الطالبي العلمي كاعي من البلوكاج لي داير لشكر لهياكل مجلس النواب واللي تسبب فتعطيل المؤسسة التشريعية    وزيرة : ليبيريا تتطلع إلى الاستفادة من التجربة المغربية في مجال التكوين المهني    "أحرضان" القنصل المغربي بهولندا يغادر إلى دار البقاء    عساكرية من مالي والنيحر شاركو مع البوليساريو فتمرين دارتو دزاير (تصاور)    نقابة تتهم حيار بتعطيل الحوار الاجتماعي ومحاولة تصفية وكالة التنمية الاجتماعية    تعزية لعائلة الجايحي في وفاة الحاج علال    المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط نتائج بحث الظرفية لدى الأسر الفصل الأول من سنة 2024    "لارام" وشركة "سافران" تعززان شراكتهما بمجال صيانة محركات الطائرات    فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة    إسرائيل تقصف أصفهان بمسيّرات.. وإيران: لا تقارير عن هجوم من الخارج    رغم غلق الأجواء.. فريق مغربي يسافر في رحلة مباشرة إلى الجزائر    العصبة الاحترافية تتجه لمعاقبة الوداد بسبب أحداث مباراة الجيش    فضيحة فبني ملال.. التغرير بأطفال قاصرين بغرض تعريضهم لاعتداءات جنسية طيح بيدوفيل    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    أنباء عن انفجارات في إيران ناجمة وفق مسؤولين أميركيين عن ضربة إسرائيلية    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    سوريا تؤكد تعرضها لهجوم إسرائيلي    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    الهجوم الإسرائيلي على إيران يشعل أسعار النفط    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    هجرة .. المشاركون في الندوة الوزارية الإقليمية لشمال إفريقيا يشيدون بالالتزام القوي لجلالة الملك في تنفيذ الأجندة الإفريقية    دوي انفجارات بإيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائيلية    جورنالات صبليونية: هليكوبتر بالشعار الملكي والدرابو بالحمر حطات فمطار كاستيون    جنايات الحسيمة تصدر حكمها على متهم بسرقة وكالة لصرف العملات    حملة جديدة لتحرير الملك العام في مدينة العرائش أمام تغول الفراشة    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    مليلية تستعد لاستقبال 21 سفينة سياحية كبيرة    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    أساتذة موقوفون يعتصمون وسط بني ملال    رئيس "الفاو" من الرباط: نفقات حروب 2024 تكفي لتحقيق الأمن الغذائي بالعالم    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    منير بنرقي : عالم صغير يمثل الكون اللامتناهي    أكادير تحتضن الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال        قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوتر بين المؤلفين والناشرين.. أسباب فكرية أم مادية?
نشر في المساء يوم 25 - 02 - 2016

لا يمكن لمن يعيش حياة النشر والتَّوزيع في المغرب، أو في العالم العربي، أن يكون في مَنْأًى عن التَّوتُّرات التي عادةً ما تتَّسِم بها العلاقة بين المُؤَلِّفِين والناشرين. كل واحدٍ من الطَّرَفَيْن يُحاول أن يرمي الكُرَة في مرمَى الآخر، أو في أقصَى الحالات يسعى لتبريرِ الاختلالات الحاصلة بين الاثنيْن، بالوضع الاقتصادي، وبغياب القارئ، وغياب الإقبال على الكُتُب، أو عدم وجود ناشرين يحترمون المهنة، ونشر وتسويق وترويج الكتاب.ثمَّة من ينظر إلى الوضع في اعتباراته المادية الصِّرْفَة، ويرى أنّ المشكلة تكمُن هُنا بالذَّات. فالناشر يغتني، ويربح على حساب المُؤلِّف، فيما المؤلِّف، رغم أنَّه هو صاحب الكتاب، وصاحب الأفكار التي تروج في السوق، ويُقْبِل الناس عليها، يبقى الحلقة الهشَّة والضعيفة، أو أنَّه لا يحصل إلا على الفُتات من كل هذا السِّباق نحو المال والربح. الناشر، في أغلب الحالات، ونادراً ما يُفَكِّر في ما يمكن أن تحمله الكُتُب من قيمة، ومن جِدَّة، ومن إضافة، وما يمكن أن تخلقه من سياقات معرفية جدية، أو تطرحه من أسئلة، بقدر ما ينظر بعين «سائق الطاكسي»، كما يقول الشاعر الإيراني موسى بيدج، إلى ما يريده الزبون، أو الجمهور. الجديد، والاستثنائي، لا يقبله الناشر، ويحرص فقط على ركوب موجة «الجمهور عايز كده»، بالتعبير المصري الشَّائع. الناشر، كما يبدو، لم يعُد، مثلما يفعل الناشر في الغرب، يبحث عن الأسماء الجديدة، التي لها أفكار وإبداعات جديدة، وهو لا يخلق أسماء، ولا يطرح أفكاراً استثنائية، وليست له سياسة واضحة تسير عليها الدار، إلا في النادر. فثمَّة بضاعة تجري في السوق، هو يحرص على مسايرتها، وعلى الانخراط فيها. كما أنّه يلغي أجناسا كتابية على حساب أجناس أخرى، مثلما يحدث في إقبال الناشرين على نشر الروايات، وركوب موجتها، والشِّعر، لا مكان له عندهم، وبهذا تَحوَّل الناشر إلى مساهم في تهميش الشِّعر، والانخراط في الموجة الخليجية التي باتت تُرَوِّج للرواية من خلال الجوائز، لمعرفتها بحاجة الكُتّاب للمال، ولبؤسهم المادي، رغم ما تتَّسِم به كثير من الروايات من ضحالة، وفقر في الخيال والبناء، وهمَّشت الشِّعر، الذي أصبح اليوم يعيش حالة يُتْم، وعزلة، دون معرفة القيمة الحقيقية التي أضفاها الشِّعر نفسه على السرد، وعلى الفكر، وغيرهما من الأجناس الكتابية. هل يحق للناشر أن يكون ناشراً بمجرد نشر جنس دون غيره؟ وهل يحق للناشر أن يكون بدون أفق معرفي، ولا إبداعي؟ وهل يحق للناشر أن يكون مجرد تاجر كتب؟ وهل يحق للناشر أن ينشر أي شيء، ويُساهم في تردي الوضع الثقافي، وتراجعه؟ فثمَّة دور نشر لا أفق ثقافيا لها، وثمَّة «كُتَّاب!» يكتبون، أيضاً، في كل شيء، ويقولون أي شيء، ويتسوَّلون الجرائد والمواقع لإجراء حوارات معهم، رغم سطحيتهم، بنوع من التحايل والكَيْد، وهُم لا علاقة لهم بالكتابة ولا بالنشر، وهذا من بين ما ساهم في تشويش رؤية القارئ، وربما عزوفه عن الكتاب، وعن القراءة.إنَّ التوتُّرات القائمة بين الناشرين والكُتَّاب الحقيقيين هي توتُّرات تعود في أغلبها إلى دفاع الكاتب عن أفكاره، وحرصه على تسويقها، كما يدافع عن حقوقه المادية، فيما الناشر يبقى دائما، في وضع المُتَّهَم، لغياب الوضوح والشفافية في علاقته بالمؤلِّف. هكذا يرى كل طرف الآخر، ما يجعل العلاقة بين الاثنيْن علاقة زواج كاثوليكي، فلا أحد منهما يستطيع أن يستغني عن الآخر، وكل واحد منهما في حاجة إلى الآخر، رغم التَّشَنُّجات القائمة بينهما، بصورة دائمة، ولو بشكل مُتَسَتِّرٍ، أو غير مُعْلَنٍ. سياسة الدعم التي أقْدَمَتْ عليها وزارة الثقافة، كانت بين ما ساهم في إخراج كثير من الأعمال إلى النور، وشجعت الناشرين المغاربة على نشر الشِّعر الذي كانوا يهربون منه، وينبذونه من قبل، كما ساهمت التعاقدات في الحد من بعض أسباب التوتر، التي ستبقى في جوهرها مادية تأتي من جهة الناشرين، لا من جهة المؤلف، الذي لا يُعوِّل على أن تكون الكتب هي ما سيحيى، أو يعيش به. إننا، في حل معضلة القراءة، نحتاج إلى أن يكون هناك وضوح في التعاقدات بين الطرفيْن، وأن يكون الناشر صاحب أفكار، ومُبادراً إلى الجديد، والاستثنائي، لا أن يصبح مجرد تاجر يسير وراء السوق، وإلا عليه أن يترك مهنة النشر، والعلاقة بالمثقفين، ويذهب لبيع المتلاشيات، التي هي كثيرة في أسواقنا العربية، بما فيها متلاشيات الآليات الحربية التي باتت كثيرة في عالمنا العربي. كما أنَّ دور متدخلين آخرين، هنا، أصبح ضرورياً، وأعني به وزارة التعليم التي تعيش خارج كل هذا، وكأنها غير ذات صلة بما يجري، أو هي وزارة لا علاقة لها بالكتاب وبالتأليف، غير التأليف المدرسي، الذي هو سوق أخرى، ما يجري فيها أفظع مما يمكن تصوُّرُه، في التأليف، وفي النشر والتسويق.
الناشر والكاتب بين الاختلاف والائتلاف
العلاقة بين المؤلف والناشر فيها ثلاث مستويات، على الأقل، المستوى الأول، هو المشروع المشترك بين المؤلف والناشر، إذا كان للناشر مشروع ثقافي، وخط تحريري واضح المعالم، فإنه سيبحث عن كُتَّاب ومؤلفين في دائرة نفس المشروع، وهذا سيحُدُّ من وُجود أي خلاف بين الاثنين. قد تكون هناك اختلافات، لكن، لن يحدث أي تناقض بين التَّوَجُّهَيْن. المستوى الثاني، هو العلاقة التعاقدية. من المعلوم أنه في المرحلة الأخيرة فقط، أصبحت العلاقة بين المؤلف والناشر تكتسي طابعاً تعاقُدِياً، وفي غالب الأحيان، فإن الناشرين ليست لهم عقود واضحة المعالم، وهذا سببه إرادة بعض الناشرين الذين لا يريدون أن يدخلوا في نظام شفاف، وهذا قد يعود إلى ما يمكن أن نسميه عدم وضوح ما نسميه بصناعة النشر في المغرب. فدور النشر في أغلبها لم تمر بعد إلى مستوى المهنية. المستوى الثالث، هو مستوى العلاقة المادية، فهي تكتسي، في غالب الحالات، وضعاً تنافرياً. فوضوح المشروع الثقافي للناشر، قد يجعل من الجانب المالي ثانوياً، وعندما يكون التعاقد واضحاً، فهذا الجانب لا يُطْرَح إلا إذا كان الناشر لا يحترم التزاماته، وإما أن المؤلف يطلب مبالغ أكثر مما هو منصوص عليه في التعاقد بين الطرفيْن. وفي هذا الموضوع، ينبغي أن تكون الأمور دقيقة في العقد، بين المؤلف والناشر، ويجب أن يُنَصَّ بشكل واضح ودقيق على تفاصيل العلاقة بين الاثنين في عملية الحقوق والواجبات، خصوصا المالية منها، حتى لا يحدث أي خلل، أو توتر بين الطرفَيْن، خصوصاً على المستوى التعاقدي. وفي ما يتعلق بدعم وزارة الثقافة للكتاب، سأتكلم هنا عن تجربتي، فأنا في جُدادة التقويم، التي وضعْتُها، كنتُ أضع تفاصيل دقيقة، تتعلق بكل الأطراف العاملة معي، المؤلف، لجنة القراءة والتصحيح، والطبع، أي أنني وضعتُ معايير، لتتعامل معي الوزارة فقط، في الطبع. في الدورة الأولى من 2016 تعاملوا معي في مسألتَيْن، وأنا ما زلتُ أُصِرُّ إلى الآن أن تكون حقوق المؤلف واضحة في جُدادة التقويم، يعني أن أتفق مع المؤلف على 8000 درهم، إذا أعطوه 4000 درهم، كحقوق، تُسَلَّم له كاملةً، إضافةً إلى ما اتَّفَقْتُ عليه أنا كناشر، 50 نسخة، ثم التوقيعات، تكون بيننا مناصفَةً، ثم عشرة في المائة من المبيعات، في كل خمسمائة نسخة تُباع. الدعم أعطى دفعة جيدة للناشرين، في ما يتعلق باستثماراتهم التي أصبحت أكثر تنظيماً وشمولية، فإذا كان للناشر، مثلاً، استثمار يُقَدَّر ب 200 أو 400 ألف درهم، فإنه يأخذ بعين الاعتبار بأن الوزارة ستعطيه 20 ألف درهم أو 18 ألف درهم، فسيجعل استثماره أكبر، فبدل أن يكون استثماره مقتصراً على مبلغ أقل، سيرفعه إلى ما هو أكثر، لأنه يعلم أن هناك دعما يأتيه من قبل الوزارة. وهذا دعم جيد سيجعل من المقاولة تعمل بطريقة أفضل. فنحن اليوم بدأنا ننظم الإدارة بصورة أفضل، ونحرص على وجود لجان قراءة دائمة، لأن هذا فيه التزامات مع الوزارة، وهو ما يفرض أن يكون للدعم أثر مباشر على الدار، كما على المؤلفين وصناعة الكتاب، وعلى نوعية الأعمال التي نحرص على نشرها وترويجها. أما في ما يتعلق بحقوق المؤلفين، بصورة خاصة، فعدد من الناشرين كانوا اقترحوا على الوزارة أن تسلم قسطاً من الدعم إلى المؤلف مباشرة، والباقي، يتكفل الناشر به، في كل ما يتعلق بما يلتزم به في التعاقُد بين الطرفيْن.
