لمى طباخة يرجع اختيار الكاتب الإيراني مهدي عبيدي موضوع المكان في ثلاثية البحر «حكاية بحار، الدقل، المرفأ البعيد»، للروائي حنا مينة، إلى اهتمامه الخاص بالكاتب بصفته روائيا متميزا ومن الرواد الذين كتبوا رواياتهم عن البحر. ومن خلال موضوعة البحر، استطاع حنا مينة أن يعبر عن هموم أمته وشعبه، ونظرا إلى أن المكان يُشكّل عنصرا بارزا في رواياته، فقد قام عبيدي باختياره موضوعا لدراسته، ورغم كثرة الدراسات حول أعمال حنا مينة الروائية، فإنها لم تحظ بدراسة مستقلة عن المكان. كما أن السبب الثاني لاختيار عبيدي هذه الدراسة هو عنصر المكان، رؤيته إليه كأحد العناصر الضرورية والمُهمّة في البناء الروائي، سواء كان هذا البناء ناقلاً للواقع المعيشي أو آتياً عبر المُتخيَّل الذهني للروائي نفسه، وهذا يتطلب وعياً متنامياً من الكاتب تجاه المجتمع المراد الكتابة عنه. ويستوعب الكاتب نفسه العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية المتبادَلة بين الإنسان ومجتمعه وارتباط هذه العلاقات بمكون المكان. إن المكان يتفاعل مع الشخصيات داخل العمل الروائي ويسعى إلى تكوينها، فكرياً ونفسياً ووجدانياً، ويؤثر في انتقالها من حال إلى حال ويساهم في المعنى داخل الرواية. كما أن الروائي المبدع يستطيع أن يُحوّل المكان إلى أداة تعبيرية عن موقف الأبطال من العالم الخارجي، فقد جعل المكانُ، بما له من صلة وثيقة بالفن الروائي، عبيدي يختاره موضوعاً للدراسة، حيث لا يقدّم أي عمل فني من دونه. وبما أن المنهج هو مفتاح الدراسة وأدواتها التي تحاول استنطاق نصوص الدراسة، فإن عبيدي لم يُقيّد نفسه بمنهج مُعيَّن، بل اعتمد على مناهج عدة، أهمها المنهج البنيوي، وأخذ منه ما يفيده في دراسة النصوص، ذلك أن هذا المنهج يساعد على التعمق في النص وعلى فهمه ويساهم في الوصول إلى الأهداف المبتغاة من البحث، ويتمثل جوهره في السؤال عن العلاقة الوظيفية وأنساقها في الرواية، وهو نموذج متحرك قابل للتعديل والإضافة ولا يعتمد الثبات والسكونية. كما أنه يشمل بناء وتحليل كل عنصر من عناصر العمل الأدبي وإعادة تركيب عناصر هذا العمل لتحديد بناء النص. وتعد هذه الدراسة النصَّ وحدة متماسكة، شكلاً ومضموناً، من خلال التركيب اللغوي والدلالة التي يرمي إليها الكاتب، مع الاهتمام بالثنائية المكانية التي تُبرِز نوع المكان ودلالتَه ووظيفته وربط هذه الثنائية بالبعد الاجتماعي، من جهة، وبثقافة الكاتب، الذي يطمح إلى كشف هذا البعد، من جهة أخرى. من هنا، اشتمل المخطط على مدخل عامّ، يعد مقدمة للبحث، وعلى بابين يحتوي كل منهما على أربعة فصول، ثم على خاتمة، كما دوَّن عبيدي قائمة المصادر والمراجع وفهرسَ الدراسة فهرسة تحليلية تُبرز هيكليتها وتبويبها. في المدخل العامّ، درس عبيدي الكتابة الروائية عند حنا مينة وعرّف ب»ثلاثية البحر» ودرس كيفية الانتقال من المكان، عموماً، إلى المكان الروائي، حيث حَدّد مفهوم المكان لغة واصطلاحاً، ثم حدده فلسفياً، اجتماعياً وفنياً، وأخيراً، بيّنَ أهمية المكان في الرواية. ثم انتقل عبيدي إلى الدراسة والتحليل في الباب الأول، حيث درس مستويات الأمكنة وقسّمَها إلى أربعة فصول، تناول في الفصل الأول منها دراسة المكان المغلق، عموماً، واعتمد في تقسيمه إلى مكان مغلق اختياري، حيث درس فيه البيت، القصر والمقهى، وإلى مكان مغلق إجباري، حيث درس فيه السجن دراسة مفصلة وأنواع السجناء وحالاتهم ونفسياتهم والسجان والدركي والشرطي وآليات تعاملهم مع السجين. أما في الفصل الثاني فقد استعرض عبيدي المكان المفتوح، عموماً، ثم درس فيه المدينة والاغتراب والحي الشعبي ومحبته والبحر والنهر والمغامرة فيها والسفينة، كأمكنة مفتوحة. وفي الفصل الثالث، تناول عبيدي أمكنة الانتقال عموماً، درس من خلالها الباخرة في البحر، المركب في النهر، الشوارع والأزقة في المدن والأحياء الشعبية. وفي ختام الباب الأول من الفصل الرابع، وصل، بعد توضيح مفهوم المكان، إلى الثنائيات الضدية للمكان، التي تلامس المكان وأنواعه. ودرس، في الباب الثاني، المكان وعلاقاته النصية. وفي نهاية الدراسة للباب الثاني من الفصل الرابع، تحدث عن علاقة المكان باللغة الروائية وعن رموز هذه اللغة ودلالاتها، مبيِّناً المكان واللغة المحكية ولغة المهنة في الرواية وعلاقة المكان ولغته بالصورة الفنية، ودرس آليات استخدام الكاتب لغةَ الأسطورية واللغة الشعرية الروائية والتناص بين الأسطورة والأحداث عند الكاتب. وأخيراً، درس لغة الافتتاحيات والمقدمات والخواتيم التي اعتمدها الكاتب لثلاثيته. وأنهى عبيدي دراسته بخاتمة للبحث، مع تبيان دقيق للمصادر والمراجع، العربية والمترجمة، وللمعاجم والأطروحات والدوريات التي اعتمد عليها في البحث، وأخيراً، وضع فهرساً تحليلياً شاملاً للبحث.