يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. دشن كارلوس عمله مع «أيلول الأسود» بالسيطرة على مخزون أسلحة التنظيم الفدائي في كل أنحاء أوربا، ومن بين عتاد كبير ورث الرجل صاروخي ستريلا المفقودين، اللذين كانا جزءا مما تبقى من المحاولة الفاشلة لاغتيال غولدا مائير. وبالإضافة إلى العمل الذي قام به مغربل، كرجل اتصال مع «أيلول الأسود»، فقد كان يقوم بنفس المهمة لمجموعتين فلسطينيتين وهما: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومنظمة الشباب الفلسطيني، وكان حجم المعلومات الواردة منه للموساد مذهلا، مما دفعها إلى تقليب المعلومات والاحتفاظ بما تريد منها لنفسها في تغذية المخابرات الأوروبية وال«سي أي ايه» بكثير من البيانات، فلم تكن تعرف ما تفعله بها كلها بل أضحت نكتة داخلية يرددها ضباط المخابرات الأخرى حول تخمة المعلومات. «إن إغراق السوق بهذه المعلومات ربما لم ينفع أحدا، لا يمكن أن يقول فيما بعد بأنه لم يتم إعلامه، وكان نظاما استخدمته الموساد بنجاح فيما بعد»، إلى درجة الحديث عن استعمار معلوماتي لجهاز المخابرات الأمريكية من طرف نظيرتها الإسرائيلية. اهتم كارلوس بصاروخي ستريلا اللذين خلفتهما عملية مطار روما، والظاهر أنه عندما قسم الفريقان الصواريخ تركا اثنين في مكان مأمون لم تكن الموساد تعرفه، ولو أنها لم تقتل الشخص الذي قبض عليه أثناء محاولة الاغتيال لاستطاعت العثور عليه، فقد كان واحدا من الفريق الذي كان يستخدم ذلك البيت المأمون بعينه. ورغم أن كارلوس لم يقم بأي عملية ضد أي هدف يهودي بعد، فقد بدأت الموساد تدرك أنه شخص خطر، وقد علمت بالصاروخين من خلال مغربل، ولم تكن هناك من وسيلة للوصول إليهما، لأن الموساد لا تستطيع أن تقوم بأي تحرك نحو البيت دون حرق مغربل، الذي كان يتصل هاتفيا كل يومين أو ثلاثة أيام ليقدم المعلومات. يقول العميل فيكتور واصفا تكتيك كارلوس قائلا: «إنه كان ينوي استخدام الصاروخين ضد طائرة إسرائيلية لكنه لن يشارك في عملية تستدعي تخطيطا معقدا، كانت تلك قاعدته، كما كانت جزءا من سبب عدم القبض عليه، فقد يخطط عملية ويرى إذا كانت قد نفذت لكن لا يشارك». كانت الموساد تعاني من مشكلة الصاروخين، ومن الواضح أن مغربل «حرق في هذه العملية لكن إذا سمح للفلسطينيين بالوصول إلى المطار بالأسلحة فإنهم سيستطيعون أن يدمروا طائرة إسرائيلية». كان أورين ريف يدير الأمور، فقد اتصل بملحقة روما، وطلب منهم أن يتصلوا بصديقهم في المخابرات الإيطالية أمبورغو فيفاني ويعطوه عنوان البيت المأمون الذي يوجد فيه الصاروخان، قال ريف بنبرة صارمة: «أخبروه بأنكم ستتصلون به في الوقت الذي يكون فيه جميع المعنيين هناك، وأن عليه الحضور إلى الشقة في ذلك الوقت بالذات وبتلك الطريقة يستطيع القبض عليهم». كانت وحدة من ضباط تجنيد العملاء تطوق المكان، وفي 5 شتنبر 1973 عندما رأوا جميع الفدائيين يدخلون اتصلوا بالمخابرات الإيطالية ودخلوا الشقة واعتقلوا الرجال الخمسة وهم من أصول لبنانية وليبية وجزائرية وعراقية وسورية، وصادروا الصاروخين على الفور، ومع أن الإيطاليين قبضوا على الفدائيين وبأيديهم صاروخان، فإنهم أطلقوا اثنين منهم على الفور بكفالة فغادرا روما وتم إطلاق سراح الثلاثة الآخرين وأرسلوا إلى ليبيا، لكن في الأول من مارس 1974 وبعد أن طاروا انفجرت طائرة الداكوتا التي أقلتهم وهي في طريق عودتها إلى روما، فقتل الطيار والطاقم المساعد، ويقول الإيطاليون إن الموساد هي التي فعلتها، لكنها لم تفعلها وأغلب الظن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي دبرت الانفجار. في 20 دجنبر 1973 كان كارلوس في باريس، وكان له بيت في ضواحي المدينة وهو مكان تخزين لذخيرة منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الموساد تبحث عن سبب لتعطي العنوان للفرنسيين دون حرق عميلها الثمين مغربل. وفي صباح ذلك اليوم قام كارلوس بنمطه المعهود من الأعمال الإرهابية التفجير والهروب فقد ترك شقته وهو يحمل قنبلة يدوية وركب سيارته وساقها في أحد الشوارع، وقذف القنبلة اليدوية على مكتبة يهودية فقتل رجلا وجرح ستة آخرين وكان ذلك سببا كافيا لتمرر الموساد عنوان مخزن الذخيرة، لكن عندما هاجمته الشرطة الفرنسية وجدت أسلحة وبنادق وقنابل يدوية وأصابع تي أن تي ومنشورات دعائية وحوالي دزينة من الرجال لكن لم تجد كارلوس. في اليوم التالي، اتصل بمغربل من لندن وطلب لقاءه هناك فقال مغربل إنه لا يستطيع الذهاب لأن الشرطة البريطانية تطلبه، وحاولت الموساد أن تقنعه بالذهاب لكنه لم يوافق لذلك فقدت الاتصال مع كارلوس لبعض الوقت. وفي 22 من يناير 1974 اتصل كارلوس مرة أخرى بمغربل وقال: «إنني سآتي إلى باريس وعلي أن أوقع اتفاقية غدا أو بعد غد». أعلنت جميع المواقع الإسرائيلية في بريطانيا حالة تأهب، وبعد يومين مرت سيارة على بنك إسرائيلي في لندن وقام الرجل الوحيد في السيارة بإلقاء قنبلة يدوية فجرحت امرأة. في اليوم التالي طلب كارلوس الاجتماع مع مغربل في باريس، وقال له بأنه يريد أن يتغاضى عن الأهداف الإسرائيلية في الوقت الحاضر، لأن الأمور ساخنة جدا لكن عليه بعض الديون التي يجب تسديدها، والتي يجب إنجازها قبل أي شيء آخر لمنظمة التحرير الفلسطينية. لقد جعلت هذه المكالمة الموساد تشعر بالارتياح وربطتها بمعلومات أخرى كانت لديها، لكن مع كارلوس لا يمكن الشعور بالارتياح طويلا، ففي غشت من تلك السنة انفجرت ثلاث سيارات ملغومة في باريس، وقد اعتقدت الشرطة الفرنسية أن العمليات من تدبير «الفعل المباشر» وكانت كذلك، لكن كارلوس ساعد في توفير القنابل وزرعها، ثم توجه إلى جزء آخر من باريس حتى يكون بعيدا عن العملية الحقيقية.