بعد تأسيس لجنة متابعة الشأن القنصلي في إسبانيا تقاطرت على تنسيقيتها العديد من المراسلات والشكايات تزودنا بالمزيد من ملامح التدني والتسيب، الذي تتعرض له مصالح المغرب والمغاربة في الخارج، وبعضها يفضح بالقرائن مدى استخفاف المسؤولين في سفاراتنا وقنصلياتنا بهذه المصالح، واهتمامهم باستغلال خمس سنوات من تعيينهم فى الفسحة والاستجمام. ومن أخطر الملفات التي تقضُّ مضاجع المواطنين المغاربة وتمُسُّ مصالح الدولة المغربية وسيادتها ملف التعاون القضائي بين المغرب وإسبانيا، الذي أطرته الدولتان ولو بشكل متأخر في اتفاقية ثنائية سنة 1997(اتفاقية التعاون القضائي بين المملكة الإسبانية والمملكة المغربية الموقعة بتاريخ 30 ماي 1997 المنشورة في الجريدة الرسمية الإسبانية بتاريخ 25 يونيو 1997) وكان لهذه الاتفاقية الفضل في تبسيط مجموعة من الإجراءات سواء في ما يتعلق بالحقوق المدنية لمواطني الدولتين أو ما يتعلق بالميدان التجاري والإداري. كان من أهم نتائجها واللقاءات التي أعقبتها تعيين قاضيين للاتصال في وزارتي العدل بكلا البلدين للسهر على تطبيق الاتفاقية وتفعيلها في كل مستويات الإدارة والمحاكم والمؤسسات في كل من المغرب وإسبانيا. ويمكن الجزم بأن توقيع هذه الاتفاقية كان من أهم ما أنجزته دبلوماسية البلدين سواء تعلق الأمر بمصالح الأفراد المدنية من إبرام عقود الزواج والطلاق وغيرها، تسهيلا لهذه الإجراءات بالنسبة لآلاف المهاجرين المغاربة، أو بالحقوق والمعاملات التجارية تسهيلا للاستثمار بين البلدين. لكن وللأسف اصطدم تطبيق هذه الاتفاقية من الجانب المغربي بعجز واضح من حيث المتابعة والتعريف وتسهيل تطبيق الاتفاقية ورفع الحيف عن المتضررين، وهو الدور الموكول لقاضية الاتصال المغربية التي كان من المفروض أن يظل مكتبها بمقر وزارة العدل الإسبانية، التي وبشكل مفاجئ استغنت عنها، وانتقلت إلى مقر السفارة المغربية بمدريد. وللتدليل على الغياب الملحوظ لقاضية الاتصال وانعدام لأي متابعة لهذا الشأن سواء من طرفها أو من طرف الدبلوماسية المغربية كما تنص على ذلك المادة 44 من الاتفاقية سنعرض مثالين أساسيين يؤرقان أفراد الجالية المغربية المقيمين بإسبانيا: الموضوع الأول يتعلق بإبرام عقود الزواج بين المغاربة وفقا للإجراءات المحلية لبلد الإقامة وينص الفصل 14 من مدونة الأسرة على شرعية هذه العقود وجواز تسجيلها لدى المصالح المغربية إذا توفر فيها شرط الإيجاب والقبول، إذا انتفت الموانع الشرعية، إذا لم ينص العقد على إسقاط الصداق وإذا ثبت حضور شاهدين مسلمين. لكن يتعذر على المواطنين المغاربة الحصول على نسخة من العقد الأصلي قصد إيداعه لدى المصالح القنصلية المغربية لمتابعة إجراءات التسجيل طبقا للمادة 15 من المدونة لأن القاضي الإسباني في بعض محاكم التوثيق يمتنع عن تسليمه، مكتفيا بتسليم شهادة إدارية تثبت فقط حالة الزواج، وهذه لا تسمح بالاطلاع على العقد الأصلي لمراقبة مدى توفره على تلك الشروط من عدمها. والنتيجة تكون طبعا عدم تسجيل العقد لدى مصلحة التوثيق وبالتالي حرمان الأبناء من التسجيل في الحالة المدنية وفي جوازات السفر وغير ذلك من الأضرار المترتبة عن ذلك. الأمر الذي كان يتطلب تدخل قاضية الاتصال المغربية للمطالبة بتفعيل اتفاقية التعاون القضائي وحل هذه الإشكالية أمام الجهات الإسبانية المعنية وتوضيح أي لبس أو خلل في هذا المجال، كما كان يتطلب تدخل القنوات الدبلوماسية في هذا الشأن كما تنص على ذلك المادة 44 من الاتفاقية. الموضوع الثاني يتعلق بالوثائق الشرعية المعفاة بموجب الاتفاقية المذكورة من التصديق كما تنص على ذلك المادتان 39 و40 منها، في الوقت الذي لازالت أغلب المصالح الإسبانية تُجْبر المغاربة على تصديقها وبالخصوص محاكم التوثيق، وهو الأمر الذي يُثقل كاهل المغاربة المقيمين في إسبانيا ويمس بمصالحهم ويخرق نصوص وروح اتفاقية التعاون القضائي التي ظلت دون تفعيل نتيجة تقاعس قاضية الاتصال في القيام بواجبها والتدخل لدى الجهات المعنية للمطالبة بتطبيق بنودها، وبتقاعس الدبلوماسية المغربية بمدريد