أوضح نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أن ما يميز الفيضانات الأخيرة، التي شهدها آسفي، ليس فقط حجم التساقطات، بل طبيعتها وتوقيتها ومكان تركزها، مبرزاً أن "سبق لمدينة آسفي أن عرفت تساقطات بلغت 100 مليمتر دون أن تفرز مثل هذه التداعيات"، غير أن الإشكال هذه المرة، بحسب تعبيره، يكمن في أن "التساقطات تركزت داخل المجال الحضري وفي وقت وجيز، ما حال دون اضطلاع السد بدوره الكامل في الحماية"، معتبراً أن هذا العامل هو "الإشكال الحقيقي الذي أدى إلى ما وقع"، إلى جانب عناصر أخرى معروفة لدى المتدخلين. وردت تصريحات بركة خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب المنعقدة يوم الاثنين 22 دجنبر الجاري، حيث أكد الوزير، فيما يتعلق أن المغرب راكم تجربة مهمة في منظومة الإنذار المبكر، مشدداً على أن "المملكة تُعد نموذجاً على الصعيد الإفريقي في مجال الإنذار المبكر"، بفضل منظومة قائمة يتم العمل باستمرار على تطويرها وتعزيز نجاعتها. وأضاف أن الوزارة ترتبط باتفاقيات دولية تهدف إلى تقوية هذه الآليات وتوسيع نطاقها، خاصة في المناطق المعرضة لمخاطر الفيضانات، موضحاً أن الأمر لا يقتصر على الإنذار فقط، بل يشمل أيضاً البرمجة الاستباقية والنمذجة العلمية التي تسمح بتتبع التطورات المناخية بشكل أدق.
وفي هذا السياق، كشف الوزير عن تطور مهم في قدرات التوقع الجوي، مؤكداً أنه "بتنسيق مع مديرية الأرصاد الجوية، أصبح من الممكن اليوم التوفر على توقعات بدقة تصل إلى 500 متر، مع إمكانية أدق تمتد إلى مستوى المؤسسات الجامعية"، مضيفاً أن "العديد من رؤساء الجامعات يتوصلون يومياً بنشرات خاصة بالمؤسسات التي يشرفون عليها"، في إطار عمل تشاركي يندرج ضمن مهام الوكالة المعنية ويعزز الاستباق واليقظة. وأشار نزار بركة كذلك إلى اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي كآلية إضافية لتبليغ الإنذارات وتحسيس المواطنين، موضحاً أن التوقعات الأولية بخصوص الحالة الجوية بآسفي كانت تشير إلى تساقطات في حدود 35 مليمتر، وهي كمية "لا تشكل في حد ذاتها خطورة كبيرة"، مضيفاً أن مستوى الإنذار حينها كان "في حدود الأصفر أو البرتقالي"، غير أن "العامل الحاسم تمثل في تركز التساقطات في وقت وجيز وداخل المجال الحضري، وفي منطقة معينة، وهو ما أدى إلى النتائج التي تم تسجيلها". وفي معرض حديثه عن الإجراءات المستقبلية، أكد وزير التجهيز والماء أن الوزارة شرعت في إعداد تصور عملي لمعالجة الإشكالات البنيوية المرتبطة بفيضانات آسفي، موضحاً أن "المدخل الأساسي يتمثل في إنجاز دراسة تقنية ترتكز بالأساس على توسيع مصب الوادي"، معتبراً أن هذه الخطوة تشكل "النقطة الحقيقية" لضمان انسياب المياه مباشرة نحو البحر، بما يقلص من مخاطر الفيضانات داخل المدينة، ويحول دون تكرار ما وقع مستقبلاً. وأضاف الوزير أن هذه المقاربة ستواكبها إجراءات أخرى تهدف إلى تقوية منظومة الحماية من الفيضانات، ليس فقط بآسفي، بل أيضاً بعدد من المناطق الأخرى على الصعيد الوطني، في إطار رؤية شمولية تروم تعزيز الوقاية وتقليص الخسائر البشرية والمادية. وكشف في هذا الصدد عن توجه جديد تسعى الوزارة إلى اعتماده، يقوم على إدماج الحلول الطبيعية في مشاريع الحماية من الفيضانات، موضحاً أن هذا الخيار "يمكن من تقليص الكلفة المالية، ويضمن في الوقت ذاته الاستدامة البيئية".