البلاوي: "حماية المال العام تعد من المهام الجسيمة التي تستلزم تعبئة تشريعية وقضائية ومؤسساتية متكاملة"    المانوزي: التمديد للشكر تم في منتصف الليل بشكل غير ديمقراطي وقد ألجأ للطعن إنقاذا للحزب    بركة: سنطلق في غضون أسابيع الربط المائي بين أبي رقراق وأم الربيع لنقل 800 مليون متر مكعب من الماء    ما سر استقرار أسعار العقار بالمغرب رغم تراجع المعاملات؟    البارودي حكما لمباراة الديربي البيضاوي    تحرّك قانوني مغربي ضد توكل كرمان بعد إساءتها للمغرب    Trevo تفتح باب التسجيل للمضيفين المغاربة‬    أهداف حاسمة ومساهمات قوية ل "أسود الأطلس" في صدارة المشهد الأوروبي    المدافع باعوف ضمن اللائحة الأولية لأسود الأطلس    باعوف ضمن الأسماء المدعوة في التشكيل الأولي لوليد الركراكي    اقتراب منخفض جوي يحمل أمطاراً ورياحاً قوية نحو الريف والواجهة المتوسطية    شبكة لغسل أموال المخدرات عبر "منتجعات صحية" تُطيح بمسؤولين بنكيين    تيزنيت: بتنسيق مع "الديستي"… عناصر الشرطة القضائية توقع بشخصين متهمين باضرام النيران بسيارتين بالشارع العام    جماعة اثنين شتوكة ترفض تنظيم مهرجان فوق ترابها دون سلك المساطر القانونية وتطلب تدخل عامل الإقليم    مؤسسة "جدارة" تحتفي بجيل جديد من الشباب الطموح في يوم الاندماج والامتنان 2025    شاطئ مدينة مرتيل يشهد اختتام البطولة الوطنية للصيد الرياضي الشاطئي    الدرك يحقق في حادثة سير أودت بحياة سيدة وطفلة قرب ابن أحمد    في قلب بنسليمان..مهرجان عيطة الشاوية يرى النور في مدينة المونديال    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    فينيسيوس بعد استبداله في"الكلاسيكو": "سأغادر الفريق.. من الأفضل أن أرحل"    يضم نقوشا صخرية وقبورا جنائزية.. مطالب بحماية موقع أثري بكلميم من التخريب    تصريحات لامين جمال تُشعل الكلاسيكو    عودة الاحتجاج على تعطيل التكرير في مصفاة "سامير" وضياع حقوق الأجراء والمتقاعدين    أزيد ‬من ‬178 ‬ألف ‬قضية ‬طلاق ‬وتطليق ‬سنويا ‬بمعدل ‬488 ‬حالة ‬يوميا    مشروع قانون مثير للجدل يجرّم "التشكيك" في نزاهة الانتخابات و"التشهير" بالناخبين والمرشحين    انتفاضات واحتجاجات تختفي.. وأخرى جديدة تظهر، لكن حالتنا السياسية لا تتغير    تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية    إقبال كبير من المهنيين وعشاق السينما على مهرجان الفيلم بطنجة    فاطمة عاطف.. تكريم بطعم المواويل    مونديال اليافعات (ثمن النهائي).. المنتخب المغربي يواجه كوريا الشمالية بطموح بلوغ ربع النهائي    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    إعطاء انطلاقة 49 مركزا صحيا جديدا على مستوى 9 جهات    ارتفاع أسعار النفط بعد التوصل إلى إطار عمل لاتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين    دراسة حديثة: الاحتباس الحراري يؤثر في توزيع الأمطار والثلوج    "خاوة خاوة.. بلا عداوة" أغنية تجسد نداء الأخوة المغربية الجزائرية في ذكرى المسيرة الخضراء أعلنت شركة موغادور ميوزيك ديجيتال المغربية عن قرب إصدار الأغنية الجديدة "خاوة خاوة.. بلا عداوة"، بمشاركة نخبة من الفنانين المغاربة والجزائريين، في عمل فني مشتر    ترامب يرغب في لقاء كيم جونغ أون    روسيا تعلن اعتراض 193 مسيرة أوكرانية    شكاية ضد توكل كرمان بتهمة التحريض    النفط يرتفع بعد توصل أمريكا والصين إلى إطار عمل لاتفاق تجاري    بورصة البيضاء تبدأ التداول بأداء إيجابي    الأمين العام للأمم المتحدة يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    تصاعد الشكاوى من عنصرية المرضى والزملاء ضد الممرضين في بريطانيا    هامبورغ تتصدر مجددا قائمة الولايات الأكثر سعادة في ألمانيا    الانتخابات الرئاسية في كوت ديفوار .. تقدم الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا    كيوسك الإثنين | إصلاحات جديدة لتعزيز الشفافية وتحصين العمليات الانتخابية    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 3,2 بالمائة عند متم شتنبر    "البحر البعيد" لسعيد حميش يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشياء فاتت
نشر في المساء يوم 26 - 05 - 2010

عندما نرفع أنوفنا لكي نتنفس خارج بحر التفاصيل اليومية الصغيرة والمملة للحياة، نكتشف أننا ضيعنا أشياء مهمة بسبب انشغالنا بالتافه منها.
