ما يزال في بداية عقده الثالث، لكنه رأى خلال هذا العمر القصير ما لم يره كهل أو عجوز. عاش جمال الدبوز بؤس الطفولة، وسلطة الأب وقتامة المستقبل وقسوة الطوارئ، لكنه عاش أيضا حنان الأم، وإيمانها به وتشبث بالأمل، الذي أنقذه، خلافا للكثير من أقرانه أبناء الأصول المهاجرة، من الضياع وغياهب السجون. استطاع جمال أن يتسلق أدراج المجد رغم كل الصعوبات ورغم العاهة إلى أن أصبح واحدا من أشهر الفكاهيين الموهوبين. هذه مقتطفات من حياة غير عادية لشخص غير عادي. جمال الدبوز يعرف جيدا معنى أن يكون الإنسان فقيرا أو بئيسا أو معاقا؛ لذلك لم يكن ليبخل على المحتاجين بالمساعدة متى أمكنه ذلك، خاصة الأطفال الفقراء في المغرب. خاصية الاقتسام ومشاركة الآخرين محنتهم تعلمها في البيت على يد أمه، التي يقول عنها جمال: «التضامن يجري في دمها؛ لم تكن تكتفي بتحضير الطعام لشخصين، بل دائما تحضر ما يكفي ويزيد. مساعدة الآخرين خاصية فطرية فيها.». أما الإيثار، فقد عرفه في العمل الجمعوي. «لو لم يمد لك أحد يد المساعدة في لحظة ما، من الصعب أن تكمل الطريق وحدك. تعلمت هذا، يقول جمال، من العمل الجمعوي. لا يمكن النجاح في الحياة بالانعزال... الآن، في مستطاعي مساعدة الآخرين، أريد أن أقوم بذلك متى أمكن.» رغم ذلك، كان من سوء حظه أن قادته خطواته الأولى في العمل الخيري نحو النفق المسدود. فمنذ سنة 1999 عهد لوكيلة أعماله نادية مورين، بدون تردد، بإدارة الأموال التي خصصها لمساعدة الأطفال الأيتام بالمغرب؛ لكنه فوجئ بأن أمواله ذهبت سدى دون أي أثر للأعمال الخيرية على أرض الواقع بينما كان هو منشغلا بالعمل واللقاءات المهنية بمسرح محمد الخامس بالرباط. أين الأموال، إذن؟ لماذا تختفي بمجرد أن يكون الهدف من صرفها هو الأعمال الخيرية؟. كان طبيعيا أن توجه الشكوك إلى نادية مورين، التي كانت تتحكم في الميزانية. لكن جمال انكب، شخصيا، على مراجعة حساباته البنكية ليكتشف أن مئات الآلاف من الفرنكات تبخرت خاصة من حساباته في بنك «القرض الصناعي والتجاري»، فتحدث في الأمر مع وكيلة أعماله وأخبرها بنيته في متابعة البنك أمام القضاء بتهمة إجراء اقتطاعات من حسابه دون إذن. لكن الحقيقة هي أن وكيلته هاته، نادية مورين، هي التي قامت بهذه العمليات وبررت ذلك بأنها تمت بإذن من صاحبها. رغم ذكائها الكبير في عالم المال والأعمال، لم تفطن نادية بورين إلى الخطر القادم. فقد ضيق عليها هذا الوسط المجال لأنها معروفة بصرامتها في التفاوض، واتفق الجميع على إبعادها عنهم قبل أن تدرك أنه لم يعد لها من خيار آخر غير الانفصال عن الدبوز دون أن تتقاضى عمولتها عن تفاوضها لمصلحة جمال في سلسلة «H»، ولا في فيلم Astérix. وقوبل قرار انصرافها بارتياح كبير في الوسط الفني والأعمال، قبل أن يقرر جمال الدبوز مقاضاتها هي وأختها في شهر مارس 2001. منذ أن وصلته انتقادات أبناء بلده الأصلي في ورزازات، ظل جمال يؤمن بأن له التزاما أخلاقيا وماليا تجاه الأطفال