أغلب الناشرين تُجَّار ثقافة يشبهون سائق الطاكسي
* العلاقة بين المؤلف والناشر في بلدنا، هي في أغلب الأحيان علاقة نزاع وصراع، وإن كانت في بعض الأحيان تصل إلى نوع من الوفاق. أكثر الناشرين يعملون بيزنس، فهُم في بهذا المعنى تُجَّار ثقافة وتُجَّار كتب، ونحن لدينا مقولة طريفة، نقول فيها عن الناشرين، أو ننظر إليهم باعتبارهم سُوَّاق أجرة ثقافيين، يعني سائق طاكسي ثقافي. طبعاً دور النشر الكبيرة هي التي تهيمن عليها هذه الفكرة. كَم سنبيع؟ هذا الإسم، في السوق، كم يكون ثمنه؟ وهذا ما دفع بعض الكُتَّاب والشعراء عندنا، إلى تأسيس دار نشر خاصة بهم، فيها يطبعون كتبهم، أو بعض الكُتُب التي لها قيمة، وإن كانت هناك عوائق كبيرة، خصوصاً في ما يتعلق بالتوزيع. فالموزعون هم أيضاً عندنا، أصحاب مهنة ليست نظيفة جداً. فنحن قد نتفادى مثل هذه المشاكل، خصوصاً إذا ما أثبت المؤلف وجوده في المجتمع الثقافي، فهو يفرض شروطه على دار النشر، فأنا شخصيا أفرض شروطي على الناشر، ما عدا السنوات الأخيرة، فالحصار الغربي أثَّر بصورة كبيرة علينا، فأول الأشياء التي تأثرت هي الثقافة. فالميزانية، مثلاً، قلَّت وضعُفَت في دعم المشاريع الثقافية. أما في العلاقة بين الناشر والمؤلف، فهناك تبادُل بين الطرفيْن، فكما يُفيد الناشر المؤلِّفَ في نشر الأعمال وترويجها، فالمُؤلِّف يُفيد الناشر في امتلاء جيبه. اقتصادياً، الرابح هو الناشر، وفكريا، المؤلف هو الرابح. لا بُدَّ من وجود وفاق بين الإثنين، في ما يتعلق بالحقوق والواجبات. قليلون الكُتَّاب الذين يعيشون من كتبهم، فالتأليف عملية صعبة وشاقة وعويصة، والمؤلف لا يكتب كل يوم، أو يصدر كتاباً كل يوم ليعيش من خلاله. بعض المترجمين المحترفين، يمكنهم أن يفعلوا هذا، فهم يترجمون بشكل دائم. وهم قد يصدرون بين خمس إلى ست كتب في السنة، فالمترجم لا يحتاج إلى وحي، أو إلهام ليكتب، فهو مثل النجار، المادة الصلبة عندة، وموجودة أمامه، فهو فقط يقلبها إلى لغة أخرى. ومن المؤلفين الكبار لدينا، في إيران كاتب روائي مقروء جداً، هذا يعيش على كتبه التي تُطْبَع مراراً، ولكن كحالة عامة، الوضع ليس بهذه الصورة. أما الناشر، فوضعه يختلف، فهو ينشر مئات الكتب، أما المؤلف فهو ينشر كتاباً واحداً، أو كتابيْن في السنة، فهل هذا الكتاب سيُفيده في أن يتعيَّش منه؟، هذا غير ممكن، والناشر بالعكس، فهو يعيش من الكُتُب. فهو لديه مؤسسته، ولديه موظفوه. فأنا كشاعر، وكمترجم، أعمل في أكثر من جهة، أعمل في الجامعة، وأعمل في الإذاعة، لديَّ برنامج خاص بالترجمة، وأيضا أعمل في مجلة، وهذا يعني أن الكتابة البحثة لا تؤمن حياة الكاتب أو الشاعر، فهو ينتظر أن تأتيه الملائكة من الجنة أو من الجحيم بسطر ليكتب نصاً.
