ذكرى استرجاع وادي الذهب .. ملحمة تجسد التلاحم بين العرش والشعب    اصطدام عنيف بطنجة البالية يُسفر عن انقلاب سيارة وإصابة أربعة أشخاص        ريمونتادا قاتلة تتوج باريس سان جرمان بطلاً للسوبر الأوروبي    شبكة دولية وراء محاولة تهريب كوكايين من البرازيل إلى المغرب        المعركة في سماء شفشاون .. الطائرات في سباق مع الزمن!        الحضور السياسي للشباب..    "قطبية" دوغين و"مدينة" أفلاطون    هل يتحقق حلم حكيمي؟!    نتنياهو و"إسرائيل الكبرى" .. استعمار بوجه جديد وخريطة توسعية بلا حدود    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    التحكم في ثلاث من أصل أربع بؤر كبيرة من الحريق الغابوي بجماعة دردارة بشفشاون    أب أبكم وابنه يلقيان حتفهما غرقاً في حوض مائي بنواحي قلعة السراغنة    المحلي ينهي الاستعدادت للقاء زامبيا    باريس سان جرمان يحرز كأس السوبر الأوروبية على حساب توتنهام            منحة سنوية بقيمة 5000 درهم لأساتذة المناطق النائية    سلوك اللاعبين في مباراة كينيا يُكلف الجامعة غرامة من "الكاف    موريتانيا "تفاجئ" بوركينافاسو بالشان    حرب تجارية تشتعل بين الصين والاتحاد الأوروبي    المداخيل الجمركية بالمغرب تتجاوز 54,79 مليار درهم وتواصل صعودها    وفاة مبدع «نجمة أغسطس» و«اللجنة».. صنع االله إبراهيم    "آخر اختيار" يتوج بجائزة أفضل فيلم روائي بالهند    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    الطماطم المغربية تغزو السوق الدنماركية وتسجل نموا قياسيا في الصادرات    واشنطن: الاعتقال بسبب الرأي مستمرفي المغرب.. والزفزافي معتقل تعسفيا.. و67% من القوة العاملة في القطاع غير المهيكل    "مناجم"... رقم المعاملات يبلغ 4،42 مليارات درهم عند متم يونيو 2025    المادة 17 من قانون المسطرة المدنية بين النظام العام والأمن القضائي    المغرب: إشعاع ثقافي متصاعد وتحديات تمثيل صورته في السينما الأجنبية    على بعد مسافة…من حلم    الناشط أسيدون يلازم العناية المركزة    المغرب يسجل 49.2° بالعيون وفوارق حرارة قياسية تصل إلى +17° خلال "الصمايم"    رواج ينعش استعمال "كتابة النساء" في الصين        الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    ذكرى استرجاع وادي الذهب.. المشاريع الملكية تحوّل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي وتنموي متكامل    نائب يميني متطرف يستفز المغرب برفع العلم الإسباني على صخرة محتلة قبالة الحسيمة            تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    إطلاق الصاروخ الأوروبي أريان 6 إلى الفضاء    فرنسا.. توقيف مراقب جوي بعد قوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    تراجع الدولار مع ترقب خفض أسعار الفائدة الأمريكية في شتنبر    دول أوروبية تتوعد النظام الإيراني بإعادة تفعيل آلية العقوبات    تسكت تتألق في أمسية "رابافريكا"        دورة سينسيناتي لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل لثمن النهاية    غزة: صندوق الثروة السيادية النرويجي يسحب استثماراته من 11 شركة إسرائيلية    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوريا و«حزب الله»: الورطة
نشر في المساء يوم 27 - 04 - 2013

طالعَنا الأسبوع بأكوام الجثث، لمقاتلين ولغير مقاتلين، تكدست في «جديدة الفضل»، وهي ضاحية لدمشق سمعنا باسمها بهذه المناسبة، وسننساه مع مرور الزمن، أو لأن مجازر أخرى ستطويه. مَنْ مِن غير أهل الضحايا، أو من الموثِّقين في المراكز المختصة، وربما مِن بعض الباحثين، يتذكر «الأسماء كلها»؟ ناهيك عن تواريخها وأعدادها المرعبة... يبقى الانطباع المرير بأن بشاعة ما يدور في سوريا تتجاوز كل عقل، وبأن «حرام»
الناس الذين قضوا أو تشردوا على الطرقات بعدما خسروا كل شيء. حرامٌ تعاطفية، متخففة تماما من معنى التحريم، أي الإدانة والمنع. فهذه يستتبعها فعل. بينما هنا، فالعجز سيد الموقف.
