تيمور الشرقية... المنتخبة غلة باهيا تسلط الضوء على التحول التنموي العميق في الصحراء المغربية    لجنة التقنيات والعمليات السيبرانية بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    بنك المغرب: ارتفاع سعر صرف الدرهم ب 0,6 في المائة مقابل الدولار    نهاية 2024: الصين تتصدر العالم ببناء أكثر من 94 ألف سد وقدرات كهرومائية غير مسبوقة    بوريطة يمثل جلالة الملك في حفل تنصيب رئيس الإكوادور وسط تقارب دبلوماسي متزايد    الاستثمار الصيني في المغرب: بطاريات المستقبل تنبض من طنجة نحو أسواق العالم    كريستيانو رونالدو على وشك توقيع عقد القرن … !    عرض بقيمة 400 مليار لضم لامين يامال … برشلونة يتخذ قراره    البرازيلي رونالدو نازاريو يبيع حصته في بلد الوليد    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت بالمغرب    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    خبر تهريب 2,5 طن من الشيرا من شاطئ "طالع القرع"… يستنفر المصالح المختصة    إجهاض محاولة تهريب أزيد من 3700 قرص مخدر بمعبر باب سبتة بحوزة قاصر    تتويج الفائزين بجائزة المغرب للشباب 2025    تفاصيل قرعة كأس العرب بقطر    مهرجان ماطا الدولي للفروسية يحتفي بربع قرن من العهد الزاهر للملك محمد السادس    "جائزة المغرب للشباب" تحتفي بأفكار ومشاريع شبابية إبداعية فريدة    12 جريحا في هجوم بسكين داخل محطة قطارات بهامبورغ.. والشرطة تعتقل امرأة مشتبه بها    غوتيريش يندد ب"الفترة الأكثر وحشية" في حرب غزة    تحالف مغربي-إماراتي يطلق مشروعا عملاقا في طنجة لتعزيز الأمن الطاقي بالمملكة    طفرة جديدة في المداخيل الضريبية لتتجاوز 122 مليار درهم خلال 4 أشهر فقط    منتدى برلماني بمراكش يدعو إلى وقف الحرب في قطاع غزة المحاصر    رسمياً.. توجيهات بمنع بيع الأضاحي بإقليمي الناظور والدريوش خلال عيد الأضحى    آلاف المغاربة يحتجون نصرة لغزة    نهضة بركان يشكو سيمبا ل"الكاف"    مرصد يطالب بفتح تحقيق في وفاة سجين من الحسيمة بسجن وجدة    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    "الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة" تدخل على خط ملف "بيع الشهادات الجامعية" والدولة المغربية تنتصب كطرف مدني    ملتمس الرقابة من لحظة لمكاشفة الحكومة إلى فرصة لكشف نزوات بعض مكونات المعارضة    الأزمي «البليكيه»    الرد الشامل على اللغو السافل: باب ما جاء في انسحاب الاتحاد من العبث    الركراكي يكشف عن لائحة الأسود يوم الثلاثاء استعدادا لتونس والبنين    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بسبب تسجيل مكالمة تتضمن ألفاظ "نابية".. المحكمة للناصيري: "الله لا يحب الفاحشة والتفحش في الكلام"    مبابي يُتوج بجائزة أفضل لاعب في ريال مدريد لموسم 2024-2025    جبور: الهزة الأرضية متوسطة القوة .. ومحطات الرصد المغربية أكثرُ دقة    بلقصيري تحتضن مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الثانية    تعيين عزيز الذنيبي مدربا جديدا للنادي الرياضي المكناسي لكرة القدم    الباروك يلاقي الأندلسي والتصوف الإفريقي في فاس.. إيطاليا تُبدع كضيفة شرف لمهرجان الموسيقى العريقة    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    مقتل 4 أشخاص وفقدان 17 آخرين في انهيارات أرضية بالصين    "هنا".. عندما تتحول خشبة المسرح إلى مرآة لحياة أبناء "ليزاداك"    مهدي مزين وحمود الخضر يطلقان فيديو كليب "هنا"    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    انتشار