الناشر والمغامرة
في الحقيقة، هذا التوتُّر بين الناشر والمؤلِّف، هو مُحْزِن، ومُؤْسِف، لأنه يُفْتَرَض في هذه العلاقة أن تكون علاقة تكامُل، لأنَّ الطرفيْن مشاركيْن في هذا العمل، وهُما، معاً، يعملان في نفس الحقل، وفي نفس المجال. أي لخدمة القارئ، والرفع من مستوى الوعي الثقافي، والمعرفي، في العالم العربي. لكن هناك بعض الإشكاليات الكبرى التي تُسَبِّب توتُّراً حادّاً في العلاقة بين الناشر والمؤلف، وهي ما أعتبره، شخصياً، وجود أزمة كتابة في العالم العربي، الجيل الذي صنع نهضة كتابة، في مصر، وفي المغرب بدأ يعرف تراجُعاً، وبدأت أوضاعنا العامة التي نعيش فيها اليوم، تُخَيِّم على المنطقة، خصوصاً في المنطقة المغاربية. فالمؤلفون المغاربيون، أو الأسماء الفاعلة في هذه المنطقة هي قليلة، وهي أسماء بَنَتْ نفسَها بنفسها. هذا التراجع الكبير، بدأ في مصر منذ فترة طويلة، وبدأ يزداد في المغرب العربي، والكاتب المغربي، في هذا كله، كانت له دائماً مكانة مهمة، وفاعلة، وما زالتْ، وهنا أناشد كل المسؤولين على الشأن الثقافي، وخاصة جلالة الملك، للاهتمام بالمثقفين والكُتَّاب المغاربة، لأنهم هم من يقدمون الوجه الحقيقي للمملكة المغربية في الخارج. أما ما يتعلَّق بالتوتُّر بين المؤلف والناشر، فهو يعود إلى ارتفاع أسعار الكتاب أدَّى إلى تراجع الكتابة، وغياب الكتابة الجادة، وأيضاً كان له مفعول الصدمة في تراجع القراءة، لأنَّ هناك غلاء وارتفاع مستمر في كل ما له علاقة بصناعة الكتاب، وطبعه ونشره وتوزيعه. والوضع الاقتصادي للقاريء العربي ما زال هو نفسُه، فالزيادات في الحياة المعيشية ترتفع، والراتب يبقى كما هو، ولذلك أصبح الكتاب هو آخر هَمّ المواطن العربي، وهذا انعكس سلباً على الناشرين، وكان، بصورة أو بأخرى، أحد أسباب هذا التأزُّم الموجود بين الناشر والمؤلف. إذا كان هناك كتاب يُباع ويُوزَّع، وعليه إقبال جماهيري، فكيف يخسره الناشر. الناشر يسعى دائما للحفاظ على كتابه من مثل هؤلاء، فهو ليس له أي استعداد ليخسر أقلامه التي تلقى إقبالاً ورواجاً كبيريْن. ولكن الأزمة الحقيقية تكمن في الجانب المادي الذي هو مُتَبادَل بين الطرفيْن. فالناشر إذا لم يوزع كتاب المؤلف، فمن أين سيدفع للكاتب. فدور الناشر، هو دور خطير، لأنه يضحي بكل ما يملك من غالٍ ونفيس لديْه، ويستطيع أن يمضي شيكات، ويطبع على الدَّيْن، ويتحمَّل الضغط المادي والمعنوي، في سبيل أن يوصل هذا الكاتب للقارئ.. لديَّ دائماً مقولة أرددها، وهي أنَّ الناشر يصنع الكاتب، والكاتب يصنع القارئ. والقارئ هو من مسؤولية الكاتب وليس الناشر. فالكاتب حين يكون له قلم جيد، واستطاع أن يربي أجيالاً جديدة على القراءة، فهنا هو ساهم في توسيع مساحة القراءة، وهذا أيضاً دور الناشر بما يقدمه من أعمال، وما يطرحه في السوق من أعمال تلقى رواجاً وقبولاً، من خلال أفكارها وقيمتها الفنية والفكرية والإبداعية. عندما نعود إلى التوترات الحاصلة بين الناشرين والمؤلِّفين، فهي دائما تعود للجانب المادي، وهذا بدوره يعود إلى الإقبال الضعيف على القراءة، وعلى الكِتاب، وهذا بقدر ما ينعكس على الناشر، فهو ينعكس على الكاتب، هو الآخر، وهنا الكاتب لا يثق في ما يقوله الناشر له، بصدد ضعف وتدني المبيعات، التي لا تغطي مصاريفه الكبيرة.
علاقة الناشر بالكاتب علاقة التباس
في البداية لا بد من الاعتراف بقاعدة أساسية تجمع مابين المؤلف ومابين الناشر من جهة، وما بين الجمهور والناشر والمؤلف من جهة ثانية، وهذه القاعدة مفادها: إن الكاتب في حاجة الى الناشر، وإن الناشر بدوره في حاجة إلى المؤلف، وهما معا في حاجة إلى جمهور يستهلك منتوج الناشر ويقرأ عمل المؤلف، في الوقت الذي تكتمل فيه هذه القاعدة الثلاثية الأبعاد، نستطيع أن نقول بأن ثمة مجتمع قارئ يخلق التوازن المطلوب الذي يعطي مكانة للمؤلف ويمنح للناشر إمكانية هائلة في تطوير صناعة الكتاب، والحال أن هذه العلاقة في البلاد العربية وفي المغرب خاصة غير متوازنة، بالنظر الى ندرة القراءة وندرة الجمهور القارئ حتى بين المتعلمين المتخرجين من الجامعات، ومن ثمة لا نستطيع أن نقول بأننا نمتلك مجتمعا قارئا، فقط لدينا قراء هم وحدهم ذوي الفضل لاستمرار نشر الكتاب، وبالتالي فلن نلوم لا الناشر الذي يعمل بدوره في ظروف غير مشجعة ولا الكاتب الذي يكاد عمله يكون مجانيا غالبا، شخصيا لم أجد صعوبة في التعاقد مع ناشر كتبي في المغرب، أعني بالضبط كميل حب الله صاحب دار إفريقيا الشرق الذي أنوه بمجهوداته في تطوير صناعة الكتاب بالمغرب وبحرصه على وضوح علاقته بالمؤلف، كما أننا في مركز الأبحاث الفلسفية دخلنا في فترة زمنية لبضع سنوات في نشر أعمالنا التي بالرغم من عدم جودة الطباعة عرفت نجاحا نسبيا على مستوى التوزيع والقراءة لا سيما وأن سابريس آنذاك كانت موزعا جيدا، وقد كان المرحوم محمد صبري محتضنا لهذه التجربة، وقد تمكنا من خلال منشورات المركز من توطيد علاقات فكرية هامة سواء داخل المغرب وخارجه.
