أكد أبو العرب عبد النبي، أستاذ الاقتصاد بجامعة «مونديابوليس، أن التوتر الاجتماعي بين الحكومة والنقابات مرده إلى الاستغلال السياسوي للعمل النقابي من طرف النقابات، وهو ما جعلها تدخل في صراع »مع الحكومة، مشيرا إلى أن قانون الإضراب من شأنه أن يعقلن بشكل قوي أداة الإضراب، ويجعل منها وسيلة جادة في أفق بناء محيط مهني سليم، تغيب عنه العبثية واللامسؤولية التي طبعت العديد من الإضرابات التي يعرفها المغرب. واعتبر الأستاذ المتخصص في الاقتصاد أن انزلاق بعض النقابات إلى رفض قانون الإضراب لا يمكن إلا أن يضر بمصداقيتها، ويضعف السلم الاجتماعي ويهز الثقة في قدرة النسيج السياسي والاجتماعي الوطني على بناء محيط مستقر للأعمال في بلادنا، مشددا على أن الإضرابات كلفت خزينة الدولة 18 مليارا و470 مليون سنتيم في الفترة الممتدة ما بين 2004 و2011. - كيف تنظرون إلى تعثر الحوار الاجتماعي، ومن في نظركم يتحمل المسؤولية؟ هذا التعثر يجب أن نفهمه في إطار السياق العام الذي يطبع الساحة السياسية الوطنية منذ فترة، والذي يتميز بتعثر محاولات الإصلاح التي تقوم بها الحكومة، تحت ضغط العديد من الجهات داخل الأغلبية وخارجها، لأن بعض الحسابات السياسية تذهب إلى أن نجاح هذه المحاولات سيخدم رصيد حزب العدالة والتنمية، وهي حسابات خاطئة على كل حال، لأن الإصلاح يجب أن يكون لصالح الوطن. فيما يخص المجال النقابي، فإن الحكومة اتخذت قرارا يعد سابقة في المغرب، حين أقدمت على الاقتطاع من أجور المضربين، وهو القرار الذي أثبت فعاليته من خلال تراجع نسبة الإضراب بصفة مهمة، وهذا لا يعني هضم الشغيلة، بقدر ما يهدف إلى الوقوف في وجه التسيب النقابي، والاستغلال السياسوي لقضية الإضراب، علما أن النقابات في المغرب هي أذرع سياسية، وتخدم أجندات سياسية، وبالتالي لم يكن يمكن لها أن تقبل بالحوار مع الحكومة، دفاعا ربما عما تراه آخر قلاعها في مواجهة الحكومة، وعليه فأنا أظن أنه على الحكومة أن تتبنى نوعا من الانفتاح تجاه هذه النقابات، وهو أمر لا يمكن إلا أن يكون في صالح الاقتصاد المغربي وحماية حقوق الشغيلة المغربية. - كيف يمكن أن تؤثر الإضرابات المتوالية للنقابات على الاقتصاد الوطني؟ منذ انطلاق الحكومة الجديدة وهي تواجه العديد من العقبات، الاجتماعية والسياسية، وعلى رأسها الاحتجاجات والإضرابات في قطاعات متعددة، كالعدالة والجماعات المحلية والصحة وغيرها. ولهذه الإضرابات العديد من الخسائر المباشرة وغير المباشرة، المادية وغير المادية. على أنه غالبا ما ننتبه للخسائر الأولى، ونغفل عن الثانية، مع العلم أن هذه الخسائر في بعض الأحيان يكون وقعها أكثر جسامة. وفي إطار الحديث عن آثار هذه الإضرابات، يجب الأخذ بهذه النظرة الشمولية، لكونها الكفيلة بالتقييم الحقيقي لآثارها. وهنا يجب تحليل هذه الآثار في إطار السلسلة الاقتصادية الشاملة التي ينخرط فيها الطرف المضرب. حيث إذا أضرب طرف في السلسلة، تضررت باقي أطرافها، نظرا لتكامل أنشطتها واعتماد بعضها على بعض. وهنا تكون الخسائر قسمين، الأولى هي الخسارة الناتجة عن تفويت فرصة في الربح كان بالإمكان استخلاصها، كعدم تمكن منتج معين من إيصال منتوجه إلى السوق جراء إضراب أرباب النقل، والثانية هي الخسارة التي يجب تحملها جراء الإضراب، وفي نفس المثال الذي قدمناه، فإنها تكمن مثلا في الإتلاف الذي قد يلحق بالمنتوج، أو التكاليف التي يجب تحملها من أجل الحفاظ عليه. وفي إطار تحديد الآثار الاقتصادية للإضراب، رغم صعوبة تقييمها بدقة، فإن الإحصائيات الرسمية تؤكد أن الإضرابات كلفت خزينة الدولة 18 مليارا و470 مليون سنتيم في الفترة الممتدة ما بين 2004 و2011. وقد لوحظ ارتفاع قوي في هذه الخسائر في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بلغت ذروتها في سنة 2010 نحو 6 ملايير و57 مليون سنتيم، متبوعة بفارق طفيف في سنة 2011، والتي وصلت فيها هذه الخسائر إلى 5 ملايير و616 مليون سنتيم. أما في ما يخص الشركات العمومية، فيمكن أن نذكر هنا الإضرابات التي عاشتها شركة الخطوط الملكية المغربية حيث كانت خسارتها تقدر يوميا بخمسة