الفقراء في المغرب. وسرعان ما أتيحت له الفرصة للبرهنة على حسن نيته في الدارالبيضاء خلال أمسية فنية نظمت من قبل غرفة التجارة البريطانية أحياها هو وكاد المالح. وقبل الموعد ببضع ساعات، زار جمال مقر جمعية «ساعة فرح» الخيرية ليصدم بمشهد خمس أمهات يحضن أطفالهن المرضى، الذين لا تتجاوز أوزانهم بالكاد كيلوغرام واحد. رئيسة الجمعية، ليلى الشريف، كانت شاهدة على هذا المنظر الذي صدم له: «اندهش جمال كثيرا، فتمنى لو كان في إمكانه أن يقدم المساعدة في الحال لهم، قبل أن يقول: «سأحجز طائرة خاصة في الحال لنقل هؤلاء الأطفال إلى باريس للعلاج.» إلا أنني أجبته بأنه لا يمكن نقلهم إلى فرنسا لأنه لدينا في المغرب الوسائل والإمكانات الضرورية لإجراء عمليات لهم وأن جمعيتنا تتكلف بنفقات العملية الجراحية بتعاون مع المستشفيات العمومية بالدارالبيضاء.» وفي مساء نفس اليوم، حكى جمال بفندق حياة رجنسي، حيث كانت كل مائدة محجوزة بمبلغ 300 أورو للشخص، ما رأته عيناه في مقر جمعية «ساعة الفرح»، قبل أن يبدأ تقديم عرضه الفكاهي، الذي اختتم بحفل للبيع بالمزاد العلني استطاع أن يجمع ما لا يقل عن 100 ألف أورو. يبقى جمال الدبوز استثنائيا في كرمه وسخائه تجاه المحتاجين، وهو في ذلك يختلف عن الكثير من الذين لا يتعدى مستوى السخاء عندهم عتبة الزيارات للجمعيات المعنية بالعمل الخيري. تقول ليلى الشريف في هذا الباب: «لقد استقبلنا العديد من الشخصيات المعروفة (محمد علي، جاك أتالي، صوفي مارسو، اسماعين، جون بول بيلموندو، إلخ)، لكن لا أحد منهم انخرط في العمل الخيري بنفس الحرارة التي أبداها جمال. باستثناء كاد المالح، الذي ولد في الدارالبيضاء، والذي يقدم الكثير للمغرب، جل الشخصيات المشهورة تأتي إلى هنا في زيارة سريعة، ثم تنصرف. لا بل إنني أضطر، في بعض الأحيان، إلى رفض بعض الشخصيات الملحاحة في طلباتها. فقد اتصلت بي ذات يوم مليتا توسكان دو بلانتيي، زوجة المنتج السينمائي، واقترحت علي أن أستقدم ناتالي باي وإمانويل بيار؛ لكن كان علي أن أتكفل ببطاقة سفرهما ووضع سيارة ليموزين رهن إشارتهما. فألغيت الفكرة وفسرت ذلك بكوننا لا نملك الميزانية الكافية. وعندما اقترحت علي مخاطبتي أنها ستحاول الاتصال بالقصر للحصول على الامتيازات المذكورة، تملكني الغضب...». الوضع الاجتماعي في المغرب يقلق جمال إلى حد بعيد، خاصة الوضع الذي يعاني منه الشباب. شبابٌ كان من الممكن أن يكون جزءا منه، ففضل الاعتناء، خاصة، بأطفال بلده الأصل: «قضية الأطفال بالنسبة لي أساسية. وفضلا عن أنني أحب الأطفال، أجد أن الأطفال المغاربة متروكون لمصيرهم على المستوى الدراسي كما على المستوى الصحي. مستقبل البلاد يتجلى في انفتاح أبنائه على الخارج. لدينا عباقرة في المغرب قادرون على قرصنة أكبر الأنظمة المعلوماتية في العالم... لماذا لا تستغل هذه الطاقة. أعتقد أن الأطفال المغاربة من أكثر الأطفال خصوبة وعطاء، لكنهم لا يجدون التقدير الذي يستحقونه».