الخط : إستمع للمقال ===== بنكيران يحاول مرة أخرى أن يراهن على الرياح التي انطلقت من العدوان على غزة، وللتعبئة ضد السلطة في المغرب من باب «تازة قبل غزة» ولو اقتضى ذلك الذهاب بعيداً في التأليب ضد الوطن نفسه! ولنا أن نسأل لماذا اختار من بين كل الزعماء والقادة في العالم رئيسي الدولتين فرنسا وأمريكا اللذين يغيّران الآن من موازين القوة داخل مجلس الأمن لفائدة المغرب. ===== تداولت الوسائط الاجتماعية وقنوات التواصل العنكبوتية خرجات الأمين العام الجديد القديم لل«بيجيدي» عبد الإله بنكيران بخصوص تهجُّماته على المختلفين معه في تقدير مواقف من القضية الفلسطينية والقضايا الوطنية التي تحظى بالإجماع. أطلق العنان للغة السب والقذف، وأخذ من قواميس الحيوانات والحشرات والكائنات وحيدة الخلايا، ما يجعل المستمع يَحمرُّ خجلاً! فاستمر من أراد، وكرب من شاء، وذهب بعيداً في التشنيع عندما ربط أوصاف القدح والتبخيس بمن يقول «تازة قبل غزة»! وقال عنهم إنهم «حمير وميكروبات»، بعد أن استنفد عبارات التخوين واللعن ووعيد الويل والثبور وعذاب القبور! ومن المثير للسخط في الوسط السياسي والإعلامي، خارج الإخلال بالبنود الأخلاقية في النقاش العمومي، هو الاستعمال السيء لعبارة وردت في سياق مغربي خالص، بلا ظروف حرب ولا ظروف تقتيل، وتنسب في الكتب الكبرى التي تناولتها إلى المحيط الأعلى في سلطة البلاد. وهناك من يجعل منها خلاصة سياق يجمع بين العفوية والتضامن بين السلطات العليا في البلاد وأفراد من الشعب المغربي، كما تناقلتها الصحافة منذ ما يزيد عن عقد من الزمن. وتقول القصة، أن جلالة الملك محمد السادس التقى قبل سنوات في إحدى غابات إفران بفتاة صغيرة تقدمت نحوه قائلة: «جلالة الملك لا أطلب منكم شيئاً، لكن مدينتي تموت، أرجوكم أن تزوروا تازة حتى تتغير نحو الأفضل». وهذه القصة التي حكاها فؤاد عالي الهمة لفرانسوا سودان، مدير تحرير مجلة «جون آفريك» الصادرة بباريس، فالملك محمد السادس يطبق في أنشطته وتحركاته مقولة: «المغرب أولاً»... وهي عبارة تزامنت – فيما يبدو – مع رفض ملك البلاد احتضان القمة العربية ال27 التي انتقلت إلى موريتانيا، وقتها قال جلالة الملك إن موقفه «أملاه واجب التحليل الموضوعي المتجرد للواقع العربي، وضرورة التنبيه إلى المخاطر الداخلية والخارجية التي تستهدف تقسيم البلدان العربية، وذلك حتى نستنهض الهمم لمواجهة تلكم المخططات، ولاسترجاع سلطة القرار، ولرسم معالم مستقبل يستجيب لطموحات شعوبنا في التنمية ويليق بالمكانة الحضارية لأمتنا العربية». ولطالما كانت القمم موضوع مشاحنات عربية-عربية، وكان رفض الملك عنواناً لرفضه لهذه السلوكات العربية، ومما فهمه المغاربة أن الملك يعتبر أن الانكباب على الشأن الوطني في حالات التشرذم العربي له أولوية وأفضلية من الدخول في السجالات والصراعات العربية العقيمة. وكان هذا المعنى يُراد منه هذا البعد الإيجابي في التعامل مع القضية المركزية للعرب والمسلمين، والتي يتولى فيها العاهل المغربي الشق الأصعب والأكثر حساسية، وهو شق القدس والمقدسات الإسلامية فيها... في الصراع الذي فتحه بنكيران مع الكثير من الأطراف، يبدو أنه أراد إعطاء دلالة أخرى لكي يحلو له سب وشتم الناس، ومن ورائهم النيل من الذين يعتبرون الدفاع الوطني له أولوية في وقت التناحرات العربية حول القضية الفلسطينية. ولا يُراد منها أي موقف ضد غزة أو ضد الشعب الفلسطيني. ولا يمكن أن نفهم هذا التآمر إزاء عبارة لها سياقها إلا إذا أضفنا إليه عناصر أخرى من سلوكات بنكيران، يبدو فيها بعيداً عن الإيمان بأولوية الوطن! فقد سمح بنكيران لنفسه باستدعاء من كانوا ضد الوحدة الترابية، واستكثروا على المغرب المساندة الأمريكية للسيادة