ملايين درهم كنفقات زائدة تحملتها الشركة لأجل احترام التزاماتها مع زبنائها بكراء طائرات بديلة عن طائراتها المضربة عن الطيران. أما فيما يخص الآثار غير المادية، فهي عديدة ولكن أكثر تعقيدا من حيث تقييم طبيعتها وحجمها. إلا أن الأكيد هنا أن الاقتصاد الوطني تضرر من جراء الإضرابات. وخير مثال في هذا الإطار، الإضراب في مصالح الجماعات المحلية، والذي تتوقف إثره كل معاملات البيع والشراء التي تستلزم التوثيق على مستوى الوطن، مما يسبب خسارة كبيرة في إنتاجية البلاد. - ما هي الانعكاسات المحتملة لصدور قانون الإضراب على الاقتصاد الوطني؟ ينطلق مشروع القانون التنظيمي للإضراب من هدف واضح، وهو وضع حد للتسيب الذي تعرفه هذه الظاهرة، ويعتزم إزاء ذلك إعمال عدد من المبادئ المؤطرة لاستعمال هذا الحق الدستوري. ولعل أهم مستندات هذا القانون هي رغبته في الحيلولة دون وقوع الإضراب، من خلال إلزام المضربين بإخطار المشغل 10 أيام قبل بدء الإضراب، تمتد بين تاريخ الإنذار بالإضراب وتاريخ تفعيله، كما تنص عليه المادة 18 من مشروع القانون التنظيمي. هذه المهلة تعطي للمشغل الفرصة للدخول في مفاوضات تمكن من خلالها الحيلولة دون تفعيل الإضراب، كما تمنع الإضرابات المباغتة، والتي تضع المشغل أمام الأمر الواقع، وتمنعه من اتخاذ التدابير اللازمة لتدبير تبعات الإضراب. وفي هذا الإطار يؤكد الفصل ال 9 على أنه لا يمكن لأي منظمة اللجوء إلى الإضراب إلا بعد فشل المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة. كما يؤكد هذا القانون التنظيمي على الحق في العمل مقابل الحق في الإضراب، حيث تنص المادة 12 على أن حرية العمل تبقى مضمونة أثناء ممارسة الإضراب للأجراء الذين لا يشاركون في الإضراب. كما تؤكد المادة 23 على منع احتلال أماكن العمل خلال مدة الإضراب إذا كان من شأنه أن يمس بحرية العمل أو يؤدي إلى أعمال العنف أو إلى إتلاف أو تدمير الآلات أو الأدوات أو المعدات. كما ينص مشروع هذا القانون التنظيمي على أن عقد العمل قد ينتهي إذا ثبتت عرقلة حرية العمل أثناء الإضراب وتمت معاينتها من طرف مفوض قضائي، وينص أيضا على ضرورة ضمان حد أدنى من الخدمات في القطاعات الحيوية والمرافق العمومية كما تنص المواد 41 و42. ومن شأن كل هذه التدابير أن تؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني، حيث ستعقلن بشكل قوي أداة الإضراب، وستجعل منه أداة جادة في أفق بناء محيط مهني سليم، تغيب عنه العبثية واللامسؤولية، التي طبعت العديد من الإضرابات التي يعرفها المغرب. ومن شأنها كذلك أن تؤسس لثقافة عمالية ومهنية جديدة، مبنية على الحوار المؤسس مع النقابات التي خول لها مشروع القانون الحق في إعلان الإضراب، مما سيمكن المغرب من بناء نموذج جديد من السلم الاجتماعي، سيكون له الأثر الإيجابي في اعتبارات المستثمرين الأجانب إزاء مناخ الأعمال في بلادنا. - في حال ما إذا رفضت النقابات هذا القانون، هل من المحتمل أن يؤثر ذلك على النمو الاقتصادي؟ رفض النقابات لهذا القانون لا بد أن يتناول من حيث مستوياته إذا كان رفضها يتعلق ببعض البنود، فإن المفاوضات ستمكن لا محال من إيجاد صيغة تمكن من إيجاد حل وسط، حيث لا يتعلق الأمر إلى حد الآن إلا بمشروع قانون، مفتوح للمناقشة والتداول. أما إذا كان رفضها يتجاوز البنود إلى رفض مبدئي للقانون التنظيمي من أساسه، كما لوحت بعض المركزيات النقابية، فإن مثل هذه المواقف لا يمكن إلا أن تكون لها تبعات سلبية. فماذا يعني الرفض الكلي لمبدأ تقنين الإضراب؟ هل يعني ذلك الرغبة في استمرار التسيب في مزاولة هذا الحق بشكل يفقده كل مصداقية ؟ إن انزلاق النقابات إلى مثل هذه المواقف لا يمكن إلا أن يضر بمصداقيتها، ويضعف السلم الاجتماعي ويهز الثقة في قدرة النسيج السياسي والاجتماعي الوطني على بناء محيط مستقر للأعمال في بلادنا. وهو بطبيعة الحال ما سيضر حتما بالاقتصاد الوطني من حيث التوتر الذي سيخلقه بين المشغلين والعمال وسيخلق جوا من عدم الثقة في مناخ الأعمال ببلادنا، نحن في غنى عنه في هذه الظروف الوطنية والدولية الهشة سياسيا واقتصاديا.