كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل أراضيه بما في ذلك الصحراء المغربية    التعاون القضائي في صلب مباحثات وزير العدل مع نظيريه الغيني والكونغولي    الحسيمة.. موظفو الجماعات الترابية يشلون الإدارات لثلاثة ايام    المؤتمر الوزاري الرابع لمبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية : إفريقيا لا تعبئ سوى 11.4 مليار دولار سنويا من أصل 580 مليارا تحتاجها للتمويل    الفلاحة المستدامة.. القرض الفلاحي للمغرب والوكالة الفرنسية للتنمية يوقعان اتفاقيتي قرض    المغرب – فرنسا: التوقيع على خارطة طريق للشراكة في مجالي الفلاحة والغابات    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    حنان حمودا تصدر طبعة ثانية لكتاب "الماء وصناعة المقدس: دراسة أنتروبولوجية لبنيات المجتمع الواحي بالمغرب"    دار الشعر بتطوان تحتفي ب "ليلة الملحون"    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    زيارة عمل تقود حموشي إلى دولة قطر    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    الإسلام في فرنسا وتكوين الأئمة .. باريس تبحث الاستفادة من تجربة الرباط    قضاء الاستئناف يرفع عقوبة رضا الطاوجني    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    طنجة.. توقيف ثلاثة أشخاص بتهمة ترويج مخدر الكوكايين    شخص يهدد بالانتحار بتسلق عمود كهربائي    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    المغرب وفرنسا يوقعان على خارطة طريق للشراكة في مجالي الفلاحة والغابات    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    مفاجآت بالجملة تقرب "الكوديم" من اللقب وتنعش آمال أولمبيك خريبكة في العودة إلى دوري الأضواء    القميص ‬البرتقالي ‬يمرغ ‬كبرياء ‬نظام ‬القوة ‬الضاربة ‬في ‬التراب‬    الاتحاد المصري يستدعي المغربي الشيبي    سباق النصر النسوي يطفىء شمعته ال 14 يوم الأحد المقبل وسط أجواء رياضية واحتفالية    كوريا الشمالية تطلق عدة صواريخ باليستية قصيرة المدى باتجاه البحر الشرقي    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    سلسلة زلازل تضرب تايوان أشدّها بقوة 6,3 درجات    اللي غادي لفرانسا لخميس وماشي لشي غراض مهم يؤجل رحلتو الجوية حتى الجمعة وها علاش    اتفاق "مغاربي" على مكافحة مخاطر الهجرة غير النظامية يستثني المغرب وموريتانيا!    الموت يفجع طليق دنيا بطمة    تصنيف "سكاي تراكس" 2024 ديال مطارات العالم.. و تقول مطار مغربي واحد ف الطوب 100    الصين: مصرع 4 أشخاص اثر انهيار مسكن شرق البلد    بنما.. الاستثمار الأجنبي المباشر يتراجع بأزيد من 30 بالمائة منذ بداية العام    ماذا نعرف عن كتيبة "نيتسح يهودا" العسكرية الإسرائيلية المُهددة بعقوبات أمريكية؟    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20    ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الأمثال العامية بتطوان... (579)    تقوى الآباء تأمين على الأبناء    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    مشاركة متميزة للسينما المغربية في مهرجان موسكو    نصف المواليد الجدد يعانون من فقر الدم والمولدات يقمن بأدوار محورية في حماية صحة الأم والطفل    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النخب والمشروعية
نشر في المساء يوم 23 - 09 - 2008

في دراسة لريمي لوفو (نشرت باسم مستعار Octave Marais) حول النخب الوسيطة والسلطة والمشروعية في المغرب (1971) يفسر كيف ضمنت الإدارة الفرنسية السيطرة على «المغرب النافع» بترك الوجهاء/الأعيان يستغلون العالم القروي التقليدي. الأمر نفسه ينطبق على القياد الذين كانوا من الناحية القانونية ممثلين للسلطان في القبائل. في الواقع قامت عملية إخضاع بلاد السيبة بفضل السلطات الفرنسية، فيما روابط بعض القياد في الريف والجنوب مع العرش كانت جد هشة.
هكذا لجأت الحماية إلى نوع من التحالفات تضمن لها شرعية جديدة. فعوض أن تستمد سلطتها من تفويض السلطان، ستشجع على زرع نظام محلي (يشبه برلمانا منتخبا) لتوليد شرعية ديمقراطية. كان يفترض في هذا النظام ألا يمثل خطرا على الإدارة الفرنسية، ولكن يمكن استخدامه في ظروف طارئة ضد القصر والبرجوازية الوطنية. غير أن بروز الصراع بين القصر والمقاومة منع المشروع الذي كان يستهدف تهشيم نظام الوجهاء/الأعيان من أخذ طريقه نحو التنفيذ.
