أقفل آلان جوبيه اليومَ شهره الرابع على رأس وزارة الشؤون الخارجية والأوربية. جاء تعيينه، على مضض، من طرف الرئيس ساركوزي في 27 من فبراير، بهدف رد الاعتبار إلى وزارة لم تعد قادرة على التأثير في السياسة الدولية ولا على إسماع صوت فرنسا في الخارج.. وزارة أنهكتها من الداخل التصرفات البيروقراطية وعقلية الزبونية والوصاية، والتي ترجمتها بشكل ساطع الضيافات المجانية لدى الأنظمة الديكتاتورية في بعض بلدان المشرق والمغرب. شمر آلان جوبيه، إذن، عن ساعده لمحاولة رد البريق إلى الديبلوماسية الفرنسية وإلى مكانة فرنسا. عين طاقما جديدا، أحاط نفسه بكوكبة من المستشارين والخبراء من أساتذة العلوم السياسية والمتخصصين في شؤون الشرق الأوسط، أطلق سلسلة من المناظرات والندوات في موضوع ربيع الثورات العربية، غيّر من لغة التعامل مع العرب بعد الفضيحة التي تسبب فيها سفير فرنسا في تونس بوريس بويون، أمام مجموعة من الصحفيين التونسيين... بكلمة، رسم الخطوط الكبرى لاستراتيجية دبلوماسية جديدة تقوم على مبدأ احترام المبادئ الديمقراطية ولو بحد السلاح. وقد طبقت فرنسا هذه القاعدة في ساحل العاج بخلعها، بفضل ترسانتها العسكرية الموجودة في عين المكان، للرئيس المنتحل لوران غباغبو. بعدها سطر آلان جوبيه في المحافل الدولية، وبخاصة في الأممالمتحدة، هندسة تدخل الناتو في ليبيا لحماية المدنيين في مدينة بنغازي، لكن بقصد ضمني هو الإطاحة بنظام معمر القذافي. على أيٍّ، اكتسب آلان جوبيه ظاهريا سمعة وصورة «عراب ديمقراطي» لما ندد بالتصرفات الوحشية لنظام بشار الأسد، لما طالب الرئيس نصف المخلوع علي عبد الله صالح بالتنحي نهائيا عن السلطة، أو لما أثنى على تجربة الإصلاح الدستوري المغربية. لكن تتخلل هذه الصورة بعض البقع الظلية اعتبارا لازدواجية الخطاب السياسي والدبلوماسي الفرنسي: فالاستبداد يبقى حصرا في دول دون غيرها.. لماذا لم تندد الخارجية الفرنسية بالاعتقالات والمحاكمات الفورية التي طالت ناشطين وناشطات في البحرين؟ لماذا لم تندد بالمضايقات التي تتعرض لها السائقات السعوديات؟ في الوقت الذي يطالب فيه الناشطون العرب بالإطاحة بالأنظمة العشائرية ومخلفاتها، تفتح فرنسا الباب على مصراعيه لقناة «الجزيرة» لشراء الفرق الرياضية الفرنسية المفلسة وبث مباريات تافهة ودون مستوى يذكر لفرق القسم الوطني الأول لكرة القدم. لما يتعلق الأمر بالبترول والغاز، فإن فرنسا تغض الطرف عن روائح الأنظمة الاستبدادية، وهذا ما حصل خلال الزيارة التي قام بها آلان جوبيه للجزائر في السابع عشر من يونيو الجاري.. دار الحديث مع بوتفليقة، مع الوزير الأول ومع وزير الخارجية عن العلاقات الثنائية بين البلدين في أفق الإعداد للذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر. أما في ما يتعلق بالمظاهرات التي تقمع يوميا في الجزائر العاصمة وبعض المدن الأخرى فقد بقيت مواضيع «طابو»، من المحرمات. بعد أربعة أشهر من المكوكية، بدأت الدبلوماسية الفرنسية تظهر بعض التعب، فالأزمة الهيكلية التي تعاني منها الوزارة لا زالت قائمة، وهذا ما أعربت عنه مجموعة «مارلي»، وهو الاسم المستعار لمجموعة من الدبلوماسيين الفرنسيين، بعضهم متقاعد والبعض الآخر لا يزال يمارس مهامه. وقع هؤلاء مقالا صدر في طبعة يوم الجمعة الماضي من جريدة «لوموند»، ينددون فيه بما أسموه ب«دبلوماسية العتبة» المتبعة من لدن الوزارة والتي تحولت من جراء النقص في الكفاءات إلى وعاء فارغ. وأضافت المجموعة أن آلان جوبيه يعاني يوميا من الوضع المأساوي الذي تعيشه وزارته. كما أن تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، والذي قدمه جوبيه كمجرد «حركة» (بسكون الراء) خاطفة تنتهي باقتلاع جذور القذافية من ليبيا، هو قيد التحول إلى مستنقع تصرف عليها فرنسا يوميا مليون أورو. أما القذافي فهو عازم على المقاومة إلى يوم القيامة! أما في ما يخص الوعود بتقديم مساعدات بمبلغ 40 مليار دولار إلى الثورات الفتية في كل من تونس ومصر، فلم ير منها هذان البلدان ولو فلسا واحدا. «تسنا يا الجن»!