عن متابعة هذا الموضوع ومطالبة مثيلتها الإسبانية بضرورة احترام الاتفاقية والتعاون في البحث عن حلول للمشاكل العالقة بتنفيذها أو تفسيرها من جهة أخرى. موضوع آخر يهدد مصالح المغاربة المقيمين في إسبانيا في الصميم ويتعلق باتفاقية ثنائية بين المغرب وإسبانيا في مجال معادلة رخص السياقة بالنسبة للمقيمين بصفة قانونية في البلدين، وهي الاتفاقية التي وقعها المغرب على عهد السفير المغربي السابق الأستاذ عبد السلام بركة والتي جمدت السلطات الإسبانية العمل بها دون مبرر سوى اتهام المغاربة بتزوير الوثائق وبتفشي الرشوة في إصدار الرخص معلقة بشكل انفرادي تطبيقها وحرمان آلاف المهاجرين من رخص السياقة الضرورية والحيوية للعاملين في القطاع الفلاحي، حيث تنعدم وسائل النقل العمومية. هذا الموضوع الذي كان سببا في إضرابات المغاربة في القطاع الفلاحي سنة 2000 و2001 بمورسيا وألميريا والذي يمس الآلاف من المهاجرين المغاربة لم يحظ إلى اليوم باستفسار من طرف دبلوماسيتنا لوزارة الخارجية الإسبانية كما لم تعمل سفارتنا على تفسير هذا الوضع وطمأنة المواطنين بأنها تتابع الموضوع عبر القنوات الدبلوماسية. لم يعد خافيا على أغلب المهاجرين والمواطنين بشكل عام أن خزينة الدولة المغربية التي نساهم جميعا في رصيدها تتحمل أعباء استثنائية في ميزانية سفرائها وموظفيها بالخارج، سواء تعلق الأمر بأجورهم المحترمة أو بالامتيازات التي يتسابق البعض على الفوز بنعيمها كما لم يعد خافيا أن أداء هذه الدبلوماسية صار من الرداءة وقلة المردودية ما أصبح يهدد المصالح العليا للدولة وسمعتها بين الأمم، ناهيك عن آثار ذلك على المصالح اليومية للجالية المغربية بالخارج. وليس سرا أن مداخيل القنصليات المغربية من الرسوم وأداءات التنبر وغيرها تمثل مدخولا هائلا لصندوق الدولة الذي ساهمت فيه مداخيل المهاجرين المغاربة في مدريد خلال سنة 2007 ب1. 291. 779 أورو، أي ما يعادل 14. 338. 746 مليون درهم. وهي أرقام استخلصناها بالإعتماد على الإحصائيات التي جاءت في جواب السيد عمر عزيمان سفير المملكة المغربية في مدريد ورئيس مؤسسة الحسن الثاني على التقرير الذي رفعته لجنة متابعة الشأن القنصلي إلى وزير الخارجية حول تدني الخدمات القنصلية (بالمناسبة، الرد لم يكن على اللجنة وإنما على جريدة لوسوارالصادرة يوم 19/03/08) والذي اقتصر على التصريح فقط بعدد الجوازات، البطاقات الوطنية، شواهد الولادة والوفاة وأخرى مختلفة. من هذه الأرقام التي صرح بها السيد السفير وبعيدا عن الرد الجدي على مراسلة وقعها الآلاف من المواطنين المغاربة استخلصنا هذه المداخيل التقريبية، والتي إذا أضفناها إلى مداخيل باقي القنصليات في إسبانيا وأوروبا تجدنا أمام أرقام خيالية لا تتناسب قطعا مع مردودية هذه القنصليات ولا أداء السلك الدبلوماسي المغربي في الدفاع عن مصالح هذه الفئة من المغاربة وعن المصالح العليا للوطن كما سلف وفصلنا في هذه المقالة. موعدنا في المقالات المقبلة مع مواضيع أخرى بنفس الحساسية والخطورة، يتعلق الأول باختصاصات الأعوان الديبلوماسيين والقناصل العاملين بالخارج ومدى تطبيق الإدارة المغربية في الخارج لظهير 20أكتوبر1969 ومرسوم تطبيقه، والثاني يتعلق بكارثة الطيات القضائية التي تتسبب في تعطيل قضايا الجالية المعروضة على المحاكم المغربية وتفويت عليهم فرصة الدفاع عن مصالحهم أمامها. هدفنا نقل صورة حقيقية للمسؤولين ولكل المساهمين في خزينة الدولة (المواطنون) عن حالة دبلوماسيتنا في الخارج، لعلنا بهذا نساهم في تقويم الاعوجاج وخدمة الوطن والانخراط حقيقة في مشروع الإصلاح تماشيا مع روح تقرير الخمسينية والتوصيات التي رافقته بإشراف، تزكية ودعم ملكي. توصيات تحمل من التوجيه ما يكفي لتنخرط الخارجية المغربية وممثلوها في الخارج في تفعيل هذه التوصيات بالاستماع للجمعيات الديمقراطية للمهاجرين والتعاون معها لإصلاح حالة التدني المشار إليها في تقريرمفصل رفعته لجنة متابعة الشأن القنصلي إلى كل من وزير الخارجية والوزير الأول ووزير الهجرة ورئيس المجلس الأعلى للهجرة دون جواب يذكر.