذا الأخير في وضعية نفسية هشة". وأضاف شكري في حديث مع "الصحراء المغربية" أن عمليات "السماوي" لا تنجح في كثير من الأحيان حين لا تتوفر في الضحية بعض الشروط، التي لخصها أساسا في المعاناة من ضغوطات الحياة والبحث عن أسهل الحلول. ونفى في الأخير وجود أية علاقة بين "السماوي" والشعوذة، موضحا، وفق بحث مطول له في الأمر، أن بعض القدرات غير الطبيعية تكون أحيانا فطرية عند عدد من الأشخاص، كالقدرة على التنويم بالإيحاء والاقناع، فيستغلون ذلك في النصب والاحتيال، وغالبا ما تتم عملية التنفيذ في لحظة الحدث والحالة النفسية للضحية. عموما، ومهما اختلفت التفسيرات حول ظاهرة "السماوي"، إلا أنها مازالت أمرا واقعا في مجتمعنا يسقط في فخها كل يوم العديد من الضحايا. وتبقى المقاربة الأمنية الحل الأنجح للحد من انتشارها في مجتمع يرفض التطبيع مع النصب والاحتيال بشتى طرقه وأساليبه.