أكد مشاركون في ندوة إصلاح العدالة الجنائية التي نظمت أمس الجمعة في طنجة، والتي غاب عنها رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، عمر الخيام، على ضرورة ردم الهوة بين نصوص الدستور المغربي وفصول قانون المسطرة الجنائية، التي أجمعوا على ضرورة إدخال إصلاحات بما يضمن احترام شروط الإنسانية، منتقدين استمرار تحكم الأمن في الحياة العامة. واعتبر رضا أولمين، رئيس جمعية حقوق وعدالة، المنظمة للمائدة المستديرة، أن مجموعة من النصوص أضحت تحتاج إلى تغيير حتمي، وفي مقدمتها تلك المرتبطة بالحراسة النظرية، التي اعتبر أنها أضحت قاعدة بعد أن كان الأصل فيها هو الاستثناء. وأضاف أن المغرب لا زال بعيدا عن المعايير الدولة وشروط دولة الحق والقانون في ما يخص هاته القضية. وقارن أولمين بين قيمة الحرية لدى دول غربية مثل الولاياتالمتحدة، التي تعتبر اللجوء إلى الاعتقال آخر الخيارات المطروحة، وبين المغرب الذي يسمح لقاضي التحقيق بأن يقضي بالزج بشخص لا يدينه أي دليل مادي في السجن، رهن الاعتقال الاحتياطي، أشهرا طويلة، دون أن يكون له الحق حتى في إعادة اعتباره. من جهته، قال مدير منظمة العفو الدولية في المغرب، محمد السكتاوي، إن الدستور الجديد يمكن أن يعتبر «بيانا وطنيا لحقوق الإنسان، ويمكن اعتباره متقدما إلى حد ما»، لكنه استدرك بأن مسلسل احترام الحقوق والحريات عليه أن يشمل إصلاح المنظومة الجنائية والقطع مع مخلفات سنوات الرصاص وفترات قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان. وتساءل السكتاوي عما إذا كان الدستور لوحده إطارا كافيا لضمان الحقوق والحريات، مشيرا إلى أنه، رغم إقراره بسمو المواثيق الدولية، فقد «عاد وأفرغها من مضمونها عندما ربطها باحترام ثوابت الأمة والهوية الوطنية»، وهي عبارات وصفها السكتاوي بأنها «فضفاضة وحمالة أوجه». واعتبر الناشط الحقوقي أن «من العبث عزل إصلاح المسطرة الجنائية عن مسلسل إصلاح مجالات أخرى، داعيا إلى أن يكون ذلك متوازيا مع إصلاح المؤسسات القضائية والأمنية، التي قال عنها إنها «لا تزال متحكمة في الحياة العامة، وهو الأمر الذي اعترف به مسؤولون وازنون، في مقدمتهم رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، الذي أسماها بالتماسيح». وكشف مدير منظمة «أمنيستي» في المغرب عن عدم تفاؤل المهتمين بمجال حقوق الإنسان، الذين لا زالوا يعتبرون أن الإصلاحات تراوح مكانها. وأضاف معلقا «نخشى أن تضيع على المغرب فرصة ذهبية للتغيير في إطار الحراك الذي يشهده العالم. كما ضاعت عليه فرص أخرى سابقا». وعدد الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية بالمحمدية، فريد السموني، مجموعة من النقاط التي تُعقد إصلاح منظومة القضاء، وفي مقدمتها كثرة المتدخلين من القضاة أنفسهم، بين قضاة النيابة العامة ونظرائهم للتحقيق أو الحكم أو التنفيذ، منبها إلى أن هذا النوع الأخير من القضاة مثلا يطرح أسئلة جوهرية على القضاء المغربي، فمنصب قاضي التنفيذ الذي أمضت فرنسا سنوات في دراسته، «حشرته» وزارة العدل في المنظومة القضائية بعدما منحته اختصاصات هزيلة،. بالإضافة إلى ذلك، نبه الأكاديمي المغربي إلى وجود متدخلين في المؤسسة القضائية من خارج القضاء، مثل تدخل العامل في جرائم أمن الدولة الموكولة للشرطة القضائية، ومنح صفة الضابط السامي في الشرطة القضائية للنائب العام أو القاضي، داعيا إلى أن ينحصر عمل الشرطة القضائية في مؤسستي الأمن والدرك. وخلص السموني إلى أن إصلاح العدالة الجنائية يحتاج إلى حوار خاص به، على غرار الحوار الوطني حول إصلاح منظومة القضاء، الذي أبدى تشاؤمه من أن يتمكن من الخروج بخلاصات تحسم إشكالاته المعقدة. من جانبه، أورد المحامي بهيئة الدارالبيضاء، عمر أوزكار، أن مجموعة من نصوص الدستور المغربي الجديد، تمكن من الحق على مستوى نص معين، وتسقطه عبر نص آخر، وهو ما يحدث مع الاتفاقيات الدولية، التي تُربط بشروط «فضفاضة» أو أنها لا تنشر في الجريدة الرسمية، فلا تجد طريقها للتنزيل، حسب كلامه. واعتبر أوزكار أن حل إشكالية ملاءمة النصوص الدستورية تحتاج إلى مرحلة انتقالية قد تطول، بالنظر إلى وجود نصوص كثيرة تتعارض مع المواثيق الدولية، وتتعارض حتى مع الحق في المحاكمة العادلية، منبها إلى وجود قوانين «ذات نزعة استعمارية» لا يزال العمل بها مستمرا إلى الآن، داعيا إلى إشراك المجتمع في صياغة النصوص القانونية «بدل منح الملايير لمؤسسات أجنبية، لتنتج نصوصا لا تتلاءم وثوابت المغرب».