تصفيات إفريقيا لمونديال 2026: المغرب يهزم الكونغو ويحقق رقماً قياسياً عالمياً ب16 انتصاراً متتالياً    محكمة الاستئناف بأكادير تصدر أحكاماً قاسية تصل إلى 15 سنة في قضايا مرتبطة باحتجاجات "جيل زد"    حمد الله يقود منتخب الرديف لانتصار ودي على الكويت بدبي    وليد الركراكي يكشف تشكيلة "الأسود" أمام الكونغو    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمغرب    العرائش.. وفاة شاب وإصابة آخر بجروح خطيرة في حادثة انزلاق دراجة نارية بطريق الشاطئ بسبب ندا الليل وضعف الإنارة    اتحاد الجمعيات الثقافية والفنية بالصحراء تثمن مضامين الخطاب الملكي بالبرلمان    "ساعة مع مبدع" في ضيافة الشاعر "محمد اللغافي    ماستر كلاس المخرج محمد الشريف الطريبق في مهرجان ليالي السينما    المنصوري: أزيد من 36 ألف شاب دون الأربعين استفادوا من برنامج دعم السكن    نزار بركة: 60% من المغاربة سيشربون من مياه البحر وسنتمكن من إيصال الماء إلى مراكش    أكادير.. تفكيك شبكة تنشط في تنظيم الهجرة غير الشرعية عبر المسالك البحرية    تراجع مقلق في مخزون السدود بالمغرب إلى 32% بسبب الجفاف والتبخر    "الداخلية" تحيل ملف مزاعم رشوة عامل آسفي السابق على النيابة العامة    أخنوش يجري مباحثات مغربية صينية    32 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمدن    النباوي يلتقي رئيس النزاهة العراقية    في نيويورك... أغلبية ساحقة تدعم مغربية الصحراء: الحكم الذاتي يترسخ كخيار واقعي ووحيد لإنهاء النزاع    بورصة الدار البيضاء تغلق على تراجع    الرباط تحتضن نقاشا إفريقيا حول "حق التتبع" للفنانين التشكيليين والبصريين    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    الأمم المتحدة تقدر تكلفة إعادة إعمار غزة ب 70 مليار دولار    البطولة الاحترافية 2: المغرب التطواني يسجل فوزه الأول خارج الديار وبني ملال يتذيل الترتيب بنقطة واحدة    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    شعلة الحي المحمدي تطلق «حوارات شبابية» مع الدكتور كمال هشومي    منير محقق يصدر «تحليل بنيات الحكاية الشعبية المغربية»    رسميا.. تحديد موعد الديربي البيضاوي بين الرجاء والوداد    محاربة الهدر المدرسي هو المدخل لمحاربة ظاهرة الشباب غير المندمجين في التعليم أو العمل (برادة)    "جيتكس غلوبال 2025" .. الذكاء الاصطناعي يحدد خريطة إنتاجية جديدة    "أسعار الاستهلاك" ترتفع في المملكة    منتخب "الأشبال" يواجه فرنسا بطموح بلوغ النهائي والاقتراب من اللقب التاريخي    إندونيسيا تستبعد رياضيين إسرائيليين    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الموسيقى والأغنية والفنون الاستعراضية والكوريغرافية    دعوات نقابية لاحترام حق الشباب في الاحتجاج وتحذير من تهديد الاحتقان المتنامي للسلم الاجتماعي    سانشيز: المسؤولون عن "الإبادة الجماعية" في غزة يجب أن يحاسبوا قضائيا    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    شرطة فاس تستخدم سلاحها الوظيفي لإيقاف جانحين بعد تعرض عناصرها لهجوم بسكاكين    المغرب يتجه لدخول نادي منتجي اليورانيوم في العالم    قادة أربع دول يوقعون وثيقة شاملة بشأن اتفاق إنهاء الحرب في غزة    مهرجان بن جرير يكرم رشيد الوالي ويحتفي بذكرى محمد الشوبي    إسبانيا ‬تتموقع ‬إلى ‬جانب ‬المغرب.. ‬نحو ‬شراكة ‬بحرية ‬جديدة ‬تعيد ‬رسم ‬موازين ‬المتوسط    "فيفا" يكشف التميمة الرسمية لمونديال السيدات لأقل من 17 سنة    الشرقاوي: "جيل زيد" حرّكت المشهد السياسي لكنها تعاني من التضخم الرقمي وغياب القيادة    البلاوي يبرز جهود النيابة العامة في حماية النساء خلال المنتدى الإفريقي لتمكين المرأة    قصف يقتل 3 فلسطينيين شرق غزة    الذهب يلامس ذروة قياسية جديدة وسط إقبال على الملاذ الآمن    الحكومة الفرنسية الجديدة الهشة تعرض مشروع الميزانية    انفجار يقتل 3 عناصر من الدرك شمال إيطاليا    نحو ألفي قتيل و30 ألف جريح إسرائيلي منذ أكتوبر 2023.. تقرير يرصد امتداد الخسائر إلى خمس جبهات    "جيتكس غلوبال" يبرز مستجدات الحلول الذكية ومستقبل الأصول الرقمية    فوز 3 علماء بجائزة نوبل في الاقتصاد    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وليد سيف
منطق الردّة: «الظلاميون» هم المشكلة والمتطرفون الإسرائيليون هم الحل!
