بعد كتابيه «ضمير الخائب» قصص 93 و«دفين العتبة» 2001 ج1 صدرت للقاص والشاعر حسن برما مجموعة قصصية اختار لها عنوانا (في عين الظلمة) لتنضاف إلى سلسلة أعماله السابقة المتنوعة ، غلاف المجموعة بلون أسود ولوحة تمثل قفلا بالأحمر والأزرق، واختار تثبيث كلمة قصص باللون الأصفر والعنوان بلون قرمزي . أتساءل ما دلالة اللون والألوان الأخرى هنا على غلاف مجموعته؟ أعرف فقط أنه قسمها إلى تسعة عناوين قصصية بإهداء إلى ابنته إلهام وتقديم للباحث عثماني الميلود، الذي يتحدث عنه ككاتب له رؤية فنية متبصرة وأنه اعتمد على ثلاث مرجعيات تشكل عناصر التماهي وعالم النصوص (الذات والواقع والتخيل الجماعي). أول النصوص في المجموعة القصصية (قلب الحنين) ص 15 وآخرها (ألوان الطريق) ص103. سي حسن كاتب مضيء يشتغل في صمت وبيننا علاقة تمتد سنوات التقينا على الصفحات الثقافية لبعض الجرائد الوطنية وفي لقاءات وندوات هنا وهناك. كلما التقيته أحسست بأني أعرفه منذ زمان طويل، وبحكم انتمائه إلى التربة الندية المشتركة دكالة نشترك في علائق ووشائج كثيرة أتمنى أن تدوم وتستمر. قارئ القصص مثلي يخرج بانطباع أولي أن النصوص لها سرعة الرقص، سرعة التقاط اللحظات الهاربة وكسر الرتابة والمواجهة، فالرقص كما أشرت تمرين على لغة الأشياء وكأني به بهذه اللقطات السريعة يعبرعن تشكيل الذات وانزياحها التام للواقع الاجتماعي، حيث تشرع أبوابها بالدلالات والإيحاءات الفنية والمضامين وبلعب لغوي وبناء بقدر ما يسحر، يتحايل ويشمخ، خصوصا في نص (قلب الحنين) ص22. يقول: «تنتشر بين الأجساد المتهالكة عدوى الصمت والانصياع، يبرز سواد قميصك البالي داخل عراء الواضح المقلوب، تخترق الظلال، يرمقك وجه الناقة، تجحظ عيناه، يصرخ في الجميع مستنكرا: - شكون دخل هاذ البغل وسطكم ؟». ولأن كتابة القصص تحتاج إلى تكامل الجهد المعرفي والعلمي، فالقاص سي حسن برما كاتب يجمع بين تذويت الذات وشعرنتها لتجعلها، كما أشار الباحث عثماني، تعج بالحياة والألم والصراخ والنداءات المبحوحة وتشكيل وتشويه العلاقات الإنسانية الملتبسة. هذه السرعة التي أشرت إليها سابقا يتخللها حوار باللغة العامية ليكون أكثر مصداقية وتأثيرا، وليحافظ على قيم عامة وخاصة: «- شنو بغيت؟ بغيت نخدم في الفرقة. - واش سبق ليك قاري التمثيل؟ - اللا أنا ما قاري تمثيل ولكني مثلث في الدار والحلقة -وفاين كاينة هذه الدار الخربة؟ -كاينه في الحي -تبارك الله ..» ص23 هذه اللقطات السريعة تشبه لسعات وطلقات رصاص بسخرية لا تخلو من متعة، خصوصا استعماله القاموس العامي الذي له أكثر من دلالة وقوة مشحونة بالغضب والتمرد، تجعل الابتسامة لا تفارق وجهك (اطفي البعره البغل) يبدو بهذه الفنية الممتعة أنه كاتب متميز بلعنة القص، التهمة التي لاتفارقه بكونه قاصا. إذن هو قناص ينزف بالاحتراف والاحتراق والانجراف وراء الحكي (ص52). قاص يده قبضة ريح تخدش أكثر ما تمسك وتتلمس، ترى ما لا يرى، تراقب، تدير المكان، تناوش، لا تهادن، يشفع لها الحفاظ على مقومات القص وجواز سفرها سلامة اللغة، قبضها للمنفلت وعصرها بما يمتلكه المخزون والمخيلة من مرجعية تدهش وتضمر أكثر ما تظهر وتلامس الواقع حفاظا على الحكي وما يأتي منه وكأني به يحمل رسالة يوجهها في ظلمة الليل، وهنا نلحظ توازن ما جاء في اللوحة وما تخفيه النصوص من دلالات ..وفي ذلك قراءة أخرى لمتن سي حسن برما الذي يحتاج الى دراسة مستفيضة وانصياع آخر لكتابة أخرى لأنه كاتب يشتغل في الكلمات المضيئة، يشتغل، يضيء ويمتلئ إشراقا وحياة. قاص