إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته. هناك معادن يجب أن تتوفر في الجسم بكمية كبيرة قد تتعدى المائة ملغرام، ومن هذه المعادن المغنيزيوم والكلسيوم والفوسفور والصوديوم الغذائي والبوتسيوم والكلورايد؛ ويجب أن يتم تزويد الجسم يوميا بهذه العناصر التي يجب أن تكون على شكل غذائي وليس كيماوي. ونتكلم هنا عن جملةِ المعادن التي يحتاجها الجسم بكمية كبيرة، لأن النقص قد لا يهم معدنا واحدا وإنما أكثر، واللجوء إلى سدِّ العوز الحاصل في الجسم منها عبر تناول أقراص المغنيزيوم قد لا يفيد في شيء إذا لم يكن مصاحبا بالعناصر الأخرى، وفي توازن معها من حيث الكمية والوظيفة. ويعمل المغنيزيوم على إراحة الجهاز العصبي والعضلات، وبناء وتقوية العظام والأسنان Bones build up؛ ومن مهامه كذلك أن يبقي السوائل الدائرة في الجسم جيدة ومضبوطة Fluid circulation، وكل هذه الوظائف تعزى إلى بعض الأنزيمات التي يحفزها المغنيزيوم الذي يعتبر عاملا منشطا Cofactorلكثير من الأنزيمات. ويؤدي النقص في المغنيزيوم إلى حصول ضعف في العضلات وتشنج مع الرجفة، لكن يبقى الاختلال في ضربات القلب وظهور انقباض غير مركز للعضلات من الأعراض التي تبين أهمية هذا المعدن؛ وتترتب عن نقص مادة المغنيزيوم في الجسم، كذلك، ليونة العظام وضعفها، لأن المغنيزيوم يدخل في تركيبة العظام مع الكلسيوم والحديد، وربما لا يعلم الناس بأن النقص الحاد في المغنيزيوم له علاقة، كذلك، بعدم التوازن في تركيز السكر بالدم، وبعض الأعراض الأخرى الطفيفة مثل ألم الرأس وارتفاع الضغط. ويوجد المغنيزيوم في النبات كله لأنه العنصر الأساسي الذي بدونه لا يعيش النبات؛ ويوجد كذلك في الأسماك. لكن، هناك اختلاف في مستويات وجوده في الأغذية، إذ يحتوي بعضها على نسبة مرتفعة منه مثل حبوب نوار الشمس والرز البني والقطاني، مثل الفول والصويا، واللوز الطبيعي المحلي، والدخن (إيلان) والشوفان (الخرطال) والسمك وبذور القرعيات وحبوب الكتان والسلق والخبيزة والشعير (لكن أوراق الشعير الأخضر تكون أغنى من حبوب الشعير) والسكوم والجوز والزبيب والتفاح والتين والليمون والخوخ. وكما أكدنا على ذلك، يوجد المغنيزيوم في جميع ما خلق الله، ولا يأتي النقص من الأغذية بل من عدم الامتصاص. وتعزى أسباب نقص المغنيزيوم في الجسم إلى النظام الغذائي الحديث الذي أصبح فقيرا من حيث المكونات الطبيعية النباتية. ويوجد المغنيزيوم في الطبيعة بكمية كافية جدا. ويعتبر النظام الغذائي الذي يرتكز على الوجبات السريعة من الأنظمة الغذائية التي تؤدي إلى نقص خطير في المغنيزيوم، وكثير من المغذيات الأخرى، لأنه لا يوفر تنويعا على مستوى المنتوجات النباتية والحيوانية، ولا يشتمل على الحشائش والحبوب مثل حبوب الكتان والسمسم، ولا يشتمل على القطاني أو البقول، كما لا يشتمل على الخبز الكامل بكمية كافية. ورغم أننا حددنا لائحة بالأغذية التي تحتوي على كمية مرتفعة من المغنيزيوم، فهذا العنصر يوجد في كل النبات، وعلى الذين يشتكون من نقص فيه أن يتناولوا المواد الغذائية النباتية والسمك، وأن يمتنعوا عن تناول المواد الصناعية والطبخ السريع والوجبات المطهوة في أواني الأليمنيوم والتيفلون. لا يعتبر تناول المكملات الغذائية ضروريا إذا كان الشخص يتغذى بطريقة سليمة وطبيعية، لأن تناول بعض العناصر الغذائية ربما