نوفل العواملة في كل موسم رياضي يعود الحديث من جديد عن آفة الشغب التي تنخر الجسد الكروي وتسكن فيه، رافضة الرحيل لتعكس صورة قاتمة عن مشهد رياضي وطني يفتخر بالمدرجات بعد أن غابت شمس الإنجازات . هذا الموسم، كسابقه، ما إن بدأ حتى توالت الأحداث اللارياضية في المدرجات تارة وفي أرضية الميدان تارة أخرى، لتأخذ بعد ذلك رقعة جغرافية أوسع حيث وصلت للطرقات وتتابع المسير بلا رادع يقف في وجهها . ارتبط الشغب في الآونة الأخيرة بجمهور الجيش الملكي الذي ساهم جزء يسير من أبنائه في تكريس صورة نمطية تسيء لسمعة ناد عريق له تاريخ ٌ مرصع ٌ بالألقاب ساهم في صنعه أوفياء جعلوا من المدرجات مصدرا للإبداع ومرجعية في الحب اللا مشروط لفريق سكن القلب والعقل، واليوم فئة تعيش في اللاوعي تريد أن تمحوا هذا التاريخ لتأخذنا لما لا يحمد عقباه . ما ينطبق على جماهير الجيش ينطبق على جماهير أخرى عاثت في الأرض فسادا في رقع جغرافية مختلفة وتسببت بزرع الرعب في النفوس، فالشغب في بلادنا لم ولن يقتصر على جماهير فريق بعينه، ومن يدعي ذلك فذاكرته لا تتقن التخزين فما هي الأسباب وهل ساهمت الإلتراس في ذلك؟ في بداية القرن الحادي والعشرين انتشرت ظاهرة الإلتراس التي تكرس وقتها ومالها من أجل ناد ارتبطت معه بحب أبدي تظهر مظاهره جليةً في المدرجات والشوارع والمنازل، ليشكل جزءا من الحياة اليومية، هذه الجمعيات إن صح الوصف أبدعت وتفننت وشكلت الاستثناء في وطن عربي لم يتقن التقليد فالإلتراس في المغرب المبتدأ ومن حاول محاكاتها في منطقتنا خبر ٌ لا زال يبحث عن شكل يناسب بيئته . كل هذا المدح والثناء يصطدم اليوم بواقع لا يخلو من الشوائب، فالعنف لا يقتصر على الضرب والجرح والاعتداء الجسدي بل حتى العنف اللفظي والتنابز بالألقاب بين هذا الفصيل أو ذاك من خلال شعارات وأهازيج ترددها عناصر فاعلة في الإلتراس أو عبر ما يسمى (التيفو) لا يقل خطورة عن صور الدماء والأجساد التي ترقد تحت التراب بسبب الشغب ، ووسط هذا الوضع يتساءل المرء هل نحن أمام أزمة قيم يعيشها المجتمع المغربي؟ في الإجابة على هذا السؤال عودة للمجتمع ولأي بيئة تنتمي جماهير كرة القدم، فالأغلبية الساحقة من الجماهير تنتمي لطبقات فقيرة أو متوسطة، والفقر بالتأكيد ليس عيبا ولكنه يرتبط في دول العالم الثالث بالبطالة والجهل والأمية، وهنا نصل إلى استنتاج يجعل من المشاغب نتاجا لمجتمع حرمه من حقوق أساسية بها تضمن الكرامة الإنسانية، فيصبح بذلك المجتمع المسؤول الأول عن كل الظواهر الشاذة فكرة القدم أو أفيون الشعوب كما توصف كانت وما زالت متنفسا لإفراغ طاقة قد تكون إيجابية أو سلبية، ومكبوتات لا يقوى الفرد على تفريغها إلا إذا انصهر في الجماعة والتي يجدها في مكان واحد هو الملعب ومن يوحد هاته الجماعة هي الإلتراس . اليوم ندق ناقوس الخطر وندعو الجهات المسؤولة كل من مكانه إلى رسم إستراتيجية واضحة المعالم تبحث عن حلول عاجلة للقضاء على هذا الفيروس الخطير، فظاهرة العنف والعنف المضاد ستدخلنا في دوامة تقود إلى اللا أمن في بلد حفظه الله من زلازل أكبر فكما نجحنا كمجتمع في تجاوز أزمات أصعب بعيدا عن عالم الكرة، علينا أن نخرج من هذا النفق المظلم والحل بالتأكيد ليس بعقوبات حبسية في حق ثلة من المراهقين أو بعقوبات من الجامعة بحرمان فريق من المشجعين بل باعتراف صريح بأزمة القيم التي تحتاج لإصلاح المجتمع أولا ومعه يصلح حال الجماهير فهم جزء من كل ونتاج خالص لهذا المجتمع .