أكد أبو العرب عبد النبي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مونديابوليس، أن قانون الإضراب من شأنه أن يعقلن بشكل قوي أداة الإضراب، ويجعل منها وسيلة جادة في أفق بناء محيط مهني سليم، تغيب عنه العبثية واللامسؤولية التي طبعت العديد من الإضرابات التي يعرفها المغرب. واعتبر الأستاذ المتخصص في الاقتصاد أن انزلاق بعض النقابات إلى رفض قانون الإضراب لا يمكن إلا أن يضر بمصداقيتها ويضعف السلم الاجتماعي ويهز الثقة في قدرة النسيج السياسي والاجتماعي الوطني على بنا ء محيط مستقر للأعمال في بلادنا، مؤكدا على أن الإضرابات كلفت خزينة الدولة 18 مليارا و470 مليون سنتيم في الفترة الممتدة ما بين 2004 و2011. - كيف يمكن أن تؤثر الإضرابات المتوالية على الاقتصاد المغربي؟ انخرط المغرب منذ أكثر من عقدين من الزمن في مسار من الإصلاحات الاقتصادية بهدف تحقيق النهضة والتنمية، وهو ما تمثل في الانفتاح الاقتصادي وتحرير مجال الاستثمار والأعمال، خاصة قطاعات العقار والسياحة والبنوك والتأمين وغيرها. إلا أن الإطار العام الذي تطور من خلاله الاقتصاد الوطني لا يمكن فصله عن ظاهرة الإضرابات، التي أظهرت الإحصائيات أنها ما فتئت تتطور وتتوسع بشكل تصاعدي على مدى السنين الأخيرة. ففي سنة 2007، بلغ عدد الإضرابات، استنادا إلى وزارة الداخلية، 182 إضرابا، ثم قفز إلى 223 إضرابا في السنة الموالية، وإلى 231 إضرابا في 2009، ليرتفع بشكل قوي خلال سنة 2011 حين بلغ عدد الإضرابات 400 إضراب. وبقدر ما يجب التأكيد على أن الانتفاضات التي شهدها العالم العربي هي أكثر عمقا وشمولا من حيث الأسباب السياسية والاجتماعية والثقافية مقارنة بظاهرة الإضرابات العمالية، فإنه من الممكن التأكيد أيضا على أن هاتين الظاهرتين تنبعان من نفس الأسباب وتسفران عن نتائج متقاربة، تتفق كلها على ارتفاع الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، التي تعتبر الإضرابات أحد تعبيراتها الأساسية. - كيف يمكن أن تؤثر الإضرابات المتوالية للنقابات على الاقتصاد الوطني؟ منذ انطلاق الحكومة الجديدة وهي تواجه العديد من العقبات، الاجتماعية والسياسية، وعلى رأسها الاحتجاجات والإضرابات في قطاعات متعددة، كالعدالة والجماعات المحلية والصحة وغيرها. ولهذه الإضرابات العديد من الخسائر المباشرة وغير المباشرة، المادية وغير المادية. على أنه غالبا ما ننتبه إلى الخسائر الأولى، ونغفل الثانية، مع العلم أن هذه الخسائر في بعض الأحيان يكون وقعها أكثر جسامة. وفي إطار الحديث عن آثار هذه الإضرابات، يجب الأخذ بهذه النظرة الشمولية، لكونها الكفيلة بالتقييم الحقيقي لآثاره. وهنا يجب تحليل هذه الآثار في إطار السلسلة الاقتصادية الشاملة التي ينخرط فيها الطرف المضرب، حيث إذا أضرب طرف في السلسلة، تضررت باقي أطرافها، نظرا لتكامل أنشطتها واعتماد بعضها على بعض. وهنا تكون الخسائر قسمين، الأولى هي الخسارة الناتجة عن تفويت فرصة في الربح كان من الممكن استخلاصه، كعدم تمكن مُنتِج معين من إيصال منتوجه إلى السوق جراء إضراب أرباب النقل، والثانية هي الخسارة التي يجب تحملها جراء الإضراب، وفي نفس المثال الذي قدمناه، فإنها تكمن مثلا في الإتلاف الذي قد يلحق بالمنتوج أو التكاليف التي يجب تحملها من أجل الحفاظ عليه. وفي إطار تحديد الآثار الاقتصادية للإضراب، رغم صعوبة تقييمها بدقة، فإن الإحصائيات الرسمية تؤكد أن الإضرابات كلفت خزينة الدولة 18 مليارا و470 مليون سنتيم في الفترة الممتدة ما بين 2004 و2011. وقد لوحظ ارتفاع قوي في هذه الخسائر في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بلغت ذروتها في سنة 2010 نحو 6 مليارت و57 مليون سنتيم، متبوعة بفارق طفيف في سنة 2011، حين وصلت هذه الخسائر إلى 5 مليارات و616 مليون سنتيم. أما فيما يخص الشركات العمومية، فيمكن أن نذكر هنا الإضرابات التي عاشتها شركة الخطوط الملكية المغربية، حيث كانت خسارتها تقدر يوميا بخمسة ملايين درهم كنفقات زائدة تحملتها الشركة لأجل احترام التزاماتها مع زبنائها بكراء طائرات بديلة عن طائراتها المضربة عن الطيران. أما فيما يخص الآثار غير المادية، فهي عديدة، ولكن أكثر تعقيدا من حيث تقييم طبيعتها وحجمها. إلا أن الأكيد هنا أن الاقتصاد الوطني تضرر جراء الإضرابات. وخير مثال في هذا الإطار، الإضراب في مصالح الجماعات المحلية، الذي تتوقف على إثره كل معاملات البيع والشراء التي تستلزم التوثيق على مستوى الوطن، مما يسبب خسارة كبيرة في إنتاجية البلاد. - ما هي الانعكاسات المحتملة لصدور قانون الإضراب على الاقتصاد الوطني؟ ينطلق مشروع القانون التنظيمي للإضراب من هدف واضح، هو ضع حد للتسيب الذي تعرفه هذه الظاهرة، ويعتزم إزاء ذلك إعمال عدد من المبادئ المؤطرة لاستعمال هذا الحق الدستوري. ولعل أهم مستندات هذا القانون هي رغبته في الحيلولة دون وقوع الإضراب، من خلال إلزام المضربين بإخطار المشغل 10 أيام قبل بدء الإضراب، تمتد بين تاريخ الإنذار بالإضراب وتاريخ تفعيله، كما تنص عليه المادة 18 من مشروع القانون التنظيمي. هذه المهلة تعطي للمشغل الفرصة للدخول في مفاوضات يمكن من خلالها الحيلولة دون تفعيل الإضراب.كما تمنع الإضرابات المباغتة، التي تضع المشغل أمام الأمر الواقع، وتمنعه من اتخاذ التدابير اللازمة لتدبير تبعات الإضراب. وفي هذا الإطار يؤكد الفصل 9 على أنه لا يمكن لأي منظمة اللجوء إلى الإضراب إلا بعد فشل المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة. كما يؤكد هذا القانون التنظيمي على الحق في العمل مقابل الحق في الإضراب، حيث تنص المادة 12 على أن حرية العمل تبقى مضمونة أثناء ممارسة الإضراب للأجراء الذين لا يشاركون في الإضراب. كما تؤكد المادة 23 على منع احتلال أماكن العمل خلال مدة الإضراب إذا كان من شأنه أن يمس بحرية العمل أو يؤدي إلى أعمال العنف أو إلى إتلاف أو تدمير الآلات أو الأدوات أو المعدات. كما ينص مشروع هذا القانون التنظيمي على أن عقد العمل قد ينتهي إذا ثبتت عرقلة حرية العمل أثناء الإضراب وتمت معاينتها من طرف مفوض قضائي. كما ينص أيضا على ضرورة ضمان حد أدنى من الخدمات في القطاعات الحيوية والمرافق العمومية، كما تنص على ذلك المادتان 41 و42. ومن شأن كل هذه التدابير أن تؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني، حيث ستعقلن بشكل قوي أداة الإضراب، وستجعل منه أداة جادة في أفق بناء محيط مهني سليم، تغيب عنه العبثية واللامسؤولية، التي طبعت العديد من الإضرابات التي يعرفها المغرب. ومن شأنها كذلك أن تؤسس لثقافة عمالية ومهنية جديدة، مبنية على الحوار المؤسس مع النقابات، التي خول لها مشروع القانون الحق في إعلان الإضراب، مما سيمكن المغرب من بناء نموذج جديد من السلم الاجتماعي، سيكون له الأثر الإيجابي في اعتبارات المستثمرين الأجانب إزاء مناخ الأعمال في بلادنا. - وإذا رفضت النقابات هذا القانون، هل من المحتمل أن يؤثر ذلك على النمو الاقتصادي؟ رفض النقابات هذا القانون لا بد أن يتناول من حيث مستوياته. إذا كان رفضها يتعلق ببعض البنود، فإن المفاوضات ستمكن لا محالة من إيجاد صيغة تمكن من إيجاد حل وسط، حيث لا يتعلق الأمر إلى حد الآن إلا بمشروع قانون، مفتوح للمناقشة والتداول. أما إذا كان رفضها يتجاوز البنود إلى رفض مبدئي القانون التنظيمي من أساسه، كما لوحت بعض المركزيات النقابية، فإن مثل هذه المواقف لا يمكن إلا أن تكون لها تبعات سلبية. فماذا يعني الرفض الكلي لمبدأ تقنين الإضراب؟ هل يعني ذلك الرغبة في استمرار التسيب في مزاولة هذا الحق بشكل يفقده كل مصداقية ؟ إن انزلاق النقابات إلى مثل هذه المواقف لا يمكن إلا أن يضر بمصداقيتها، ويضعف السلم الاجتماعي ويهز الثقة في قدرة النسيج السياسي والاجتماعي الوطني على بناء محيط مستقر للأعمال في بلادنا. وذلك بطبيعة الحال سيضر حتما بالاقتصاد الوطني من حيث التوتر الذي سيخلقه بين المشغلين والعمال وسيخلق جوا من عدم الثقة في مناخ الأعمال ببلادنا، نحن في غنى عنه في هذه الظروف الوطنية والدولية الهشة سياسيا واقتصاديا.