لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    نهائي كأس العالم لكرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة.. المنتخب الكوري الشمالي يتوج بلقبه الرابع في هذه المسابقة بفوزه على نظيره الهولندي (3-0)    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    العربي المرابط رئيسًا جديدًا لجماعة مرتيل    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    منع جامعة الصحة من تنظيم مجلسها الوطني بالعيون… زاكيري: منع غير مفهوم و غير مبرر و لا يخدم المصلحة العامة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    "زوبعة" تؤدي إلى سقوط قتلى في جنوب البرازيل    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغازات السامة تتسبب في وفاة العديد من مغاربة الشمال بمرض السرطان
أدت إلى وفاة المئات بسرطان الرئة رالحنجرة ومنعت النبات من النمو لسنين طويلة
نشر في المساء يوم 18 - 09 - 2010

شكلت الحرب الكيماوية جزءا من العمليات العسكرية التي قامت بها مختلف الدول الأوربية خلال فترة ما بين الحربين ضد المدنيين في كل من أفغانستان، العراق، ليبيا وإثيوبيا، حيث قام
الجيش البريطاني، الإسباني، والإيطالي بإلقاء مواد كيماوية ذات أضرار بالغة على النساء، الأطفال والعجزة، دون أن يعير اهتماما إلى الأوفاق الدولية
التي حظرت إنتاج واستعمال هذه الغازات، رغم مصادقة هذه الدول على معاهدة فرساي، وتأخرها مدة طويلة
في المصادقة على بروتوكول الغاز الذي أعقب إعلان مبادئ فرساي.
إن أقدم تقرير حول أضرار غاز الخردل يعود إلى الأيام اللاحقة للهجومات الجوية الأولى ليونيو من سنة 1924. فيه تأكد بأن سكان مدشر بني توزين عانوا من الحرائق والغثيان، بعضهم عمي وآخرون عانوا من مشاكل في النظر، بل إن الذين أتوا بعد ذلك بقليل عانوا من دمامل في جميع أجزاء الجسم. وقد كان رد الفعل الذي لم يستطع المصابون احتماله، حسب التقرير، هو الخوف والرعب الذي أعقب الغارات. ففي يوم 3 يوليوز، استطاع بعض الشهود رؤية ثلاثين من سكان بني ورياغل بأجسام مغطاة بالجروح. ويوم 16 من نفس الشهر، أفاد شهود عيان بروز مرض جديد وعجيب يصيب المغاربة الموجودين بالداخل، خصوصا من سكان قبائل بني ورياغل وتمسمان، يتمثل في التدمع المزمن والزكام الأنفي، ومن ثم لم يكن هناك شك بأن الأمر يتعلق بأضرار غاز الخردل من مسافة قريبة من موقع الانفجار. كذلك، تنبه هؤلاء شهود العيان إلى أن السكان أصبحوا يتحاشون أكل المنتوجات الفلاحية، كفواكه الأشجار، نتيجة لتلوثها بهذا الغاز القاتل. لقد أعطت النشرات الإخبارية الإسبانية والأوربية الأكثر أرثوذوكسية، والتي تغاضت عن ذكر استعمال هذه الأسلحة الكيماوية نظرا لحصولها على المعلومات من مصادر رسمية أو ثانوية (oficiales o secundarias) إسبانية، أهمية قصوى إلى انتشار وباء التيفوس، الذي كان منتشرا خلال تلك الفترة، كعامل أساسي في دحر المقاومة المسلحة الريفية. في هذا السياق، فإن أحد أهم أعراض التيفوس انتشار بقع ذات لون أرجواني بجلد الإنسان، كذلك، الإصابة بالحمى وبالكآبة. ومن ثم، هناك خلط مقصود ما بين الفقاعات ذات اللون الغامق والتعب الذي يحدثه غاز الخردل مع أعراض التيفوس، خصوصا وأنه أمام نية إخفاء أي مرجعية تؤكد استعمال غاز الخردل، قامت بتشجيع هذا التأويل، أي إرجاع سبب هذه الأعراض إلى مرض التيفوس وليس إلى استعمال غاز الخردل.
ارتفاع نسبة مرضى السرطان بشمال المغرب