في 1953 سيحدث العكس عندما قررت الحماية نفي محمد الخامس بالاستعانة بالباشوات والقياد. آليات العلاقات بين الإدارة الفرنسية والأعيان تتجاوز المستوى البسيط لعلاقات السيطرة. يتعلق الأمر بتضامن للسيطرة على العالم القروي، ضد القصر والوطنيين الذين كانوا يسعون إلى الإطاحة بهذا النظام. لقد كان الوجهاء/الأعيان مستغلي العالم القروي التقليدي، محط استغلال القصر أيضا، باستخدام الأساليب نفسها التي يعرفونها، لخشيتهم من طموحات البرجوازية الوطنية. في بلاد السيبة القديمة كانت الظنون إزاء الوطنيين كثيرة كما كانت بالقدر نفسه إزاء صلابة الحماية وصمودها وقدرتها.
بالنسبة إلى بيروقراطيي العاصمة، كان الاستقلال يعني مجرد تسليم سلط لفائدة البرجوازية المغربية، مما يزيد في تعقد المسألة بالنسبة إلى العالم القروي. أرادت الحماية أن يتعهد السلطان بعد عودته من المنفى بضمان النسيج القديم للقياد الذين انخرطوا في السابق في مشروع تنحيته (أي السلطان). لكن بعد تردد كبير، قرر الملك رفض التواطؤ مع الوجهاء/الأعيان القدامى. لقد كان على علم بالحقائق ولإدراكه أنه بإقامة تحالفات جديدة مع العالم القروي سيهيمن على النظام السياسي برمته. إذا ترك سلطة الوجهاء السياسية تنهار، فإن الملك سيعيق كل ما من شأنه أن يؤذي وضعهم الاقتصادي... سيعمد القصر إلى تشكيل نظام نخب محلية تدعمه، بالادعاء الحفاظ على التضامنات الإثنية التي سيعتمد عليها النظام اللاحق.
لقد تم خلق نخب إدارية محلية مدعومة بالنخب المحلية المنتخبة من خلال الاقتراع العام (الانتخابات)، وتعزيز دور المقدمين والشيوح للتحكم بالإدارة المحلية للبوادي.
بصفة عامة يمكن القول بأنه من خلال المنتخبين (وبوساطتهم) ومن خلال أدوار الإداريين الصغار استطاع القصر تشكيل نظام تحالفات مع النخب المحلية لمواجهة كل من الأنتلجنسيا الصاعدة والبرجوازية المدينية «الحضرية» و»البروليتاريا». برأي لوفو، فإن التحكم في العالم القروي عامل أساسي في الاستقرار السياسي. ليضمن للملكية مشروعية جديدة استخدم الحسن الثاني على هذه الخلفية، العالم القروي لتمرير دستور 1962 عن طريق الاستفتاء الشعبي، فيما أخفق باستعمال المنهجية نفسها، في الحصول على أغلبية لفائدة الحكومة الموالية له.
تبعثر تحالفات الملكية سيعيق كذلك كل محاولات التحديث لصالح العالم القروي والتي تمر عبر إصلاحات بنيوية. فالنخب التقليدية المحلية التي ينتمي إليها أغلب المنتخبين والإداريين الصغار لديهم حساسية كبرى إزاء أي إجراءات تتعلق بأوضاع الأراضي التي كانوا بحاجة مستمرة إلى بيروقراطية المخزن للسيطرة عليها... كانوا يخشون الإصلاحات الزراعية لأنها تهدد تملكهم للأرض بحكم إعادة التوزيع الضرورية للنهوض بقطاع الفلاحة فيما لم يكونوا ضد تحديث يخلصهم من القرويين عن طريق القذف بهم في أتون الهجرة إلى المدن أو إلى الخارج.
السلطة نفسها لم تكن تثق في هذه التطورات لأنها كانت تريد التحكم في التوازنات السكانية، وتشجيع تحويل الفلاحين إلى مأجورين، والذي كانت السلطة تستفيد فيه من المساعدة الخارجية. عملت الملكية على الاعتماد على الدعم المالي الخارجي (المخصص لقطاع الفلاحة) في استراتيجيتها إزاء النخب.
لكن فشل الدمقرطة برأي لوفو أدى إلى توقف تلك المساعدات وبالتالي تعطل مشروع تحديث الزراعة، كذلك أدى إلى تعطيل تحديث النظام السياسي وبنيات العالم القروي، الأمر الذي جعل الملكية تخشى فقدان دعم النخب القروية. كان نجاح التحديث يعني تقزيم دور الملك ليصبح فقط رمزا للمشروعية والوحدة. شكوك الحسن الثاني إزاء مخاطر التحديث على نظامه جعلته يعمق المظاهر المحافظة والتعبوية لسياسته ما سيعزز فيما بعد ظهور توترات اجتماعية حادة من دون حل، وللحفاظ على الهدنة مع العالم القروي استمر الحسن الثاني في الاحتفاظ بدعم النخب المحلية.