الأفران العشوائية يزعج الفدرالية المغربية للمخابز    بريطانيا تدرس استخدام الإخصاء الكيميائي الإلزامي لمعاقبة بعض المعتدين جنسيا    حرارة وزخات رعدية في توقعات طقس الجمعة    بكين.. الصين وهولندا تعززان شراكتهما الاستراتيجية    انطلاق أيام التراث بمراكش احتفاء بالماء والحدائق    بطاريات المستقبل تصنع بالقنيطرة .. المغرب يدخل سباق السيارات النظيفة    الحكومة تُطلق دعما مباشرا لحماية القطيع الوطني وبرنامجا لتحسين السلالات    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن عثمان المراكشي.. عالم كبير سطع في سماء مراكش
تبرع بمائة ألف فرنك لإدخال مطبعة إلى المغرب من أجل إصدار مجلة
نشر في المساء يوم 19 - 08 - 2012

رجال صدقوا ما عاهدوا الله والشعب عليه، منهم من لقي ربه ومنهم من ينتظر. أسماء دوى صداها في أرجاء المدينة الحمراء وخارجها وشمخوا شموخ صومعة «الكتبية» أو أكثر،
وبصموا بأناملهم وكتبهم تاريخا ظل عصيا على المحو. لكن فئة قليلة من الجيل الحالي من تعرفهم أو تعرف إنجازاتهم. غير أن الذين عاصروهم أو الذين تتلمذوا على أيديهم يعتبرون أن هذا الرعيل صنع ما لم يصنعه أحد ممن سبقوهم كل في تخصصه. «المساء» نبشت في ذكرياتهم في مراكش وخارجها، وجالست من بقي منهم على قيد الحياة، واستمعت إلى تلامذتهم، الذين لا زالوا يعيشون جمالية تلك اللحظات التي لازالت منقوشة في أذهانهم وقلوبهم.
هو محمد بن عثمان بن أبي بكر بن إبراهيم المسفيوي المراكشي الإدريسي، كما ورد عند العلامة محمد المختار السوسي، ومحمد بن محمد المؤقت المراكشي. تلقى تعليمه الأولي في مدينة مراكش، وتحديدا بجامعة ابن يوسف، على يد علمائها. ينتمي إلى أسرة علمية معروفة. فأخوه إبراهيم كان يشتغل بسفارة المغرب بالقاهرة، وهو الذي مهد له سبيل الرحيل إلى مصر للدراسة، وابن عمه أبو بكر بن علال المسفيوي كان قاضيا على المذاكرة.
سافر إلى مدينة الرباط لاستكمال دراسته سنة 1925، ومكث بها زهاء ثلاث سنوات، أخذ خلالها على المحدث محمد المدني بن الحسني، والشيخ أبي شعيب الدكالي، ومحمد بن عبد السلام السايح، ومحمد بن العربي العلوي. وتميز ابن عثمان بميله إلى المطالعة والمراجعة والمقارنة، بدل الاعتماد على الحفظ والرواية، كما هو شأن معاصريه من الطلبة. رحل إلى مصر للدراسة، وأخذ على كبار علمائها، وكان شديد الإعجاب بالقاهرة، وجامعتها، وعلمائها، ويسمي مصر ببلاد وادي النيل العزيز. كما كان كثير التردد على دار الكتب المصرية، والبحث عن ذخائرها، وقد عبر عن ذلك في حديثه عن إعجابه بكتاب «المخصص» لابن سيد، الذي قال عنه: «فحذا بي الشوق إلى تخصيص وقت للوقوف عليه بدار الكتب المصرية». وتتبع ما كان يجري بمصر من حوار حول قضايا علمية، مثل الحوار بين أنصار رسم المصحف القديم وأنصار كتابة المصحف بالخط العادي، فمال إلى أنصار التجديد، كما عبر عن ذلك في كتابه «الجامعة اليوسفية»، وهو رأي شيخ الأزهر آنذاك محمد مصطفى المراغي.
العودة من مصر
ولما عاد إلى المغرب تصدر للتدريس في كلية ابن يوسف، وقد أقيم له حفل ترحيب وتهنئة بالمناسبة، ألقيت فيه خطب وقصائد.
وفي هذه الفترة تعرف إلى المرحوم عبد الله الجراري، خلال رحلته إلى مراكش سنة 1935، فقد استقبله في بيته بمعية عدد من العلماء، الذين لزموه كذلك، وهم محمد المختار السوسي، وعبد الجليل بلقزيز، وإبراهيم الألغى، ومحمد بن عبد الرزاق الفاسي، وأحمد بن الفاضل، وغيرهم، وكان ذلك في قبة أنيقة بمنزله على الطراز المراكشي بحومة المواسين، ووصف المؤلف نفس المكان بقوله: «واستقبلنا في قبة بمنزله عليها رونق وبهجة».