انتهت الحرب الكيماوية بعد استسلام آخر المقاومين في الشمال يوم 10 يوليوز سنة 1927 مخلفة وراءها المئات من القتلى وآلاف الجرحى. في هذا الإطار، فرغم القسوة التي واجهت بها فرنسا المقاومة المسلحة بمنطقة حمايتها، لم تقم باستعمال هذه الغازات السامة المحظورة، أو على الأقل، لم نعثر على دليل لاستعمالها من طرف فرنسا في الأرشيفات الألمانية، الفرنسية، البريطانية أو الإسبانية. رغم هذا، اطلعت على مقال بجريدة الأحداث المغربية لمراسلها بتطوان، لم يشر إلى إسمه، يذكر فيه أن مصدرا متخصصا، لم يذكره كذلك، أشار استنادا إلى وثائق وزارة الدفاع الفرنسية والوثائق الديبلوماسية، تتعلق بما ذكره القائد أرمانكو، قائد القوات الجوية الفرنسية بالمغرب، أن ضربة واحدة في بني زروال يوم 9 ماي من سنة 1925، وفي ظرف وجيز جدا لا يتعدى الدقيقة، خلفت ما يناهز 800 ضحية. من خلال اطلاعنا على وثائق الأرشيفات سالفة الذكر، لم نجد ما يشير إلى استعمال لا إسبانيا ولا فرنسا لغازات سامة ببني زروال. كذلك، تكلم المراسل عن تحالف إسباني فرنسي لم يفرق في هجوماته ما بين الأهداف المدنية والعسكرية من خلال استهدافه للأسواق الأسبوعية والمحاصيل الزراعية والدواوير، ومن ثم، فقد سبق وأن ذكرنا بأن إسبانيا وحدها سلكت هذه الحرب القذرة عملا بنصيحة الألماني Stoltzenberg. لذلك، كنت أتمنى لو ذكر المراسل اسم المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات، مرفقا بالبيبليوغرافيا، حتى تكون الأمور أكثر توثيقا. بمحض الصدفة، استطعت الحصول على المرجع الذي اعتمده مراسل الجريدة، والذي هو عبارة عن استجواب أجري مع أحد المختصين في موضوع الحركة الخطابية (كنت اتصلت به في تطوان قبل ذلك من أجل مدي بمعلومات حول موضوع استعمال الدول الكولونيالية للغازات السامة، لكنه نفى معرفته بالموضوع) بإحدى الجرائد الوطنية، استنادا إلى جنرال وليس القائد أرمانكو، كما ذكر مراسل جريدة الأحداث المغربية. ففي صفحة كاملة من الاستجواب، نجد فقط ثلاثة أسطر تشير إلى المعلومات السالفة المتعلقة باستعمال الغازات السامة، وهي استنباط من الأستاذ حول إمكانية ارتباط الأعداد الكبيرة من الضحايا باستعمال الغازات السامة، دون تحديد الدولة التي قامت بذلك.
إن التقارير المعتمدة على معلومات معدة من طرف مخبرين مغاربة حول زيادة هجرة السكان منذ يونيو من سنة 1924 من المناطق المتضررة من الغارات في اتجاه منطقة الحماية الفرنسية، توحي بحجم المعاناة التي سببتها قنابل T.N.T، القنابل الحارقة والقنابل الكيماوية. حيث يشير أحد تلك التقارير: «لقد انحطت معنويات العدو...إنهم يخافون تلك الغارات، ومن ثم، من المستحسن استعمالها بكثافة». وهكذا، ذكر هؤلاء في شتنبر من سنة 1925، مشاهدة زمرة كبيرة من الناس عميان بالقبائل. في نهاية الحرب، أي لما بدأت طبيعة الغارات الكيماوية تقل بصفة كبيرة ما بين سنتي 1926 و1927، توفي مئات المغاربة، وممكن الآلاف تعرضوا لإصابات خطيرة بسبب تضررهم بالمواد الكيماوية المسببة للموت والملقاة عليهم طوال ست سنوات.
لكن أخطر نتيجة خلفتها، والتي لا زالت تمس سكان شمال المغرب، هي انتشار مرض السرطان بشكل ملفت للنظر بالمنطقة الشمالية للمغرب. فلا إسبانيا ولا باقي الدول التي استعملت غاز الخردل خلال تلك الفترة كانت تعرف بأن له تأثيرا خطيرا لمدة طويلة، ذلك أنه في قبيلتين قريبتين من مدينة مولد الزعيم محمد بن عبد الكريم أجدير، تكلم السكان عن إصابات ووفيات حدثت بين عائلاتهم بسبب ما يسموه السم، أي غاز الخردل، وأن نوعية السرطان السائدة هناك هي سرطان الرئة والقصبة الهوائية وسرطان الدم Leucemia، وهي أعراض لواحدة من أضرار غاز الخردل. لقد حكى أحد القرويين من قبيلة تافراست Tafrast (أظن تافرسيت) أنه قبل مولده بأيام قليلة سقطت ثلاث قنابل غاز الخردل في فناء بيت عائلته، نتيجة لذلك أصيبت أختاه بالعمى المزمن وتوفيتا بمرض السرطان سنوات بعد ذلك، في حين سقط شعر أخيه البكر وأمه عانت من مشاكل في جهازها التنفسي طول حياتها حتى وفاتها بسرطان الرئة. شخص آخر من نفس القبيلة ذكر بأن جده، أباه، أمه، عمته وأخته توفوا جميعهم بسرطان الحنجرة والصدر، بسبب انفجار قنبلة السم قريبا من مكان تواجدهم. ثالث من قبيلة قريبة أكد بأن المكان الذي كان النبات ينمو فيه بغزارة أصبح بعد تعرضه لغارة بقنابل الغاز قاحلا لمدة خمس أو ست سنوات.
في هذا الإطار، حسب جمعية وطنية فإن %60 من المرضى الخاضعين للعلاج من مرض السرطان بالمركز الاستشفائي سيدي محمد بن عبد الله بالرباط جاؤوا من نواحي الحسيمة والناظور، اللتين تعرضتا بشكل مكثف للغارات بالأسلحة الكيماوية. هذه الإحصائيات تبقى نسبية نظرا لشمولها فقط على عينة من المصابين، حيث بقي العدد الحقيقي غير معروف نتيجة عدم قدرة أكثرية المصابين على الانتقال إلى الرباط بسبب الظروف المادية، ثم انتقال بعض المصابين إلى مستشفيات عمومية بحيث لا يشملهم الإحصاء، بالإضافة إلى وفاة الأغلبية دون تحديد سبب وفاتهم بمرض السرطان. رغم ذلك، فهذه الإحصائيات تمدنا ببعض احتمالات تأثير الغازات الكيماوية على الأجيال الجديدة في شمال المغرب. فمن بين 2.624 طفل خاضع للعلاج بالمركز الاستشفائي بالرباط ما بين سنتي 1986 و1988، %49 أتوا من الشمال، في حين يبقى أغلبية الآباء المنتمين لهذه المنطقة ليس في مقدورهم إرسال أبنائهم إلى العاصمة من أجل تلقي العلاج، وهذا ما يدل على أن أعداد الأطفال المصابين بشمال المغرب يفوق بكثير الإحصائيات الرسمية.

الدكتور مصطفى المرون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.