عندما نعود إلى القاعدة السابقة ونجد بأن الخلل الناتج عن عدم وجود مجتمع قارئ لأسباب تاريخية، تتمثل في السياسات التجهيلية المتبعة في البلاد العربية التي تنتصر للثقافة الشفهية على حساب الثقافة المكتوبة، ندرك سبب تلك العلاقة المتوترة ما بين المؤلف وما بين الناشر الذي يسلك غالبا طرقا مغرضة يتحايل فيها على الكتاب، ومن ثمة قد يهضم حقوقهم، وإن كانت ثمة استثناءات نادرة، فالناشر العربي غامض وملتبس، يعد ولا يفي بوعده ويتملص من أداء حقوق المؤلف، ومع ذلك لا يمكننا أن نعتبر بأن الكاتب في غياب قاعدة متوازنة هو ضحية للناشر، لأن همه لا يتوخى الربح المادي بقدر ما يتوخى العمل على تأسيس مجتمع قارئ من خلال رأسمال رمزي هو دعامة لبناء أفق روحي لمجتمع ينتصر للإبداع ولقيم الحوار والنقاش العمومي، ليس المطلوب بالنسبة للمؤلف هو ما يكسبه من عائد مادي، ولكن المطلوب هو ضمان الحياة للأفكار أو لروح الفكر التي يمكنها في يوم ما أن تخلق مجتمعا يغدو فيه المؤلف متفرغا للكتابة التي تعيله، كما هو الشأن الآن في الدول الغربية التي مازال الكتاب الورقي يحتل مكانة هامة لا سبيل للاستغناء عنها.
دعم المؤلفين والإجراءات العقابية
في ما يتعلق بصيغة الدعم الجديدة التي أطلقت منذ ثلاث سنوات، حاولت أن تمس مختلف حلقات صناعة الكتاب، من الكاتب إلى الناشر، إلى مجالات البيع إلى القارئ. قبل إطلاق صيغة الدعم، الأعمال الصادرة، في العلاقة بالمؤلفين، تتجاوز ما يصدر عن دور النشر في المغرب، وهذا وضع غير مهني، لأن وظيفة ومهمة الكاتب أن يكتب، لا أن يوزع أعماله بنفسه، هذه مهمة الناشر بالدرجة الأولى، فمهمة الدعم تُوجَّه بالأساس لدعم صناعة الكتاب، باحترام كل حلقة من حلقات هذه الصناعة. هذا من ناحية المبدأ العام. أظن أن الدعم، مع هذا التراكم الذي تحقق لحد الآن، استطاع أن يتوجه إلى بعض الثغرات على مستوى الإنتاج المغربي، من بينها الكتابات الشعرية، فأغلب الناشرين كانوا يمتنعون عن نشر الشِّعر، وهذا كان وضعاً ملحوظاً جداً، وأغلب ما كان يُنْشَر من شعر، كان يصدر على نفقة أصحابه، فالدعم ساعد الناشرين على نشر الشعر المغربي، إضافةً إلى الترجمة. فدفتر التحمَّلات، في هذا الجانب، ينص على إعطاء الأولوية للكتاب الأول للكُتَّاب المغاربة، وأيضاً الترجمة. أما على مستوى تدبير العلاقة بين الكاتب والناشر، فدفتر التحملات ينص على ربط الدعم باحترام حقوق المؤلفين. إجرائياً نقوم بذلك، بربط شرط الدعم بالتوفر على عقد مع المؤلف، وهذا أمر ضروري الآن، لا يمكن التنازل عليه، فالدعم يُرْبَط بحقوق المؤلفين. صيغة الدعم، هذه، استطاعت أن تحُدَّ من التوتُّر بين المؤلفين والناشرين. على مستوى الوزارة، فنحن نأخذ بعين الاعتبار تظلُّمات الكُتَّاب، في حالة إذا كانت هناك تظلُّمات. ليست عندنا لحد الساعة تظلُّمات كثيرة، ولكن، في حالة غياب أي احترام لحقوق المؤلف، فدفتر التحمُّلات، ينص على إجراءات عقابية، بما فيها استرجاع الدعم، ووضع الناشر، في حالة التأكُّد من أنه لم يحترم حقوق المؤلف، ضمن اللائحة السوداء. سياسة الدعم، رفعت بشكل ملحوظ من الإنتاج، لأننا نحن، في دعم الكتاب، ندعم تكلفة الطباعة، وندعم التصفيف، وندعم لجنة القراءة، وحتى شراء الحقوق. والأمر يتضح في ارتفاع الترشيحات، ففي الدورة الأخيرة لهذه السنة، ارتفع عدد الترشيحات بشكل كبير، وهي ترشيحات جيدة، إلى درجة أن اللجنة استنفذت المبلغ المخصص للسنة كاملة والذي هو‪عشرة ملايين درهماً، ولذلك فنحن سنخصص خمسة ملايين إضافية خلال الدورة الثانية‬.
