يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. علمت الموساد أن كارلوس تلقى مجموعة من قاذفات الصواريخ المضادة للدروع أربي جي 7 روسية الصنع، وهو سلاح فعال يسهل حمله. وفي ال 13 من يناير 1975 توجه كارلوس وزميله ويلفرد بوز إلى مطار أورلي بحثا عن المتاعب، هناك لاحظا ذيل طائرة إسرائيلية على المدرج. قاد كارلوس سيارته مرة أخرى لإلقاء نظرة ثانية وقذف زجاجة حليب صغيرة على الطريق ناثرا السائل، كإشارة للمكان الذي يستطيع منه أن يرى الطائرة بشكل أفضل. وجلس الفنزويلي وهو يخفي ملامحه بنظارة سوداء في السيارة. وسار بوز ببطء ثم تقدم بسرعة حوالي عشرة أميال في الساعة وعندما اقترب من بقعة الحليب نهض كارلوس وأطلق النار، فأخطأ الطائرة الإسرائيلية لكنه أصاب طائرة يوغسلافية، وأحد مباني المطار ثم ساق السيارة مسافة وتوقف، قفز كارلوس منها وجلس في المقعد الآخر وانطلقا. عندما عاد إلى الشقة، أخبر مغربل بما فعل، لكن مغربل قال له إنه سمع بذلك من الإذاعة وأنه أخطأ الطائرة، قال له نعم لقد أخطأتها هذه المرة لكننا سنعود في التاسع عشر ونفعلها مرة أخرى. ومن الطبيعي أن مغربل أوصل هذه المعلومة إلى ريف، ومرة أخرى لم ترد الموساد حرق مثل هذا العميل الحيوي، لذلك أمر بمضاعفة الإجراءات الأمنية، ونقل جميع الطائرات الإسرائيلية إلى الجهة الشمالية من المطار حتى لا يكون هناك سوى مجال واحد للاقتراب منها إذا ما وفى كارلوس بتهديده. وفي 19 من يناير، وبعد تحذير الفرنسيين من احتمال وقوع هجوم إرهابي وصل كارلوس مع ثلاثة رجال في السيارة، ثم وقفوا يتأملون لكن الشرطة الفرنسية حضرت وقد أطلقت صفارات الإنذار. لم يطلق الرجال النار بل تظاهروا بأنهم يلقون أسلحتهم وفروا تاركين سيارتهم خلفهم وأمسك كارلوس بامرأة مارة وصوب مسدسا إلى رأسها وحذا أحد زملائه حذوه ولحوالي ثلاثين دقيقة لم يصلوا إلى نتيجة للمفاوضات، ومع أنه لم يتم إطلاق النار فإنهم انسحبوا وظلت أسلحتهم وراءهم واختفى كارلوس ولم يعرف مغربل مكانه. طوال الشهور الخمسة التالية كانت الأمور هادئة، وكان مغربل لا يزال يقدم المعلومات القيمة لكنه لم يسمع شيئا عن كارلوس، وعندما أصبح عصبيا أخبره أصدقاؤه أن البعض في بيروت يشتبهون في نشاطه ويريدون التحدث معه، وفي هذا الوقت كانت الموساد قد قررت ضرب كارلوس، لكن ما أراده مغربل هو هوية جديدة والخروج من اللعبة بأسرع ما يستطيع فقد بدأ يخشى أن يقصده الفنزويلي. لم ترد الموساد أن يتولى ريف نفسه قضية كارلوس مع مغربل ولم ترد من «متسادا»، وهي دائرة تعمل في غاية السرية، أن تصفيه لذلك تقرر أن تترك الأمر كله للفرنسيين مع أنها كانت مستعدة للمساعدة بتقديم بعض المعلومات. في ال 10 من يونيو 1975 اتصل كارلوس بمغربل الذي تحدث معه بذعر وقال له بأن عليه أن يغادر باريس، لكن كارلوس دعاه إلى شقة في شارع تولييه في المنطقة الخامسة، وكان البيت واحدا من البيوت المتلاصقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بدخول أقرب بيت إلى الشارع المواجه وعبر حديقة أو بصعود بعض السلالم واجتياز ممر مشاة ولأن له مدخلا واحدا فقط، فإن له مخرجا واحدا. من خلال متطوع يهودي محلي استطاع ريف أن يستأجر الشقة أمام المبنى الذي يطل على الساحة وعلى شقة كارلوس، تم إشعار الشرطة الفرنسية بأن في الشقة رجلا على علاقة مع تاجر أسلحة معروف ورجلا آخر