وكمثال عن العجز والحيرة معاً، يقال رسمياً إن عدد النازحين السوريين إلى لبنان وصل إلى مليون ومئتي ألف إنسان، وأنه يتجه حثيثاً إلى المليونين مع اشتداد المعارك في المناطق المحاذية للحدود. وهذا نصف عدد سكان لبنان! وهنا تقوم مسألة تتجاوز مفاهيم الضيافة وإسعاف الملهوف، وتحتاج لمعالجة فعلية، تُطابق الواقع وتلائمه، وتسمح بتجنب مزيد من انفلات السعار العنصري/الطبقي حيال هؤلاء، فوق مصيبتهم. معالجة دولية جدية لأن الوضع يفوق طاقات لبنان، ولأن ما يتسرب عن «البزنس» المصاحب لملف النازحين السوريين مقيت جداً. علماً أن ما بات معلوماً عن انحراف وفساد منظمات الإغاثة الدولية التي تعاطت مع ملف هايتي مثلاً (حيث وقع زلزال مدمر عام 2010، وتخرج اليوم إلى العلن الفضائح بشأن برامج الإسعاف وإعادة الإعمار التي طُبقت، بينما البلد وأهله ما زالوا يعانون الأمرّين)، يثبت أنها، تلك المنظمات الدولية، لا تقل نهباً عن شبكاتنا المحلية، الرسمية منها والأهلية.
ولكن مأساة النازحين، رغم الهول والفداحة، تبقى مسألة ثانوية. وكذلك هي المجازر! المهم، يقولون لك، ويقول علم السياسة، هو الوقائع الإستراتيجية، مثل ما يجري في ريف القصَير. وهذه منطقة توصف بأنها العقدة، النقطة التي تفصل محافظة حمص عن الحدود اللبنانية من جهة، ببعديها البقاعي والشمالي، والتي ومن جهة ثانية، تتوسط الطريق ما بين دمشق ومنطقة الساحل السوري، حيث الكثافة السكانية العلوية بالدرجة الأولى، والمسيحية ثانياً، وحيث لروسيا نقطة ارتكاز ثمينة، هي ميناء طرطوس، وقد عززتها ووسعتها في السنتين الماضيتين بحكم الضرورات. في ريف القصَير تدور معارك ضارية حول السيطرة، فمن يسيطر يتحكم بكل المزايا المشار إليها. وهذا مفهوم لمن وضع على الطاولة أمامه الخرائط، وراح يتصرف كقائد عسكري ميداني بغض النظر عن أي اعتبار آخر. ستستميت قوات الجيش التابعة للسلطة السورية، بكل ما تملك من إمكانات لوجستية، للسيطرة على القصَير وريفها ومن ورائهما حمص، لأنها تريد الإبقاء على تحكمها بالتواصل بين دمشق ومنطقة الساحل السوري، وتأمين عدم اختناقها وحصارها، ولأنها تريد قطع التواصل المحتمل، بالمقاتلين والسلاح والذخيرة والتنقل إلخ... مع عمق مؤيد للمعارضين يقع عند حدود لبنان الشمالية الشرقية، في جرود عكار، ولأنها تريد تعزيز التواصل المناسب لها مع جزء آخر من لبنان يحاذي تلك المنطقة الأولى، ويقع إلى شرقها، مزيد من الشرق: جرود الهرمل والبقاع الشمالي إجمالاً. هذا كله منطقي، يقع ضمن «الفعل»، بغض النظر عن المواقف والعواطف والاعتبارات الأخرى كلها، أي الكلفتان السياسية والإنسانية.
إلا أن عنصراً إضافياً يبرز في المشهد، يتجاوز اعتبار التواصل مع العمق البشري الميّال للنظام السوري لأسباب طائفية في منطقة البقاع الشمالي، كما هي طائفية أسباب ميل العمق العكاري للمعارضة. إنه التواصل مع «حزب الله». وهذا كان مفهوماً هو الآخر، ولكنه في الأيام الماضية، ومع اشتداد معارك القصير، اكتسى بعداً جديداً، في الفعل والقول معاً. فقد مضت أشهر على مشاركة مجموعات ل«حزب الله» في القتال في سوريا. وكان يقال في تأبين المقاتلين في قراهم البقاعية والجنوبية، منذ بدأ الإعلان عن سقوطهم، إنهم قضوا على الحدود، في نقاط التداخل القائمة فعلاً بين المديين الجغرافيين والبشريين السوري واللبناني. وقيل أحياناً إنهم كانوا يقاتلون دفاعاً عن مقامات دينية شيعية في دمشق وضواحيها، أو عن قرى يسكنها شيعة سوريون. وهذا بالمقابل كان مبرراً فادحاً، لأنه يعني أن «حزب الله» تبنى تصنيفه كتنظيم «شيعي»، بمعنى تعريف المصالح وليس بمعنى التكوين، وبينهما، شئنا أم أبينا فارق.