ونكتشف فجأة أن أشياء كثيرة فاتنا التقاطها والتوقف عندها.
نكتشف أنه فاتنا تعلم الطيران والتحليق وراء الأفكار المجنحة، لأننا أفرطنا في المشي وراء الأفكار المنبطحة على بطنها، ولذلك مكثنا فوق الأرض، وصارت أحلامنا هي الوحيدة القادرة على التحليق.
فاتنا أن نتعلم الكلام بالأعين، فصار ضروريا أن نتعايش مع ألسنة تشبه السياط في قسوتها.
فاتنا أن نتدرب على صعود الجبال، فانتهينا أبد الدهر بين الحفر.
فاتنا أن نتعلم قبول اختلافاتنا عن بعضنا البعض، ورحنا نجتهد لتحويل الجميع إلى صور متشابهة طبق الأصل لوجه واحد وموقف واحد وأغنية واحدة.
فاتنا أن نبحث عن المعارضة، ورحنا نبحث عن الإجماع والوفاق، ناسين أن السياسة هي الحكم للأفضل وليست هي الحكم بالتناوب.
فاتنا أن نعود مسؤولينا على الرفض، وعودناهم على الخنوع المطلق، فانتهوا يعيشون بيننا كأنصاف آلهة وانتهينا نعيش تحت أقدامهم كأقل من عبيد.
فاتنا أن نطالب باقتسام الثروة وقبلنا باقتسام الفتات، فانتهينا فقراء يتسولون بنا الصدقات عند الجيران، وانتهوا هم أغنياء وسط أغنى الأغنياء.
فاتنا أن نتناوب على حراسة أصواتنا من لصوص الديمقراطية، فنامت أعين الحراس وجاء اللصوص وسرقوا أصواتنا، وصوتوا بها ضدا على مصالحنا في البرلمان.
فاتنا أن نستكشف المغارات والجزر النائية التي في داخل كل واحد منا، ورحنا نستكشف الأرض من حولنا ولم نحصل في نهاية المطاف سوى على عداوات إضافية وجيران مزعجين أكثر من اللازم.
فاتنا أن نشبه أنفسنا، ورحنا نتسابق للتشبه بالآخرين.
وعندما غير الآخرون أقنعتهم ضيعنا ملامحنا إلى الأبد وبقينا بلا وجوه.
فاتنا أن نحول الغناء إلى لغتنا الوحيدة، فتعلمنا الشكوى مكان الغناء، وأجدنا فنون الحسرة والبكاء وباقي لغات الضعفاء الأخرى.
فاتنا قطار رائع يمر عبر محطة العمر مرة واحدة فقط، فاتنا اقتناص كل الفرص الجميلة التي تجلس بهدوء داخل مقصوراته لأننا لم نتعلم القنص في حياتنا وتعلمنا هوايات أخرى أقل خطرا، وبقينا في المحطة نقاوم اليأس بجرعات من الأمل.
فاتنا أن نروض سطوتنا وأن نلجم غطرستنا وجنوننا، وروضنا مكان ذلك حيوانات مفترسة داخل أقفاصنا الصدرية.
