يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. كانت دول الكتلة الشرقية على استعداد دائم لتزويد الفلسطينيين بالأسلحة، رغم أن ذلك كان يتم من خلال القنوات الرسمية، وهذا يعني بالنسبة لهم أنه لو طلب عرفات في العام 1981 أسلحة فإنها ترسل إلى جيش التحرير الفلسطيني. وبعد عملية ميونيخ شكل عرفات قوة أمن خاصة، وكان في استطاعته، من خلال خط تلفوني خاص رقمه 17، أن يتصل بقواته الخاصة من مقر قيادته في بيروت، وقد أطلق على هذه القوة اسم القوة 17، وكان يرأسها في ذلك الحين أبو الطيب، وكان عددها يتراوح ما بين 200 أو 600 مقاتل. كما اعتمد عرفات كثيرا على أبي الزعيم، رئيس الأمن والاستخبارات. وبالنسبة للموساد كان اللاعب الأهم من بين جميع هؤلاء اللاعبين شخص اسمه ضرار قاسم، وهو سائق عرفات وحارسه الشخصي وأحد عناصر القوة 17. كان قاسم قد جند عميلا للموساد في عام 1977 عندما كان يدرس في الفلسفة في بريطانيا، وهو شخص جشع كان يرسل التقارير في كل يوم تقريبا ويبعث الرسائل من خلال نظام لاسلكي ويتلقى 2000 دولار عن كل تقرير. وكان يرسل المعلومات بواسطة الهاتف، كما كان يرسلها أيضا بشكل دوري بالبريد. وخلال حصار بيروت كان قاسم مع عرفات يقدم التقارير للموساد من داخل قيادة منظمة التحرير. في ذلك الحين كان الجناح اليميني في الموساد يطالب بقتل عرفات، وحجته في ذلك أنه إذا اغتال عرفات فإن الفلسطينيين سوف يولون بعده شخصا ذا نزعة عسكرية أقوى منه لن يكون مقبولا من الغرب أو من اليسار في إسرائيل، وبالتالي لن يكون هناك حل سلمي للقضية وستحدث صدامات عنيفة ومن ثم استسلام دون قيد أو شرط، وهي الطريقة الوحيدة التي يتصورها الموساد لتحقيق السلام. أما حجة الرافضين لاغتيال عرفات فتقول إنه الأفضل وسط مجموعة من الأشرار، فهو مثقف ويشكل مركزا لتوحيد الفلسطينيين، وبالتالي إذا كان هناك من محادثات ستجرى فلابد من شخص ما نتحدث إليه يكون ممثلا شرعيا للفلسطينيين. ورغم أن الاستخبارات في إسرائيل، سواء الموساد أو الشاباك، كانت تعلم أن عرفات يحظى باحترام وتقدير كبيرين في المناطق، فإنها لا تنقل هذه الصورة إلى مسؤوليها السياسيين. في أواسط العام 1986 انتهى هذا النقاش، ورجحت كفة الجناح اليميني، إلا أن عرفات أصبح شخصية شعبية قوية، ولم يكن لدى الموساد أي عذر للنيل منه، لكنه مازال على القائمة، وحين يكون الوقت ملائما سوف ينفذون عملية القتل. ومن الشخصيات الرئيسية أيضا في ذلك الوقت مصطفى خليل، المعروف بأبي طعان، قائد جماعة الكفاح المسلح الفلسطيني، وهي مجموعة من التنسيق الخاصة بعرفات، كان يطلق عليها مجلس التنسيق الفلسطيني، لكن بعد نبذ عرفات في العام 1974 استخدام القوة ضد إسرائيل خارج حدودها، تبنى العديد من تنظيمات منظمة التحرير أسماء لها صبغة عسكرية قوية ربما للإيحاء بعدم نية التقاعس عن أهدافها. ومجموعة أخرى يجدر تذكرها هي جبهة التحرير العربية، التي يرأسها عبد الوهاب كيالي، الذي تم اغتياله في دجنبر 1981، وخلفه في القيادة عبد الرحيم أحمد. على أي حال، أراد عرفات الأسلحة الخفيفة لتوسيع القوة 17، وكان الصراع على السلطة يدور داخل المنظمة، فأحس عرفات أنه بحاجة إلى قوة نارية خاصة أكبر، لكنه عندما طلب أسلحة من العميد الخضرا، رئيس أركان جيش التحرير الفلسطيني، لم يستجب لطلبه، إذ أخبر الخضرا عرفات بألا يقلق فهو سيحميه، وهو ما أثار قلق عرفات. ولأن الخضرا كان يسيطر على جميع شحنات السلاح الواردة من الكتلة الشرقية إلى منظمة التحرير، فقد توجهت جميع التنظيمات الصغرى في المنظمة إلى ليبيا والعراق للحصول على أسلحة شرقية. في 17 يناير 1981 طار عرفات إلى برلين الشرقية لمقابلة الرئيس الألماني الشرقي إيريك هونيكر، الذي أعطاه 50 مستشارا ألمانيا للمساعدة في تدريب رجال منظمة التحرير في لبنان، وفي 26 من يناير قابل عرفات عددا من الموفدين الألمان الشرقيين في بيروت هذه المرة، وطلب أسلحة، وحاول ترتيب الصفقة، بحيث تصله مباشرة من دون المرور من خلال العميد الخضرا. وبفضل التقارير المستمرة من قاسم عرف الموساد أن عرفات قلق جدا من مشاكل داخلية ومن هجوم إسرائيلي محتمل. وفي 12 فبراير قابل عرفات ممثلين فيتناميين في دمشق، وحاول ترتيب صفقة معهم، وقد عرضوا عليه صواريخ، إلا أنه كان يريد أسلحة خفيفة. وبعد ثلاثة أيام ذهب إلى طرابلسلبنان للقاء قادة التنظيمات الفلسطينية، محاولا إقناعهم بالتوقف عن التقاتل فيما بينهم والتركيز على العدو الحقيقي إسرائيل. وفي 11 مارس كانت عصبية عرفات تتزايد، فقد كان يسعى جاهدا للحصول على التزام بتوريد هذه الأسلحة قبل 15 أبريل، موعد الاجتماع العام لمنظمة التحرير الفلسطينية في دمشق، لدرجة أنه عقد ثلاثة اجتماعات منفصلة مع سفراء كل من هنغاريا وكوبا وبلغاريا، لكنه فشل في الحصول على تعهدات بالحصول على الأسلحة المطلوبة. في ذلك الوقت كان الموساد شديد العصبية أيضا، إذ افترض أن عرفات سيحصل على أسلحته في نهاية الأمر، وروعهم أن رئيس منظمة التحرير قد بدأ يقول إنه يبحث عن شخص يقابل دبلوماسيين إسرائيليين مندوبين عنه للبدء في مفاوضات تستهدف وقف الهجمات على لبنان. وقد علمت الموساد بهذا الخبر قبل وقت طويل من معرفة الحكومة الإسرائيلية به، كما هو الحال دائما.