يتسارع التمدد الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربيةالمحتلة، عبر مزيج من السيطرة الميدانية والرمزية، وقرارات حكومية معلنة، واقتحامات رسمية، في مسار يقول الفلسطينيون وخبراء دوليون إنه يهدف إلى تقويض أي أفق لقيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة. فعلى امتداد الطرق الرئيسية ومداخل القرى الفلسطينية، من جنين شمالًا إلى الخليل جنوبًا، تشهد الضفة الغربية انتشارًا كثيفًا للأعلام الإسرائيلية، لا سيما على الشوارع الالتفافية ومحاور الربط بين المستوطنات، في خطوة يعتبرها مسؤولون فلسطينيون "إعلان سيادة ميداني" يسبق أي ضم رسمي.
ويؤكد رئيس "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" مؤيد شعبان أن رفع الأعلام يترافق مع منع ممنهج لأي رمز وطني فلسطيني، حتى الرموز الصغيرة داخل السيارات أو على الملابس، معتبرًا أن هذه السياسة تهدف إلى "احتلال الفضاء العام والذاكرة الجماعية"، وفرض واقع نفسي يمهّد للسيطرة الكاملة على الأرض. ويأتي هذا التطور بالتوازي مع توسع ما يُعرف بالبؤر الاستيطانية، خصوصًا "البؤر الرعوية" المقامة على قمم الجبال، حيث يُرفع العلم الإسرائيلي فور السيطرة على الموقع، في ما يصفه الفلسطينيون بعملية ضمّ تدريجية خارج الأطر القانونية. 19 مستوطنة جديدة وفي هذا السياق، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على خطة لإنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربيةالمحتلة، بحسب ما ذكرت القناة 14 الإسرائيلية، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا إضافيًا على الأرض. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الخطة تشمل توسيع نطاق الاستيطان وتعزيز الوجود الإسرائيلي في مناطق عدة بالضفة. وتأتي هذه المصادقة في ظل انتقادات دولية متصاعدة لسياسات التوسع الاستيطاني، التي تُعدّ مخالفة للقانون الدولي، وسط تحذيرات من تداعياتها المباشرة على فرص الحل السياسي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ووفق معطيات حركة "السلام الآن" الإسرائيلية، يقيم نحو نصف مليون مستوطن في مستوطنات الضفة الغربيةالمحتلة، إضافة إلى نحو 250 ألف مستوطن في مستوطنات مقامة في القدس الشرقية. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد كشفت سابقًا عن بناء أكثر من 140 بؤرة استيطانية منذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو مهامها قبل نحو ثلاثة أعوام. وشهدت مناطق وسط وجنوب الضفة، ولا سيما محيط سنجل ومستوطنة "شيلو" وشارع 60، تكريس هذا النهج، إذ باتت الطرق تُقدَّم باعتبارها "إسرائيلية"، في خطوة تحدّ من حرية حركة الفلسطينيين وتقطع أوصال الجغرافيا الفلسطينية، ما يحول القرى والمدن إلى جيوب معزولة. استفزازات وزيرة الإستيطان وفي تصعيد لافت، اقتحمت وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك، الأحد، بلدة دورا جنوب الخليل، برفقة جنود ومستوطنين، وشاركت في احتفال ديني على قمة جبل طاروسا، بعد إغلاق طرق حيوية وإجبار فلسطينيين على إغلاق محالهم التجارية لساعات، بحسب شهود عيان. وجاء هذا الاقتحام بعد ساعات من إعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تقنين أوضاع عشرات البؤر الاستيطانية، واصفًا ذلك ب"الرقم القياسي"، في خطوة تعكس، وفق محللين فلسطينيين، انتقال الاستيطان من سياسة أمر واقع إلى مشروع حكومي معلن. وتقول الأممالمتحدة إن الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، غير قانوني بموجب القانون الدولي، محذّرة من أن أي ضم رسمي من شأنه القضاء على حل الدولتين المنصوص عليه في قراراتها. اقتحامات الأقصى وفي نفس السياق اقتحم 917 مستوطنا إسرائيليا، الأحد، المسجد الأقصى بمدينة القدسالمحتلة، بينما أبعدت السلطات الإسرائيلية أحد حراسه عنه. وقالت محافظة القدس الفلسطينية في بيان "اقتحم المسجد الأقصى المبارك 917 مستعمرًا (مستوطنا) خلال فترة الاقتحامات الصباحية والمسائية، فيما بلغ عدد السيّاح الذين دخلوا إلى المسجد عبر بوابة السياحة التابعة لسلطات الاحتلال 420 سائحا". وفي بيان منفصل قالت المحافظة إن السلطات الإسرائيلية أبعدت حارس المسجد الأقصى وهبي مكية عن المسجد لمدة 6 أشهر. ووفق معطيات المحافظة لشهر نوفمبر الماضي اقتحم المسجد 4266 مستوطنا إسرائيليا، إضافة إلى 15 ألفا و220 سائحا أجنبيا. أكثر من 33 ألف من الشهداء والجرحى والمعتقلين وبالتوازي مع التوسع الاستيطاني، شهدت الضفة الغربية تصعيدًا ميدانيًا غير مسبوق منذ بدء الحرب في قطاع غزة في أكتوبر 2023، أسفر، بحسب معطيات فلسطينية رسمية، عن استشهاد أكثر من 1100 فلسطيني، وإصابة نحو 11 آلاف، واعتقال أكثر من 21 ألفًا. ويرى محللون أن الجمع بين القرارات الحكومية بإنشاء مستوطنات جديدة، والتوسع الميداني للبؤر الاستيطانية، والسيطرة الرمزية عبر الأعلام والطرق، يشكّل مسارًا متكاملًا يهدف إلى تفكيك الجغرافيا الفلسطينية وتحويل فكرة الدولة إلى كيان مجزأ وغير قابل للحياة. وبينما تؤكد إسرائيل أن إجراءاتها ذات طابع أمني أو ديني، يرى الفلسطينيون أن ما يجري على الأرض يشير إلى واقع واحد: تمدد استيطاني متسارع لا يترك مجالًا لدولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا، ويضع حل الدولتين أمام أخطر اختبار منذ عقود.