نشر في المساء يوم 16 - 11 - 2009

أين هم أولئك الكتابُ والأدباءُ الذين كانوا ينتظرون شهادةَ الشهيد ليكتبوا نصوصَهم بمداد دَمِهِ على جِلده، فتستمد نصوصُهم قيمتَها من قيمة ذلك المداد وذلك الجلد، إن أعوزتها القيمة الفنية الذاتية! أين أولئك الكتابُ والأدباءُ الذين ما فتئوا يصورون أنفسَهم على أنهم ضحايا السلطات السياسية والاجتماعية والثقافية، وأنَّ قَدَرَهُم أن يواجهوا «التابوهات» الثلاثة: الدين، والجنس، والسياسة؟! أما جرأتُهم على الدين وفي الجنس، فنشهد لهم بذلك. ولا نراهم يحجمون، بل نرى بعضَهم يُقدم على الخوض فيهما بأسلوب استفزازي استعراضي فجّ، لتأمين رواجٍ واهتمامٍ وضجيجٍ لا يوفره المستوى الفنيُّ الرديء. فما بالُهم، إذن، يجبُنون في مواجهة «التابو» الثالث (السياسة)، حين يعمل عرّابوها على اغتيال رصيد المقاومة ومعجم النضال والحقوق الوطنية وذاكرة الشهداء، ويعملون في المقابل على تجريم البندقية المقاوِمة والحُلُُمِ الفلسطيني! أم يظن هؤلاء أن الجرأةَ على الله أقلُّ كلفةً من الجرأة على السلطان، الذي لا يملك من رسوم السلطنة إلا المشيَ على البساط الأحمر وتوزيعَ العطايا والأرزاق أو حبسَها، ثم قمعَ المخالفين لحساب سلطانٍ أقوى منه، حتى انطبق عليه القول: «أسدٌ عليّ...»!.
لا نعممُ بالطبع. ولكننا نسائل الصامتين، ولا نرضى بأقلَّ من الموقف الصريح الواضح في هذا المفصل الوجودي من تاريخ قضيتنا الفلسطينية – الموقف الصريح الذي لا يتموّه بلغة شعرية موارِبةٍ مفتوحةٍ على كل التأويلات والقراءات، وتَفِرُّ من الصلب المحدد إلى المائع السائب، ومن سؤال الوطن ومصيره إلى الأسئلة الفلسفيّة الوجودية، بدعوى طبيعة اللغة الشعرية الفنية المفارقة والانفتاح على الأفق الإنساني المتجاوِز للظرفي الخاص. فكل هذا مكانه في دواوين الشعر وفي تعليقات النقاد عليها، لا في المواقف السياسية المباشرة التي تتصل بمصائر الأوطان!
نعم، يصدمنا موقفُ هؤلاء وأولئك جميعاً، ونتلمس الدواعي.
أهي روحُ العصبية القبلية التقليدية التي تستظهر عندنا في الفصائل والأحزاب والتنظيمات السياسية، فتقدم الهويةَ القبليةَ التنظيميةَ على الهوية الوطنية أو تُماهي بين الهويتين؟ كيف ومتى تتحول حركةُ التحرير من وسيلةٍ جمعيةٍ لتحقيق غاية وطنية عامة جامعة إلى غاية في ذاتها؟ وكيف تنتهي القبيلةُ التنظيمية إلى تعريف ذاتها بالمغايرة مع قبائلَ تنظيميةٍ أخرى من نفس شعبها عوضاً عن تعريف نفسها بالمغايرة مع عدو الوطن وغاصبه؟ وكيف تنتهي في المحصلة إلى تقديم التناقض الإيديولوجي مع فصائلَ أخرى على التناقض الرئيسي مع الغازي المحتل؟!