تبضيع الثقافة والإبداع في تفكير الناشر
العلاقة بين المؤلف والناشر، هي دائماً كانت علاقة تتَّسِم بالتَّوتُّر، قائمة على هذه المُفارقة، وعلى هذا التَّباُعُد المُفْتَرَض بين المؤلف وبين الناشر، على اعتبار أن المؤلِّف هو ذلك الشخص الذي عليه أن يُبْدِع، أن يكتب بدم القلب، والناَّشِر هو الذي يعمل على إخراج هذا العمل إلى حيِّز الوجود. وهي علاقة في الحقيقة، ينبغى أن تكون قائمة على أساس التَّكامُل، والتعاوُن الثقافي، لأن كلا الطرفَيْن في حاجة إلى الآخر. المؤلف تُسْعِفُه كلماتُه، ويكتب، وهذه حالة وضرورة، لكن كتابته لا يمكن أن تصل إلى القارئ في غياب الناشر. لذلك هذا التَّوتُّر غالباً ما يُطْرَح بسبب تضافُر مجموعة من الأسباب، منها وضعية القراءة في العالم العربي، على أساس أنها تُقاس حسب الأجناس، فمثلاً حين تكلَّم الناشرين وتطرح قضايا الأجناس الأدبية، غالباً ما لا يقبلون طبع ونشر الشِّعر، نظراً لغياب الإقبال على النص الشِّعري، ولطغيان الرواية أو الكتابات السردية، هذا الموضوع يُطْرَح اليوم كإشكال. المشكل الثاني، هو أنَّ الناشر دائما يُفَكِّر، بالدرجة الأولى، في حجم المبيعات، يفكر في هذا الإبداع كبضاعة تسويقية، قبل أن يفكر فيه كعطاء ثقافي للمجتمع، أو باعتباره ضرورة ثقافية في مجتمعاتنا. وهذا ما يجعل الهاجس الثقافي يكاد يختفي عنده، فتتدخل بدله هواجس البيع والشراء والأرباح، وهذا الأمر أصبح يتحكم في الأجناس التي يتم طبعُها، ويتحكم في طبيعة العقود التي يُجْريها مع الكُتَّاب، يتحكَّم كذلك في عدد النسخ التي يمكن أن يقدمها للكاتب وما ينبغي أن يحتفظ به لنفسه، مع العلم أنَّه ليس بالضرورة دائما هذه الرؤية القائمة على أساس الربح، أن تتحكم في المجال الثقافي، لأن هذا بالذات، هو مكمن الضعف، ومكمن التخلف والتأخُّر في أن تأخذ الثقافة المقام الذي يليق بها. الناشر والمؤلف، كلاهُما ينبغي أن يتعاون، وأن يُساهِم بما عنده من إمكانات ووسائل، حتى يصدر هذا العمل، وإلاَّ فما الجدوى أن نطرح ضرورة القراءة ومشاكلها في العالم العربي، فعلى الأقل، على الأطراف المشاركة أن تعي هذه المسألة، وتعمل على الخروج بنا من مآزقها. مسألة أخرى، هي أن المؤسسات والمراكز الثقافية المسؤولة عن إخراج هذه الأعمال الأدبية، والمسؤولة كذلك على الترويج للثقافة، عليها أن تعي بمسؤولية، هذه المسألة، لا نجد غالباً مؤسسات ومراكز تُوجِّه دور النشر أو تقترح عليهم كُتَّاباً وشعراء جددا يحتاجون للنشر، فدور النشر في أغلبها لا تتوفر على لجان قراءة، وحتى في حالة وجودها، غالباً ما تعتمد على الإخوانية والزبونية، في الاختيار. يعني ليست هناك رؤية واسعة، رؤية استشرافية يتم من خلالها اختيار المستقبل الثقافي، واختيار الكتاب والشُّعراء الجدد واقتراحهم على دور النشر بغض النظر عن كل العوائق التي يمكن أن تُطْرَح في طريقهم. كذلك هناك مفارقات كبيرة بين ما يجري في دور النشر في أوربا، وعندنا في المغرب، أو في العالم العربي، المؤلِّف كذلك ينبغي أن يستفيد من النشر، فلا ينبغي أن يقبل بنفسه ككاتب من أجل أن يستفيد الناشر فقط، هو أيضا له حقوق مادية، ينبغي أن يستفيد منها، وإلاَّ حتى هذا الإحساس، بأن يكتب ويضع كتابه بين يدَيْ الناشر وهو لا يعلم أي متاهة قد تأخذه، أو أي طبعة، مثلاً، بلغها عمله. هناك غياب وضوح كلي في طبيعة علاقة الناشر بالمؤلف، والناشر لا يرغب في الكشف عنها، ويُماطل، بدعوى غياب الإقبال، وغياب البيع، وهذا غير صحيح، لأنَّ الناشر لا يكشف عن حقيقة ما يجري بالضبط في هذه العملية كاملةً. كأنَّ الناشر يرغب في أن يبقى المؤلف خارج كل هذا، أو يقدم له الكتاب كهدية، لا غير. بعض الأسماء القليلة التي يبحث عنها الناشرون، لغرض في نفس يعقوب، كما يُقال، هي التي تحظى بامتيازات، باعتبارها أسماء رائجة، أو تجري في السوق بسهولة، والمسألة كاملةً، في نهاية المطاف، هي السعي وراء الربح المادي، دون النظر إلى المعنى الرمزي الثقافي والإبداعي الذي هو مدار وجود الناشر في حياتنا الثقافية والإبداعية.
كريم السليكي: معرض الكتاب لهذه السنة أقل مستوى من حيث المبيعات وزيارة المهتمين
كريم السليكي قال ل«لمساء: رهاننا أن نصل إلى العالمية وأن تكون دار النشر السليكي حاضرة كاسم وازن في عالم النشر
كريم السليكي هو أحد المشرفين، إلى جانب أخويه طارق وخالد، على دار النشر السليكي إخوان بطنجة، التي عرفت مؤخرا بفضل مساهمتها ومواكبتها وعملها على نشر وتوزيع الإصدارات الإبداعية المغربية في كل المجالات. كما عملت هذه الدار على إصدار كتب متنوعة ومتعددة، مع تشجيع الشباب على النشر، في محاولة للوقوف على أهم الإنتاجات الثقافية والفكرية التي عرفها المغرب في الفترة الأخيرة. التقينا به بمعرض الدار البيضاء الدولي في دورته ال 22 للنشر والكتاب، وأنجزنا معه هذا الحوار في محاولة للوقوف على المحطات الأساسية التي شكلت هوية واستراتيجية هذه الدار، مع الإحاطة بأهم القضايا التي تخص النشر والتوزيع بالمغرب، انطلاقا من تجربة ميدانية.
– دار النشر السليكي إخوان بطنجة دار حديثة، لكنها استطاعت أن تجد لها مكانا ضمن دور النشر المعروفة، كيف ولجت الدار هذا المجال ونافست دور النشر الأخرى؟ وما هو الرهان الذي جعلها تصبح إحدى دور النشر المتميزة في المغرب؟.