وهو مغربل يريد أن يتخلص من وضع شائك ويريد أن يتحدث بما عنده، ولم يتم إعلام الشرطة بأن الشخص هو كارلوس وأن مغربل عميل. قال ريف لمغربل بأنه سيحضر الشرطة الفرنسية إليه «قل لهم إنك تريد الخروج والسفر إلى تونس وسوف تتأكد من أنهم لن يكون لديهم أي شيء ضدك، أنت تعلم أنك غير مأمون طالما أن كارلوس طليق، سوف يطلعونك على صورة كارلوس وصورتك ويسألونك عن الرجل الآخر حاول أن تتهرب من ذلك، قل لهم إنه لاشيء سوف يصرون على رؤيته لذلك ستأخذهم إلى كارلوس سوف يعتقلونه لاستجوابه، وعندها تتأكد من حصولهم على المعلومات عنه وسوف يسجن إلى الأبد بينما تكون حرا وتعيش في تونس». طلب ريف الإذن من تل أبيب لتحويل معظم ملف كارلوس إلى الشرطة الفرنسية حتى يستطيعوا أن يعرفوا مع من يتعاملون، وكانت حجته أن الموساد تسلمهم عميلا، وإذا لم يكونوا يعرفون من هو هذا الرجل فإن مغربل عميلهم سيكون في خطر كبير، والأكثر من ذلك أنه كان يخشى من أن يكون الفرنسيون في خطر إذا لم يكونوا مستعدين لكارلوس جيدا. كان الجواب الذي تلقاه ريف أنه يستطيع أن يحول المعلومات عند الحاجة، بعد احتجاز كارلوس وبناء على أمور يجب التفاوض حولها مع الفرنسيين، وبكلمات أخرى إذا أراد الفرنسيون معلومات فإن عليهم أن يدفعوا ثمنا لها. في اليوم المحدد راقب ريف كارولس وهو يدخل شقته وكان ضباط الارتباط قد تحدثوا مع الفرنسيين وأخبروهم أين يستطيعون أن يعثروا على مغربل، وهذا ما فعلوه وكان في الشقة مجموعة من الأمريكيين الجنوبيين يقيمون حفلة. وصل مغربل بسيارة شرطة ليس عليها علامات مع ثلاثة رجال شرطة فرنسيين بقي اثنان منهم قرب السلالم بينما دق الثالث الباب، فتح كارلوس وقدم الشرطي نفسه بلباس مدني فدعاه كارلوس للدخول تحدثا حوالي 20 دقيقة وبدا الفنزويلي هادئا، قال الشرطي إن معه شخصا آخر قد يعرفه «أريد منك أن تتحدث معه هل تمانع بالذهاب معي؟». في تلك اللحظة أشار الشرطي لزميله بإحضار مغربل وعندما رآه كارلوس افترض أنه احترق لكن كانت خطة مغربل أن يقول لكارلوس ألا يقلق وأن الشرطة لا تملك شيئا ضدهما. في هذا الوقت كان كارلوس يحمل الغيتارة، كان يعزف عليه عندما دق الشرطي على الباب، تساءل إذا كان يستطيع أن يخبئها ويحضر جاكيتا، في تلك الأثناء اقترب الرجال الثلاثة الآخرون من الباب دخل كارلوس ورمى الغيتارة وفتح حقيبتها وأخرج رشاشا واقترب من الباب، فجأة فتح النار على الشرطي الأول فجرح جراحا بليغة، ثم قتل الشرطيين الآخرين في مكانهما وضرب مغربل بثلاث رصاصات في الصدر وواحدة في الرأس. جن جنون ريف وهو يرى كل هذا من شقته ولم يكن لديه أي أسلحة. راقب يائسا هو يرى كارلوس يقضي على مغربل ويغادر بهدوء، لكنه عرف شيئا واحدا أن الشرطة الفرنسية عرفته وأنه جر رجالها إلى هناك وبعد ساعتين ونصف ركب طائرة العال متوجها إلى إسرائيل وهو يرتدي زي مضيف طائرة. وفي ال 21 من دجنبر 1975 كان من المعتقد أن كارلوس مشارك في عملية مقر الأوبيك في فيينا، حيث اقتحم ستة مسلحين مؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية مؤتمر أوبيك، ، وخلال السنوات القليلة التالية نسبت إليه عشرات العمليات الإرهابية وإلقاء القنابل، وفي الفترة ما بين 1979-1980 وحدها وهي آخر مرة سمعت فيها الموساد عنه، وقعت حوالي 16 عملية تفجير نسبت إلى «الفاعل المباشر» وقد تمت كلها على طريقة كارلوس.