فاتنا أن نكسر أطواق عزلتنا ونخرج إلى العالم الفسيح أكثر خفة من فراشة، وتعلمنا عوض ذلك أن نكسر قلوب بعضنا البعض، حتى صار من الصعب عندنا أن تجد شخصا يحب شيئا دون أن تراوده فكرة تكسيره.
فاتنا أن نسطو على السعادة عندما تنزل من برجها العاجي وتنزل لتزورنا في الحضيض حيث نحن، وسطونا مكان ذلك على ثروات هائلة من الحزن والتعاسة، حتى أصبحنا الممثل القانوني لشركة مساهمة تسمى «شركة التعاسة غير المحدودة».
فاتنا أن نتعلم النوم بعينين مفتوحتين عن آخرهما حتى نرى أحلامنا جيدا، وتعودنا مكان ذلك على النوم بعينين محكمتي الإغلاق، فهجرتنا الأحلام وصرنا بسبب ذلك نحلم في اليقظة أكثر مما نحلم في النوم.
فاتنا أن نمضي إلى كوكب آخر لا يقسم العالم إلى قارات وجزر وبراكين، والناس إلى عبيد وأسياد، والعطور إلى نسائية ورجالية، والبيوت إلى سفلية وعلوية.
فاتنا أن ننسى الحرب إلى الأبد وأن نحاول العيش بسلام، وفضلنا بالمقابل أن نتذكر جبهة الحرب مكان الحديقة، والخندق مكان رصيف المقهى، والطلقات مكان القبلات، دون أن ننسى بطبيعة الحال رسم شارة النصر في كل مناسبة تستدعي ذلك.
فاتتنا كل المرات التي أتت فيها الشمس إلى غاية غرفتنا ولم ندعها إلى فنجان قهوة، وتركناها تنحدر إلى المغيب شاحبة مكسورة الخاطر.
فاتنا أن ندعو مقاعد الحديقة إلى النزهة، ورحنا نتنزه أمامها بسرور، دون أن نحاول فهم وحدتها وعزلتها المزمنة وصمتها المطبق.
فاتنا أن نجرب السباحة في الرمال مخافة أن يتهمنا الآخرون بالحمق.
فاتنا أن نجرب قول «صافح زيد عمْرا» عوض تلك الصيغة العدوانية التي علمونا إياها في قواعد النحو الصارمة التي تقول «ضرب زيد عمْرا»، مخافة أن يتهمنا الآخرون بالإساءة إلى القواعد.
فاتنا أن نجرب التحدث إلى أنفسنا أمام المرآة مخافة أن يتهمنا الآخرون بالخرف. وفاتنا أن نفهم أن الخرف والجهل والجنون كلها ليست سوى ذرائع، أما السبب الحقيقي لخوفنا فهو الآخرون دائما.
فاتنا أن نتنفس هواء غير مستعمل وأن نقرأ شعرا غير مستعمل، وانتهينا إلى إدمان تعاطي حياة مستعملة، وانتعال أحذية مستعملة وارتداء ثياب مستعملة، والإيمان بأفكار سياسية مستعملة، والانخراط في أحزاب مستعملة، حتى صرنا أشبه بمواطنين مستعملين.
فاتنا أن نجمع الأيام والأسابيع والشهور في حظيرة واسعة ثم نتعهدها بالرعاية اللازمة حتى تكبر وتنضج، فلا تعود إلى التناطح بينها في كتب التاريخ، ولا تعود الحرب ثانية بسبب هذا التناطح المجنون.
فاتنا أن نفهم أن الجغرافيا هي الوحيدة التي لا يمكن صنعها، أما التاريخ فشيء يمكن صنعه إذا توفرت لدينا الشجاعة والسواعد الكافية لذلك.
فاتنا أن نركض خلف قوس قزح، وعندما نبلغه نتقدم منه ونصعده مثل سلم، وفاتنا أن ننزل خلف القوس في الجهة الأخرى، وفاتنا أن نكتشف كل الأشياء الجميلة التي تختفي هناك.
فاتنا أن نزرع حديقة صغيرة في جيوب معاطفنا، وأن نتخلى عن زراعة الشوك في نوايا بعضنا البعض.
فاتنا أن نفتح قلوب بعضنا البعض ونرمي فيها حبلا ونتدلى عبره إلى أعماقنا، ثم نصعد وفي أيدينا المعادن الثمينة التي ننحدر منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.