يعتبر لوفو هذا التحليل بمثابة مقدمات لفهم مسألتين: طرق إدماج النخب المحلية في النسيج الإداري، وخلفيات التعايش بين الإدارة والمنتخبين.
لم يكن ممكنا ترك العالم القروي من دون تأطير إداري. خاصة بعد الشعور السياسي الغاضب الذي تولد لدى ساكنة القرى إثر المراحل الأولى للاستقلال. ثورات عدي أوبيهي 1957، ومثيلاتها في الريف والأطلس والتي تم القضاء عليها بالدعم المعنوي للملك وللجيش الذي كان تحت سيطرته.
فيما الشيوخ والمقدمون يستعيدون أدوارهم التي كانوا يقومون بها خلال الاحتلال الفرنسي، بعد أن تبين أن القياد الإداريين الجدد بحاجة إلى وسطاء يعرفون الساكنة المحلية عن قرب. بعض هؤلاء الشيوخ والمقدمين الجدد تم تعيينهم أو اقتراحهم أو تزكيتهم من قبل بعض الأحزاب شريطة أن يكونوا مقبولين من قبل الساكنة. قلة من الشيوخ الذين عملوا مع الحماية ممن تمت استعادتهم. وتبين وظيفة الشيوخ والمقدمين بصفة عامة عدم إمكانية فعالية الإدارة من دون التعامل مع عناصر من خارج النخب المحلية.
من الصعب تحديد وتعريف دور هؤلاء المقدمين والشيوخ، أكيد أنه دور يتجاوز ما هو مرسوم لهم من قبل القايد. الشيخ بصفة عامة رجل غني فلاح كبير بدأ في تحديث زراعته باقتناء جرار آلي واستعمال الأسمدة. يهتم أكثر بوضعه الاجتماعي أكثر مما يهتم بما تذره عليه وظيفته. المقدم أيضا من الأعيان المحليين ولكن من درجة أقل.
أهمية أدوار هؤلاء تعود إلى عدم انتماء القياد الجدد إلى أي مجموعة إثنية. فالقياد مدينيون ولا يستقرون أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات في مناطق تعيينهم، حيث يتنقلون بصحبة العامل، وليس لهم احتكاك مباشر بالساكنة. منهم من أقام بعيدا عن منطقة مسؤولياته بعشرات الكيلومترات. فالقرويون بطبيعة الحال سيتواصلون أكثر مع الشيوخ والمقدمين المتواجدين في القبيلة.
من دون الشيخ لا يمكن للقائد أن ينجز مهامه ولا أن يتعرف على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدائرته.
بعد الإجماع على قبول الشيخ من قبل «جماعة» يبقى في مهامه طالما بقي وفيا للإدارة.. تنحية الشيخ لا تتم إلا بعد تدخل وزير الداخلية في ضوء تقرير العامل أو الديوان الملكي، وكان يحدث أحيانا أن يتدخل العاهل نفسه للحسم في مشكل تنحية الشيخ بعد طلب التحكيم من قبل القبيلة أو ما شابه.
الإصلاح الجماعي طرح مشكل التعايش بين الشيخ ورئيس الجماعة. ما جعل الإدارة تبدع حلا لهذه المعضلة بتعيين «مساعدته» الشيخ في رئاسة الجماعة. فيما الدولة استمرت في تعزيز أدوارهم وتقريبهم من المخزن مما أعطاهم حظوة أكبر مما كان للمنتخب. وأعطيت للمقدمين مهام للإشراف على أصغر تجمع سكني (دوار ومجموعة دواوير) أي مزيدا من تغلغل المقدمين، (1957 كان بالمغرب 20000 مقدم)
أوضاع المقدمين المادية ستدفعهم إلى استخلاص مصادر غير شرعية للدخل والدولة ستتغاضى عن ذلك، أما دورهم السياسي في المراقبة والترصد للساكنة فسيتعاظم في مرحلة عرفت بكونها مرحلة الانتهاكات، فقد لاحظ لوفو أن المرشحين للانتخابات الجماعية الأولى هم بصفة عامة من شيوخ ومقدمي المرحلة الفرنسية أو من عائلاتهم. كما أن الدولة ساعدت شيوخا ومقدمين من المنتخبين القدامى ليتقلدوا مناصب رؤساء ومستشاري الجماعات.
يستنتج لوفو من التحليل أعلاه أن إدماج النخب المحلية في الإدارة المخزنية/الدولة ساعد على تفادي تمرد البادية، كما ساعد على إخضاع البادية. فالأعيان لتفادي التمرد كانوا يفاوضون ويبحثون عن تفاهمات، لكنهم أيضا كانوا وينذرون ويخبرون السلطة.
* باحث في السوسيولوجيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.