يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. في نهاية عام 1975 حضرت الاستخبارات البحرية إلى الاجتماع السنوي لأجهزة الاستخبارات، وأعلنت أنها بحاجة إلى صاروخ «اكسوسيت» تصنعه «ايروسباسيال» الفرنسية، وكان هم إسرائيل الرئيسي، أن بعض الدول العربية مصرة على وجه التحديد، على شراء صواريخ «اكسوسيت»، فإن حدث ذلك فإن البحرية تريد أن تكون مستعدة لذلك، والواقع أنهم في البحرية لا يريدون الصاروخ كامل الرأس فقط، حيث توجد جميع الأجهزة الإلكترونية. ولهذا السبب أرادت إسرائيل الحصول على صاروخ لاختباره لكنهم لا يستطيعون شراءه مباشرة من الفرنسيين، وقد مرت مهمة الحصول على رأس لصاروخ «اكسوسيت» إلى رئيس الموساد والذي بدوره أمر بالاهتمام بطلب سلاح البحرية وأخذه بجدية، وكان لدى الموساد بالفعل قدر كبير من المعلومات عن «اكسوسيت» ويعود الفضل جزئيا إلى سابان الذي كان يعمل لدى «ايروسباسيال» ومرر الكثير من التفاصيل، كما قام الموساد بعملية صغيرة حيث أرسل فريقا من العملاء لاقتحام المعمل خلسة بصحبة خبير صواريخ طار من إسرائيل خصيصا لهذه المهمة، وأخذ إلى المعمل مع المنفذين والمواد التي أحضرت له من أجل رأيه كخبير، وكانت مهمته أن يقرر ما الذي يجب أن يصوروه وقد أمضى الجميع أربع ساعات ونصفا داخل المعمل قبل أن يغادروه دون أن يتركوا أي أثر. لكن رغم الصور التي التقطت للصاروخ والمخططات الكاملة، فإن الحصول على نموذج حقيقي اعتبر ضروريا، وكان البريطانيون يملكون الصاروخ إلا أنهم لم يكونوا مستعدين لإعطاء واحد منه لإسرائيل. «كانت أوربا طريقا مسدودا بالنسبة للمشروع لكن الموساد كان يعرف أن عددا من دول أمريكا اللاتينية يمتلك صاروخ «اكسوسيت»، وفي ظروف عادية كان من الممكن أن تكون الأرجنتين مصدرا جيدا لكنها كانت قد عقدت صفقة مع إسرائيل لشراء محركات نفاثة من صنع إسرائيلي، وكان جهاز الموساد قلقا من أي عملية قد تعرض هذا الربح للخطر، فكانت الشيلي هي الرهان الأفضل، فقد حدث أنها تقدمت في ذلك الحين بطلب إلى إسرائيل لتدريب عناصر الشرطة السرية المحلية» يقول فيكتور. وبسبب السمعة السيئة لجهاز «دينا» الشيلي فقد تطلع بنوشيت إلى إصلاح هذا الجهاز وعين الجنرال مانويل كونتريراس رئيسا له كي يهتم بالتفاصيل، ولأنه تقدم إلى إسرائيل بهذا الطلب فقد طلب ناحوم ادموني الذي كان ضابط الارتباط المسؤول عن فرع «مالات»، مركز ارتباط لفرع جنوب إفريقيا في دائرة الموساد الخارجية، أن يتابع طلب سلاح البحرية قضى اثنان من الضباط فترة من الوقت في التنقل عبر أمريكاالجنوبية محاولين إيجاد روابط تجارية للعمل مع إسرائيل، وأحد الشخصين اسمه أمير، كان في بوليفيا وقبل أن يترك أمير بوليفيا قدمت له السفارة جميع المعلومات الهامة المحيطة بالموضوع، وأكبر قدر ممكن من المعلومات حول الذين سيقابلهم، بما في ذلك نقط قوتهم ونواحي ضعفهم «أي شيء قد تعتقد القيادة أنه سوف يساعده»، كما رتبت تل أبيت رحلاته الجوية وإقامته في الفندق وكل التفاصيل الضرورية الأخرى، وحتى زجاجة النبيذ الفرنسي المفضلة لدى كونتريراس كان نوعها مسجلا في ملفه لدى الموساد، وطلب من أمير أن يحضر مقابلة سانتياغو لكن من دون أن يقدم أي التزامات. وكانت القيادة في تل أبيب قد ردت على طلب الشيلي لتدريب الشرطة السرية، قائلة: «سوف نرسل أمير الضابط الإداري لبحث المشروع»، ونبهت إلى عدم اقتراح أي التزامات بطريقة أخرى وقالت بأن الهدف من المقابلة هو ببساطة وضع تقديرات أولية . وفي مطار سانتياغو استقبل أمير أحد مسؤولي السفارة الإسرائيلية الذي اصطحبه إلى غرفته في الفندق، وفي اليوم التالي التقى كونتريراس وبعض أركان قيادته وكشف النقاب عن هدفهم وتبين بأنهم يتلقون مساعدة من وكالة الاستخبارات المركزية لكنهم لا يعتقدون بأن الوكالة ستساعدهم في أمور معينة يحتاجونها وبشكل أساسي، فهم يريدون تدريب وحدة أمن داخلي للسيطرة على «الإرهاب المحلي» أي عمليات الاختطاف والتفجيرات إضافة إلى حماية زوارهم من كبار الشخصيات. وبعد المقابلة طار أمير إلى نيويورك لرؤية رئيس دائرة مالات في منزل أمنته الموساد، وبعد الاستماع إلى وصف أمير المفصل عن المقابلة قال رئيسه: «إننا نريد شيئا من هؤلاء الأشخاص دعنا نورطهم في البدء دعنا نبدأ شيئا تم نلتف ونقدم طلبنا سنرخي لهم الحبل ثم نشدهم إلينا». وتم الاتفاق على أن يقابل أمير كونتريراس مرة أخرى لعقد صفقة تدريب وحدة الشرطة وقد طلب أمير من كونتريراس أن يختار 60 من أفضل رجاله للبرنامج التدريبي سيتم فرزهم حسب ثلاثة أنساق جنود ورقباء وقادة، مع منهج تدريبي خاص لكل مستوى وسوق تصل ثلاث مجموعات كل مجموعة مكونة من 20 رجلا لتلقي التدريبات الأولية، ومن بين هؤلاء سيتم اختيار أفضل 20 رجلا لمواصلة تدريباتهم ومن هؤلاء سيخرج الرقباء وأصحاب الرتب العليا. عندما قدم أمير العرض كاملا لكونتريراس قال: «الشيلي دون تردد تقبل بذلك»، كما طلب شراء جميع المعدات التي سيتدرب عليها رجاله، إضافة إلى تزويده بمعمل صغير للذخائر يقام لديه أو مخزون من العتاد وقطع الغيار يكفي لمدة ست سنوات.