يتسبب في عدم توازن العناصر الأخرى. وهناك عوامل خارجية وداخلية تجعل المغنيزيوم ينخفض في الجسم، ومنها العوامل الغذائية كالاعتماد في التغذية على الوجبات السريعة التي لا تحتوي على مكونات غنية، من جهة، والتي ربما يتناولها الناس بطريقة مترددة في الأسبوع، وقد تشمل هذه الوجبات مواد صناعية مصبرة أو معلبة وجاهزة للاستهلاك، وكل هذه الأغذية تحتوي على مضافات غذائية، وهي مركبات تكبح الامتصاص وتحبس مرور الأملاح المعدنية الثنائية مثل المغنيزيوم والمنغنيز والحديد والكلسيوم. وكل هذه الأسباب لا تبرر دائما نقص المغنيزيوم لدى كثير من الناس، ونحن نتهم بالدرجة الأولى سوء أو عدم الامتصاص بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون على نمط غذائي حديث تطبعه المواد الجاهزة والوجبات السريعة، وهذا النمط تحضر فيه اللحوم بنسبة عالية ومنتوجات الحليب والحلويات والمشروبات الغازية والمنتوجات المصنعة، ويكون الطبخ من النوع السريع مثل القلي والضغط. ونلاحظ أن الذين يتناولون المواد الغذائية والمشروبات المحتوية على مضافات غذائية، كالملونات والمحليات والمنكهات والمحمضات والمحفظات، يكون لديهم نقص في المغنيزيوم، لأن هذه المركبات تكبح امتصاص المغنيزيوم، وربما عدم تحريره أثناء الهضم. ويعتبر تناول الدقيق الأبيض، والمحليات أو السكريات الصناعية، والخبز المخمر بالخميرة الصناعية، وكذلك المواد الغذائية المحتوية على الميلانويدات كالحلويات، والمواد المقلية في الزيت، من الأسباب الرئيسية لعوز الأملاح المهمة كلها، وهي الكلسيوم والمغنيزيوم والزنك والحديد. وتعتبر الكحول كذلك من المواد التي تخفض من نسبة المغنيزيوم في الجسم. وهناك أسباب أخرى ربما تؤدي إلى حالات حرجة من حيث نقص الأملاح مثل المغنيزيوم، ومن هذه الأسباب كذلك العقاقير التي تدر البول، والتي تستعمل لخفض الضغط أو لتفادي تجمع بعض السوائل في بعض الأعضاء، وهي على أنواع، ومنها مشتقات أو مركبات التيازيد مثل الديوريل Diurilأو الأنديورون Enduron، وكذلك الفيوروسيميد Furosemide. وبما أن هذه المركبات تحدث نشاطا زائدا على مستوى التوازن في السوائل في الوسط الداخلي، وتجعل أكبر كمية من الماء تغادر الجسم، فترمى معها الأملاح، فهي تجعل تركيز المغنيزيوم والكلسيوم يختل. وتضاف إلى هذه العقاقير كل المضادات الحيوية Antibioticsمن عائلة النيوميسين Neomycinوالتيتراسكلين Tetracycline والسولفامتوكسازول SulfamethoxasoleوالسولفوناميدSulfonamide ، وكذلك العقاقير التي تستعمل لتخفيف الدم أو عدم تجلطه، ومنها الورفارين Warfarine والكورتيكوسترويد وحبوب منع الحمل، والمركبات التي تخفض من المناعة مثل السايكلوسبورين. ونشير إلى أن هذه المركبات قد تسبب ارتفاعا في الضغط الدموي. وعلى النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل أن يراقبن ارتفاع الضغط لما يبدأن في تناولها، ليرين ما إن كان هناك تغيير أم لا، ثم يبقين هذه المراقبة سارية لمدة سنة، ويجب عليهن كذلك تفقد الوزن بعد ثلاثة أشهر ليرين ما إذا كانت هناك زيادة غير عادية أم لا، وتكون تحاليل مراقبة الكوليستيرول في الدم كل ثلاثة أشهر لكشف ما إن كان هناك ارتفاع أم لا، وفي حالة ما إذا كان هناك تغيير على مستوى هذه المؤشرات فإنه يجب على المرأة أن تقلع عن تناول حبوب منع الحمل. د. محمد فائد