كانت بداية دار النشر السليكي إخوان بطنجة في أواخر التسعينيات، وهدفنا كان هو الدخول إلى عالم النشر كحلم تبناه أخي الأكبر خالد السليكي، بحكم أنه كان مثقفا ويحب الكتاب والنشر. هذه البداية كانت صعبة كتجربة خاصة لأننا كنا نجهل عالم النشر والطرق المتبعة لامتهان هذا المجال، فدشنا أول تجربة لنا في النشر مع المبدع والكاتب حسن المنيعي، الذي نشرنا له كتابا بعنوان «المسرح والسيميولوجيا». أما رهاناتنا فكانت الوصول إلى العالمية، والتعريف بالثقافة المغربية خارج الحدود، والاهتمام بمنطقة الشمال المغربي كذلك لأن دور النشر هناك تكاد تنعدم. ونظرا لتمركز أغلب دور النشر بالدار البيضاء والرباط، كان لا بد من احتضان عدد من المثقفين والكتاب المهمشين بمنطقة الشمال المغربي، وبفضل مساعدتهم تمكنا من تجاوز المرحلة الأولى بصعوباتها وعثراتها لنفرض أنفسنا في عالم النشر.
– في إطار مشاركة دار النشر السليكي في الدورة ال22 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، كيف تبدو لك هذه المشاركة هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية؟
معرض الكتاب لهذه السنة هو في الحقيقة أقل مستوى بالنسبة للسنة الماضية، من حيث المبيعات وزيارة المهتمين من الزوار، فحضور دور النشر في هذا المعرض لم يتغير باستثناء غياب دارين للنشر، ثم إن المكان الآمن في العالم العربي الذي تقصده دور النشر في الفترة الحالية هو المغرب، فكان ضروريا حضور أغلب هذه الدور في هذه الدورة من معرض الدار البيضاء، وأعتقد أن غياب بعض دور النشر كسوريا وليبيا راجع إلى ظروف الحرب القائمة هناك. أما بالنسبة لإجراءات التسيير والتنظيم من طرف وزارة الثقافة فقد كانت جيدة.
– تعرف حركة النشر في المغرب منذ سنتين دعما من طرف وزارة الشؤون الثقافية، كيف تقيم، كناشر، هذا الدعم؟
في الحقيقة، كان لوزارة الثقافة دور أساسي في تشجيعنا عن طريق هذا الدعم الذي خصصته لعالم النشر، وهو ليس دعما للناشر أو الكاتب بقدر ما هو دعم للكتاب. ورغم أن هذا التشجيع المادي بسيط، فإنه مهم، إذ يساهم في نشر أكبر عدد من الكتب بسعر أقل. أما بالنسبة للسنة الحالية فقد كان الدعم أهم من السنوات الماضية.
– ألا ترى بأن الخاسر الأول والأخير في إطار هذا الدعم هو الكاتب، بما أنه لا يحصل إلا على حصة قليلة من المردودية المادية، مع العلم أن المنتوج الفكري والثقافي بصفة عامة هو المحرك الأساسي لدور النشر؟
هذا مشكل حقيقي يتطلب نوعا من المصالحة والتكتل بين أربعة أطراف، هم: الكاتب والناشر والموزع والقارئ، لأننا نحمل المسؤولية لبعضنا البعض، مع العلم أن هذه المسؤولية مشتركة، فكل واحد فينا يتحمل قسطا منها، خاصة أننا نعيش مشكلا مشتركا، فالكاتب يحصل على حقوقه المناسبة حسب رأينا كناشرين، لكنه يرى الأمور من زاوية أخرى مقارنة بالغرب. أما فيما يخصني، فالهاجس الأول الذي يتملكني هو ضمان استمرارية دار النشر، من خلال التوزيع والبحث عن إمكانية البيع التي لا تعود فقط مردوديتها على هذه الدار، بل على العاملين بها من تقنيين وموزعين… وفي بعض الأحيان ولمدة ثلاث سنوات لا يفوق ترويج الكتاب نسبة عشر نسخ في جل نقط البيع، مما يسبب تعثرا وفتورا على المستوى المادي.
– وإلام ترجع هذه الأزمة، في نظرك؟ هل إلى ضعف الإقبال على الكتاب والقراءة، أم لأسباب أخرى؟.
لا يمكن أن نحمل هذا العجز للقارئ وحده، بل لكل الأطراف المعنية، التي ذكرناها سالفا، إلى جانب الدولة التي تتحمل هي الأخرى قسطا من مسؤولية، والتي يجب أن تشجع بوسائلها وإمكانياتها الكتاب، عن طريق تحفيز الجمعيات ودعمها لشراء الكتب كما يحصل في دول أخرى، مع الاهتمام بالطفل منذ البداية كنواة تشجيعية، والعمل على ترسيخ ثقافة القراءة عند كل الفئات العمرية، والرهان عليها لتصبح من الطبقة المستهلكة للقراءة. وعندما نتكلم عن الدولة هنا لا نقصد فقط وزارة الثقافة، بل انخراط كل الوزارات المعنية كوزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية… لاقتناء كتب لمكاتبها على الأقل، بالإضافة طبعا إلى مساهمة المجتمع المدني.
– هل دار السليكي تنشر من أجل القيمة والإضافة الإبداعية والفكرية والفنية، أم من أجل التراكم الكمي فقط؟ وهل لديها لجنة قراءة فيما يخص اختيار المبدعين والكتاب الذين تقترحهم للدعم؟.
هناك جانبان، الجانب المادي والجانب الفكري. أكيد نبحث عن كتاب ومبدعين حقيقيين لهم نصوص متينة في الدراسات والشعر والفكر…، ولهذا السبب لا نعتمد على التراكم، بل على أسماء وازنة بمواضيع ذات أهمية، مع إطلالة بين الفينة والأخرى على مبدعين شباب متميزين كرهان كذلك. لم تكن لدينا في البداية لجنة للقراءة، لكن بعد ذلك فكرنا في إنشائها منذ ثلاثة سنوات لكثرة الطلبات المتفاوتة على مستوى الجودة بالنسبة للمبدعين الشباب الذين يتوفرون على كتابات واعدة، وهي لجنة تتكون من مبدعين وكتاب في مستوى عال من المسؤولية.
– وكيف تتعاقد الدار مع المبدعين؟ وما هي نوع الدراسات والنصوص الإبداعية التي تفضل نشرها، خاصة أن نوعية النشر هي التي تساهم وتشجع، بل تسطر الخط الإستراتيجي لدور النشر ولنوعية القراءة في المجتمع؟.
