طرحت مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد سؤالا جوهريا على اليسار المغربي خلال الندوة التي نظمتها نهاية الأسبوع الماضي بالرباط، يمكن تلخيصه في تساؤل مفزع عن مآل اليسار في المغرب. الندوة كما أوردتها ذلك الصحف التي نقلت بعضا من فعالياتها، ركزت على جرح 7 سبتمبر، كعلامة بارزة في تاريخ تراجع اليسار المغربي، لتحليل الأزمة التي يمر بها هذا اليسار اليوم. لكن هذا التاريخ ليس سوى الجزء البارز من جبل الثلج، وما خفي منه أعظم. لقد دقت نتائج 7 سبتمبر ناقوس الخطر الذي يتهدد الحياة السياسية بصفة عامة في المغرب وليس فقط عند اليسار، والكل يتذكر التصريحات التي صدرت عقب تلك الانتخابات، والتي شبهتها بالزلزال السياسي، وكان يعتقد أن ما ميز تلك الانتخابات من عزوف سياسي كبير لدى المواطن عن المشاركة السياسية كان سيعيد الوعي إلى الطبقة السياسية بكل أشكال الطيف الذي تمثله في المغرب، لكن شيئا من ذلك لم يحصل، وسرعان ما استكانت الأصوات التي كانت تنذر بحدوث الكارثة. وعادت الأمور إلى سابق عهدها بالتساكن مع رتابة الحياة السياسية التي لم يستوعب الفاعلون فيها رسالة 7 سبتمبر. لم تبادر أي من الأحزاب، خاصة اليسارية منها التي تملك ثقافة النقد الذاتي وأيضا لأنها كانت أكبر الخاسرين في تلك الانتخابات، إلى ممارسة نوع من النقد الذاتي الشجاع لمعرفة ما جرى، وبدلا من النقد الذاتي ارتفعت الأصوات التي تبرر الهزيمة بدلا من محاولة تشريح أسبابها لتجاوزها. إن أكبر أزمة يعيشها اليسار اليوم، في تصوري، هي أزمة غياب ثقافة النقد الذاتي في أدبياته، وانتكاسة 7 سبتمبر ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لأنه سبقتها انتكاسات أخرى، لكن ثقافة تبرير الهزيمة هي التي تنمي ثقافة النسيان عند مناضلي اليسار. ممارسة النقد الذاتي تبدأ بالإقرار بدور ومسؤولية الأحزاب اليسارية في ما آل إليه وضعها اليوم، فهي تتحمل مسؤولية كبيرة في فقدان المواطن للثقة في العمل السياسي، لأنها كانت تؤطر جزءا كبيرا من المواطنين طيلة أربعة عقود، وكانت قادرة على رسم توازنات مع تسلط السلطة القائمة، لكنها في لحظة ما تراخت وبدأت بمهادنة تسلط السلطة بدلا من مواجهتها. وقد بدأت تلك التنازلات منذ عام 1996 عندما صوت حزب «الاتحاد الاشتراكي»، باعتباره حاضنة اليسار المغربي، ب«نعم» بدون شروط على استفتاء ممنوح، وبعد عشر سنوات قبل نفس الحزب الدخول في حكومة تناوب توافقي، وأيضا بدون شروط، بل وبشروط أقل من تلك التي كانت تشترطها قيادة «الكتلة الديمقراطية» عام 1993. وبعد عشر سنوات من مشاركة اليسار في تدبير الشأن العام، استفاق الرأي العام على خيبة أمل كبيرة، هي تلك التي لخصتها لحظة 7 سبتمبر، وكان عنوانها الكبير هو أزمة الثقة في العمل السياسي. لكن لا ينبغي فقط أن نحمل اليسار كل تبعات هذه الأزمة وإن كان قد ساهم بشكل كبير في ترسيخها من خلال إذعانه أمام تسلط سلطة واحدة تحتكر جميع القرارات. الخروج من الأزمة الحالية، التي يمر بها اليسار، يمر أولا عبر ممارسته لنقد ذاتي شجاع، وعودته إلى مناضلي القواعد بخطاب جديد وتصور جديد لإعادة بناء القوة التي تجعله قادرا على المطالبة بسن تعاقد جديد بين القوى السياسية والمؤسسة الملكية، يعيد التوازن بين السلطات حتى تلعب كل سلطة دورها بشكل كامل يعيد الثقة إلى المواطن في العمل السياسي.