وأما منذ أيام، وبالتلازم مع إعلانات سورية عن مدى تورط مجموعات عسكرية ل«حزب الله»، قيل إنها من «النخبة»، في معارك القصَير الإستراتيجية، ومع ارتفاع أعداد القتلى منهم الذين يؤبَّنون في قراهم، فقد اختار «حزب الله» اعتماد خطاب «طريف»، يشدد على لبنانيته! فيقول مسؤوله في الجنوب في أحد مهرجانات التأبين، إن مقاتليه يقومون ب«واجبهم الوطني» (حرفياً!)، باعتبارهم يدافعون عن «لبنانيين يقطنون في قرى سورية»، وأنه يجب على كل الأصوات المنتقدة لتورط «حزب الله» في معارك سوريا أن تصمت، وأن تعتبر شهداءه هناك «شهداء لكل الوطن»! أليست جميلة المفاهيم المطواعة؟ كان ينقص هذه الجملة أن تُدْعى «القوات اللبنانية» مثلاً للمشاركة في القتال، خشية المس بشعورها بسبب هذه المزايدة في الوطنية اللبنانية.
ولكن الأسئلة الجدية تبقى قائمة، ومنها الأسباب التي حملت «حزب الله» على مغادرة خطابه الأول الذي كان ينعى فيه مقاتليه بتعيين سقوطهم في «مهمة جهادية» من دون زيادة في الشرح. لعل الناس كلهم كانوا يعرفون معنى ذلك القول، ويترجمونه، ولكنه كان على الأقل متحفظاً إن لم نقل حييّاً. ولهذه المغادرة تبعاتها. ويفترض أنها مفتكَرة وليست عفوية أو عرَضية، عائدة لمزاج ووعي هذا أو ذاك من كوادر حزب الله. تبعاتها في الساحة المحلية اللبنانية، لجهة رفع منسوب التوتر الطائفي الشديد في بلد تعصف به رياح عاتية من كل نوع. وقد بدا مشروعاً تماماً للمجموعات المسلحة «السنية» أن تناصر «أهلها». والدعوات «اللبنانية» في هذا الاتجاه، (وإنما في سوى لبنان أيضاً) لم تتأخر عن الخروج. وهنا أيضا، فلا يهم من كان البادئ، فالأظلم هو من تُفترض به العقلانية والمسؤولية، وامتلاك أفق آخر (هل مقارعة إسرائيل مهمة شيعية؟). كما له تبعاته على صورة «حزب الله» في العالم العربي، حيث باتت تسود قناعة بأن خوضه تلك الحروب ضد إسرائيل، وهزيمته لها، كان من قبيل «التمكين»، ليلعب من ثمَّ دوره في الحرب الطائفية، الشيعية/السنية، الدائرة في المنطقة. وهذا، وإن لم يكن صحيحاً وقتها، إلا أن صحته من عدمها أضحت بلا أهمية اليوم، بناء على هذه المعالم المستجدة من التعاطي مع سياق تطور الموقف العام في المنطقة... لا سيما حين يضاف إلى أقوال «حزب الله» الرسمية تلك ما يَشيع في بيئته الحاضنة، من أنه يخوض معركة أمامية لحماية الشيعة في لبنان من وصول السلفيين السوريين إليهم، القادمين لذبحهم لا محالة: لولاه.
والأفدح هي الصناعة النشطة القائمة على قدم وساق لإضفاء المبررات «الدينية» على معركة سوريا، من أجل تسجيلها كواحدة من العلامات في وجدان الجمهور المنتظِر ظهور المهدي! فماذا بعد ذلك من قول، سوى أن ما يجري يفتح طريقاً عريضاً أمام حرب داحس والغبراء الحديثة. هل الخطاب السني/ التكفيري للشيعة، مقصر لهذه الجهة؟ أبداً! وهما يتغذيان من بعضهما البعض.



نهلة الشهال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.