أولا، نحن نهتم بالإبداع المغربي بصفة عامة وبدون استثناء، وبجميع أشكاله، سواء تعلق الأمر بالقصة أو الشعر أو الدراسات…، إلا أن الإبداع بشكل عام ضعيف من ناحية المبيعات، وبالنسبة للشعر أضعف، باستثناء الدراسات التي تعتبر مشجعة في الحقيقة، خاصة أن اهتمام باقي الدول العربية بها محفز أساسي على نشرها وتوزيعها، كما أنها تتصدر نسبة المبيعات بالنسبة لباقي الأجناس الإبداعية الأخرى، مما يساعد على ضمان استمراريتنا بما أن الأمر متعلق بما هو مادي كما ذكرنا في جواب سابق من خلال هذا الحوار، لكن بالمقابل لا يمكننا أن نغض الطرف عن الشعر، مثلا، لأنه ضرورة حتمية في وجودنا وكياننا وحضارتنا، رغم ضعف مبيعاته، وبهذا نحاول أن نخلق توازنات ثقافية باعتبار أن كل المكونات الثقافية تشكل الوجه الحقيقي والإيجابي للمشهد الإبداعي المغربي.
محنة المبدع بين الكتابة والنشر
موضوع الناشر والمؤلف أشبه بالراجل وسائق السيارة- أو حتى الشاحنة- كل منهم متذمر من الآخر، السائق يلعن الراجلين الذين يحتلون الطرقات والراجلين يلعنون السائقين، والسبب الحقيقي لهذا التذمر، من كلا الطرفين، يعود إلى الفوضى التي يعرفها المجال، مجال النشر والطبع والتوزيع، والتصور الذي يكونه معظم المؤلفين عن الناشر أو حتى صاحب المطبعة (عندما نقوم نحن بعملية تهييء الكتاب). موقعي يسمح لي بالحديث عن الموقعين باعتباري كنت كاتبا ومازلت قبل أن أصبح ناشرا. في تجربتي الأولى مع الطبع (فأنا كنت أجهل عالم الناشرين) لجأت، بعد مرور واحد وعشرين سنة عن صدور قصيدة لي سنة 1975 ب»العلم الثقافي»، إلى المطابع لنشر ديواني الأول سنة 1996. لم يكن الأمر هينا كما الآن، وكانت للكتاب مكانته، إذ نفدت ال 2000 نسخة من الديوان في وقت معقول… كان الأمر بالنسبة لي محصورا بين المؤلف وصاحب المطبعة، والأثمنة الباهظة لطبع كتاب أنت من سيقوم بتوزيعه على أصحاب الأكشاك الذين سيغبطونك حقك، سواء عن طريق نسبة الخصم أو طريق التماطل الممل الذي يدفعك إلى التخلي عن حقك مرغما… وطبعا كانت اللعنات تُصب على رؤوس صاحب المطبعة الجشع، والذي في آخر المطاف لم ينجز الطبعة بالشكل المطلوب، هذا لا يعني أن الأمر حقيقي في الكثير من الأحيان. وبعدها بدأنا نسمع عن الألاعيب التي يسلكها بعض الناشرين من غش وتلاعب لابتزاز الكاتب أو حتى سرقته… محاولة منا لخدمة الثقافة أنشأنا نحن ثلاثة كتاب دارا للنشر سنة 2010، وهنا سنطل على الجانب الآخر من هذه العلاقة الملتبسة، حيث يوجد نوع من الكتاب يسعون لإصدار كتبهم على حساب خسارة الناشر، يطالب بكل ما هو جيد ويترك لك كل ما هو سيء، فإلى جانب قيامك كناشر، لا يملك مطبعة، بتصحيح النصوص وتهيئتها للطبع، كوسيط بين المؤلف والمطبعة التي ستتسلم أتعاب الطبع، لتتحول مرة أخرى إلى وسيط بين المؤلف وشركة التوزيع التي ستخصم 45 أو 40 في المائة من المبيعات الضعيفة أصلا، فإن المطلوب منك أن تجلس الساعات الطوال أمام الحاسوب مدققا ومصححا، وبين مكتبك والمطبعة مراقبا نسبة الجودة، ومنها إلى شركة التوزيع حاملا الكتب، ثم باتجاه الصحف للإعلان عن الإصدار الجديد، ثم لتسجيل الكتاب قانونيا… من أجل نسبة 5 في المائة لا تغطي ثمن بنزين التنقلات. لحسن الحظ أننا في «كلمات» نعول على ماهية وظائفنا… ناشرون آخرون عليهم أداء أجور العاملين وغيرها، ومع غياب تنظيم دقيق لعملية نشر الكتاب، وعلى رأسها إنشاء شركة عمومية لتوزيع الكتاب، مادامت شركتا التوزيع الموجودتان ترفضان الكتاب المغربي عموما والأدبي على وجه الخصوص، ولهما إكراهاتهما طبعا. كما يجب تكوين أصحاب الأكشاك ومراقبة عملهم لأن جلهم يتسلم رزمة الكتب من شركة التوزيع ويرميها جانبا، لأن ما يهمهم هو الدخل اليومي السريع من الجرائد والمجلات… أن تكون ناشرا تملك مطبعة فأنت على الأقل تضمن مدخولا من عملية الطبع، التي لا تقتصر على الكتب فقط، مما يساعد على تغطية الخسارة في المجال الثقافي بأرباح المجال التجاري المحض. أما أن تكون ناشرا بدون مطبعة أو وسائط لتوزيع الكتاب فإنك بعد ست سنوات ستشعر بالإنهاك، خصوصا مع ارتفاع خسائرك… في علاقتنا مع الكتاب ابتكرنا شعارا : «أصدقاؤنا الكتاب شركاء لا زبناء» نشركهم في جل مراحل إعداد الكتاب للنشر، ونفكر الآن في خلق وسائط جديدة للتغلب على أزمة التوزيع، وعلى رأسها البحث عن شركاء في المجال الجمعوي للمساهمة معنا في توزيع الكتاب مقابل النسبة التي تأخذها شركة التوزيع، كما عملنا على نظام المناديب في الدول الأوروبية من أجل إيصال الكتاب إلى الخارج… هناك صعوبات جمة، لكننا بالرغم من ذلك راكمنا، على مدى ست سنوات، رأس مال معنويا يجعلنا نستمر في التحدي، رغم بعض العثرات…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.