كما كانوا ينظمون زيارات استطلاع واستجمام إلى بعض المآثر التاريخية لجنان الحارتي، وحدائق المنارة، وأكدال، ومدرسة ابن يوسف، وضاحية مراكش «أمزميز»، وزيارات علمية إلى بعض المدارس الحرة كمدرسة المختار السوسي، ومدرسة محمد بن عبد الرازق الفاسي، وجامع ابن يوسف، حيث تلقى الدروس العلمية والدينية. وكانت تدور خلال هذه اللقاءات مناقشات علمية ومساجلات أدبية ممتعة، نذكر منها أن ابن عثمان طالع في عدد من مجلة «الرسالة» المصرية مقالا افتتاحيا في السيرة النبوية. ولعل من أهم الأحاديث، التي دارت بين الجراري وابن عثمان خلال تلك الرحلة إلى مصر حديث حول الصحف والمجلات وملاحظة ابن عثمان المراكشي وافتقار المغرب لها، إذ اقترح إصدار مجلة بمراكش يعرب فيها عما يختلج بداخله، وما يقع من ألوان القضايا والأحداث، وكل ما ترمي إليه النفوس من أدب وأخلاق، ومجابهة أصحاب الدعاوى العريضة، التي ملأت الفضاء وقاحة وجهلا، كما قال.
واقترح بعض الحاضرين إصدار توليفات أدبية وعلمية أسبوعية، بدل المجلة الشهرية، فذلك أفيد وأفضل، وبقي التفكير في الوسيلة التي هي المطبعة، فقال ابن عثمان إن بمقدوره إحضار مطبعة من الطراز العالي بمبلغ مائة ألف فرنك، يتبرع هو بعشرة آلاف فرنك منها، ويتبرع آخرون بالباقي. وأعرب الكل عن فوائد هذا العمل إذا تم في كل الجوانب الدينية والعلمية والثقافية.
اشتباك ثيران
وقد دارت مساجلة أدبية رفيعة بين هؤلاء العلماء أثناء زيارتهم، أمزميز وصفوا فيها اشتباكا وقع بين بعض الثيران، وعبروا عن ذلك بقصيدة تناوبوا في ارتجال أبياتها الواحد بعد الآخر، شارك فيها: المختار السوسي، وعبد الله الجراري، وأحمد بن الفاضل تقع في أربعين بيتا، ارتجل منها ابن عثمان الأبيات التالية:
كنا نطل بربوة وأمامنا
من ذاك ما هو غاية السلوان
يهوى فتظهر نفرة ولوأنها
رضيت بكل فؤادها الجذلان يختال من فرح وطيب تلذذ
تبدو عليه نشوة السكران
لكأنما والصب لا ينسى الهوى
قد هجت ما قد هجت في الإخوان
وكانوا يستفسرون طلبة المدارس عن دروسهم ومحفوظاتهم ويستمعون إلى دروس العلماء كدروس محمد بن عثمان في شرح صحيح البخاري ليلا، ودرس له في المنطق ولخصه المؤلف، وسجل ما ورد فيه من معلومات، وكيفية تقديم المحاضر لها بشكل تدريجي يحبب العلم للمتلقين. ووصف «صاحب الرحلة» ما كان عليه مسجد ابن يوسف من تألق علمي، وإقبال على الدروس فقال: «فدخلنا متلهفين، فإذا هو يتدفق علما وفقها... وإنها ثمانية دروس دفعة واحدة بمختصر خليل رحمه الله في البيوع، والطلاق، والضحية، والخصائص، والطهارة، مندهشين في هذا الفيض العلمي المشبع».
ووصف الجراري كلية ابن يوسف ليلا، فقال: «ثم قفلنا مارين بالكلية اليوسفية، فإذا هي تتلألأ وتضيء باختلاف الدروس صرفا ونحوا، ألفيات أربع تدرس...».
وسأل ابن عثمان الضيوف كيف رأوا مسجد ابن يوسف، فقالوا «فأخبرناه الحقيقة متشكرين من رجاله وعلمائه واجتهادهم المتتابع، وبالأخص الذين أخذوا ينهضون ويجددون، فأدخلوا إليه المنطق البيداغوجي، والتاريخ، وقوانين ابن جزي، والكامل للمبرد وأشباه هذه، والفنون والمؤلفات التي تذلل الطريق في وجه التلميذ، حتى يصل إلى الهدف في أسرع وقت، فضلا عن الدروس الأدبية، التي يتلقاها بروح جديد يبت فيه الوعي والنشاط».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.