يُظهر تحليل أسماء الأعلام اليهودية في المغرب تنوعا ملحوظا في اللغات، حسب تواترها وتردّدها، باللهجات العربية والأمازيغية واللهجات الإسبانية والعبرية و الآرامية وكذلك الإغريقية واللاتينية والفينيقية.. في تفاعُل مع مختلف التركيبات والتعديلات التي لحقت تلك الأسماء عبر التاريخ. كما تبرز شجرة الأنساب عند اليهود المغاربة تنوع أصولهم، وتساعد في تتبع مراحل استقرارهم، مبينة تاريخهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية والدينية، ومنها تعرَّف الإخباريون على تفاعلاتهم مع الشعوب التي عمّرت شمال إفريقيا بدءا بالفينيقيين، أو عندما احتلّ الرومان أرضهم، وكذا بمناسبة «الفتح الإسلامي»، الذي طبع حياتهم وثقافتهم ولغتهم بعمق، حين عَرف العالم المتوسّطي برمّته، وطوال سبعة قرون، وحدة حضارية ولغوية، سهّلت التواصل بين الشرق والغرب، وأخصبت مجال تبادُل الأفكار والتجارب الإنسانية. وقد تأثرت الأسماء اليهودية، أيضا، بالغنى الناشئ عن التركيبة العِرقية والحيّز الجغرافي والسياسي الذي عاشوا في كنفه بين الغرب الإسلامي، مشمولا بمنطقة الأندلس، والشرق وفي باقي القارة الأوربية. وبمطالعتنا لأسماءَ العائلات المغربية ذات الأصل العبري، نكتشف ارتباطها الوثيق بجملة الوظائف العامة والفنون والحِرَف وسائر المِهَن التي احترفوها طيلة قرون، مثل أسماء «الدهان» و»الصباغ» و»الدّلاك».. كما يفيدنا سجل الأسماء هذه بالوقوف عند بعض الطرائف والفضائل التي كانت تتحلى بها بعض العائلات، بذكر العلامات الجسمية الخاصة وكذلك العاهات، كما تذكر بالرّفعة والغنى والقوة والمنعة، أو الظواهر الطبيعية مثل السّماء أو الضوء، أو الحيوان أو النبات أو الملابس والحليّ والأحجار الكريمة.. وغالبا ما يكون الاسم مسبوقا بلفظة الانتساب بالعبرية أو بالعربية بن/ ابن. أو ما يقابلها بالأمازيغية «أو» و«وَ». والآرامية «بر» وكلها تعني ابن، مثل: أوحيون «أوهيون» بن حيون «بنايون» أوسعدن «أوسعدون». بن سعدون «بن سدون» أو يوسف «بن يوسف/ بريوسف.» ويَحدُث أن يُستعملَ لفظ النسب بلغتين مختلفتين في الاسم الواحد، مثل: أبراهام بن دفيد أو يوسف، أو حييم بريعقوب بن حيون، كما يكون الاسم مسبوقا بأداة التعظيم الآرامية، مثل: مَر يوسف «مُريوسف» أو مر علي «مُرلي ومُوريلي» وغيرها. وحتى حينما دخلت العديد من العائلات اليهودية إلى الإسلام، سواء قهرا أو طواعية، ظلت تحتفظ بألقابها العائلية، مع بعض الاستثناءات في ما يخصّ الألقاب الدينية، خاصة لقب «الكوهن» أو «لوي»، إذ إنّ من المعروف أنّ ألقاب الصقلي أو البطان أو كسوس، مثلا، هي تشعّبات لآل كوهن.. وقد يحدث أن يُرفَق لقب كوهن بألقاب أخرى، زيادة في تعريف حامله، وهكذا نجد لقب كوهن الصّقلي وكوهن صُلال وكوهن خلاص وغيرها.. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على لقب «لوي»، فنجذ مثلا لقب لوي سوسان أو لفي بن يولي.. ومردّ ذلك إلى أنّ آل الكوهن، وهم نسل الحبر الأكبر هارون وسدنة الهيكل الأول، أرادوا أن يحافظوا على نقاء طبقتهم وألا يُدنّسوها بالزواج مع غيرهم، وإذا حدث وخرقت هذه القواعد فإنّ على الكوهن أن يتنازل عن لقبه «الشّريف» ويَحمِل لقبا آخر. (حاييم الزّعفراني -يهود الأندلس والمغرب- جزء 2).. ومع توالي الدول المتعاقبة على حكم المغرب، ودخول عائلات يهودية كثيرة في الإسلام، حدث تلاقح بين اليهود والمسلمين، سواء في العادات أو في طقوس الاحتفالات أو نظم الحياة اليومية بشكل عامّ، حتى صار من الصّعب اليوم الفصلُ في أصول هذه العائلات، هل هي يهودية الأصل؟ أم هي مسلمة؟ ويساهم في صعوبة ذلك غيابُ معاييرَ موضوعية وعلمية تمكننا من الحسم في هذه المسألة، بعيدا عن الإثارة المجانية التي تسعى إلى حصر النقاش في زاوية ضيقة، فاليوم صارت لدينا عائلات مسلمة في عدد من مناطق المملكة تحمل ألقابا يهودية، مثل بنحيون أو بودرهم أو الدرعي أو كَسوس أو الغريسي أو العطار أو الكروجي أو مشيش.. مثلما نجد عائلات أخرى بالألقابِ نفسِها لكنها احتفظت بديانتها الأصلية اليهودية.. في المقال التالي الذي اعتمدنا فيه على عدد من المؤلفات، ومن ضمنها كتاب عن أسماء العائلات المغربية لصاحبته منى هاشم، نقدّم بعض أهمّ الأسماء العائلية المُشترَكة بين اليهود والمسلمين في المغرب وأهمّ الشخصيات، التي اشتهرت عبر التاريخ ضمن هذه العائلات..