لعل الإجابة عن هذه التساؤلات الممضّة متضمَّنةٌ في مرتكزات المنطق السياسي الذي استعرضناه آنفاً. فحين يُسقط أصحاب هذا المنطق من معجمهم السياسي مفاهيمَ التحرير والمقاومة ضد الاغتصاب والاحتلال، وحين يختزل الصراع في نزاع سياسي إقليمي، ينضبط بشروط النظام الدولي وموازين القوى، وحين يتحوّلون من حركة تحرير وطنية إلى جزء من النظام الإقليمي والدولي، فإنه من الطبيعي أن يجتمعوا مع سائر مكونات ذلك النظام -حتى أعداء قضيتنا- ضد الفئات الخارجة عن القانون التي تعمل من خارج ذلك النظام، حتى لو تسمّت بأسماء المقاومة وكانت من نسيج شعبنا ومجتمعنا وأمتنا!... نعم «الظلاميون» هم المشكلةُ الكبرى. ولا فرق، على هذا الصعيد، بين حالة السلطة الفلسطينية والنظام العربي والدولي، طالما أن السلطةَ العتيدةَ قد صارت جزءاً منه! بل ربما كان عرّابو السلطة أشدَّ حكماً على «الظلامية» و«الظلاميين» من بعض القوى الدولية والإقليمية، باعتبار أن وجودهم يهدد مباشرة بتعطيل برامج السلطة السياسية «الواقعيّة»، ومعها شرعية بقائها ومسوّغاته! والتناقض «الإيديولوجي» مقدَّمٌ في هذا المناخ على التناقض الوطني مع العدوّ المحتل الأقربِ إلى رجالها في المزاج الثقافي الاجتماعي المتغرب والمُعَوْلَم! وكأن لسانَ الحال هنا يقول: «ربعُ وطنٍ بلا «ظلاميّين» خيرٌ من وطنٍ معهم!». وأيُّ عَجَبٍ في هذا إذا كان «الظلاميون» هم المشكلةَ، والمتطرفون الإسرائيليون هم الحل!!!
وفي هذه المناسبة، نتساءل: هل ضاق معجمُ السجال السياسي حتى لم يعد فيه إلا كلمة «ظلامي»؟ أعني لقد صار تكرار هذا اللفظ مُملاً من ناحية ذوقية خالصة. وهو يفضي إلى تفريغه من شحنته الدلالية، وينقله إلى مستوى «الكليشية» المستهلَكة التي ترتد على صاحبها بأثر «كاريكاتيري». والمراوحة بينه وبين غيره تحفظ له بعض تأثيره! وفي اللغة العربية متسع. ولعل بعضَ المتفذلكين الضالعين في أنواء السلام يقترحون لزعيمهم بعضَ المفرداتِ الأخرى التي تسع دلالاتُها معارضين آخرين لا ينطبق عليهم وصفُ «الظلامية» الذي ارتبط بالإسلاميين حصراً. فأين نضع مفكرين أحراراً مثلَ عزمي بشارة وجوزيف مسعد؟ وأين نضع سائرَ القوميين واليساريين والمستقلين المعارضين لسياسةِ الإذعان وتصفيةِ القضية؟ هذا دون أن نحسب حساب أحرارٍ آخرين من غير العرب، مثل جورج غالاوي، مثلاً، الذين يصعب وصمُهم ب«الظلامية»!
ومن أقبح الدفوع التي يسوقها سَدَنَةُ الواقعية السياسية السُلطوية، كلما اشتد الجدالُ، ذلك التنفّج بتاريخهم النضالي، فيذكرونك في كل آن بأنهم هم الذين أطلقوا شرارة النضال والكفاح المسلح، وأنهم أنفقوا من أعمارهم ما أنفقوه فيهما، ربما قبل أن تولد أنت. فلا يجوز لك أن تزايد عليهم فيه! سبحان الله! هل الأعمال إلا بخواتيمها؟ وهل يكون النضالُ السابقُ حُجَّةً على التفريط اللاحق أم حجةً له؟! وهل كان النضال السابقُ مجردَ مقدمات غرضُها اختلاقٌ شرعيةٌ تسوغ سياساتِ الإذعان والاستسلام وتصفية القضية في آخر المطاف؟ وهل الإيمان قبل الرِدة عذرٌ للمرتد؟ وهل يتذرع الصائمُ في يوم رمضانَ بأنه صام معظمَ النهار ليفطرَ قبيل انتهائه؟ أم المنطق هنا هو «أننا جربنا قبلكم ما تدعون إليه، ثم ثبت لنا عدمُ جدواه. وقد كان من سوء حظنا أننا اتعظنا بأنفسنا، والأجدرُ بكم أن تتعظوا بنا، فتبدؤوا من حيث انتهينا. فإنّ الشقيَّ من اتعظ بنفسه، والسعيد من اتعظ بغيره!». ولقد سمعنا مثل ذلك من يساريين سابقين، أدركتهم لحظةُ التنوير الأمريكي مؤخّراً، فابتدعوا قولهم الساخرَ «من لم يكن يسارياً في شبابه، فهو إنسان لا قلبَ له. ومن لم يَصِرْ رأسمالياً في كهولته، فلا عقل له!» ثم يطلقون ضحكةً مجلجلةً، لا تخفي غياب القلب والعقل معا ً!
انتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.