على الأقاليم الجنوبية، كما هو موقف الداعية الموريتاني، الذي عارض بالصوت والصورة الموقف الأمريكي المساند، بدون مبررات شرعية ولا دينية ولا قانونية.. في وقت جاء يدعو إلى النفير من أرض المغرب، من أجل الدعاية بفلسطين، ولعل رسالته التي أراد تمريرها تقول: «من هنا، من أرض المغرب، نقول بأن الصحراء ووطن الصحراء لا أهمية لهما أمام قضية حماس وغزة»! وهو الموقف أيضاً الذي سمح له بأن يدعو إلى المؤتمر سياسياً آخر من تركيا سمح لنفسه بتجاوز الشرعيات السياسية والدينية المغربية، ولم ينبس ببنت شفة بخصوص قضية المغرب المقدسة، لكنه ركب مركب فلسطينوغزة من أجل الدعوة إلى إسقاط السلطات الشرعية في البلاد... وهو نفس الموقف إزاء مسؤول قيادي في حزب النهضة التونسية، والذي لم يقدم أي اعتذار عن اجتهادات حزبه وقيادته في عزل المغرب، في تنسيق مع دولة العسكر الشرقية، ولم ينبس ببنت شفة هو نفسه في حق مغربية الصحراء ولا ارتباط المغرب بأقاليمه الجنوبية، والحال أن هذا الموقف كان أبسط شيء يمكن الحديث عنه في سياق مغاربي مشحون... إن الخيط الناظم بين انزلاقات عبد الإله بنكيران في احتفالات فاتح ماي، في مهاجمة من «سماهم أصحاب تازة قبل غزة» وهو يعرف المصدر والسياق، وبين مجريات المؤتمر التاسع الذي انعقد قبلها بأيام قليلة، هو التبخيس من قضية المغاربة، والتلويح بقضية فلسطين من أجل مكاسب داخلية وجعل مآسي شعب فلسطين حطب نيرانه السياسية كما يتوهم. ولعبد الإله بنكيران، للتلويح بالقضية الفلسطينية ضد مكونات المجتمع السياسية تارة، والغمز واللمز في اختيارات الدولة السيادية تارة أخرى... مآرب أخرى، كما في عكازته التي يتوكأ عليها! فقد راهن التيار الإسلامي منذ زمن بعيد، وعلى الدوام، على الرياح الآتية من الشرق كي تنفخ أشرعته السياسية، وتوجه دفة رغباته ومسيرته نحو السلطة، ولطالما جرت الرياح في الشرق بما تشتهيه قوارب البحث عن السلطة في الغرب. ولعل آخر قصة في هذا المسار الطويل هو ما جادت به رياح الربيع العربي، الذي تحول بفعل النظرة الأصولية إلى السلطة إلى خريف دمّر شعوباً وهدم دولاً. الرياح ذاتها أوصلت قوارب البيجيدي إلى السلطة، وقاد الحكومة لولايتين اثنتين... كما لم يحدث في أي دولة أو بلد عربي. لكن هذه التجربة الفريدة التي رعاها ملك البلاد وقبلها المغاربة بكل أريحية، لا يبدو أن زعيم سفينة البيجيدي قد استخلص منها الدروس التي يجب استخلاصها، ويحاول مرة أخرى أن يراهن على الرياح التي انطلقت من العدوان على غزة، وللتعبئة ضد السلطة في المغرب، ولو اقتضى ذلك الذهاب بعيداً في التأليب ضد الوطن نفسه! ولنا في هجماته على إيمانويل ماكرون ودونالد ترامب أحسن دليل، حيث خاطب الأول ووصفه ب«المدلول» والجبان الذي لا شرف له، لأنه لم يعترف بالدولة الفلسطينية، وهو يعرف بأن الرجل يسير في نفس الاتجاه العام في أوروبا، وسبق له أن اتخذ قرارات بوقف التسليح الحالي للجيش الإسرائيلي، مما جلب عليه عدوان تيارات مساندة لإسرائيل داخل بلاده وخارجها، في حين اتهم الرئيس الأمريكي بالسياسي المغرور..! ولنا أن نسأل لماذا اختار من بين كل الزعماء والقادة في العالم رئيسي الدولتين فرنسا وأمريكا اللذين يغيّران الآن من موازين القوة داخل مجلس الأمن لفائدة المغرب؟ ولماذا أراد أن ينتقل إلى الحرب الدبلوماسية على هاتين الدولتين بالذات، في حين أن الدبلوماسية مجال محفوظ للملك بمقتضى الدستور، ولاسيما وأنه كان قد تم تكليفه بالذهاب إلى موريتانيا لمعالجة الخطأ الذي سبق أن ارتكبه حميد شباط قبله في حق دولة ذات سيادة وجارة؟ إنه يعرف حجمه، ولكنه يريد الإساءة للقضية... كوسيلة للتفاوض (ربما...) على مكان تحت الشمس الانتخابية؟ ولكن، هل هذا كافٍ للإساءة إلى الوطن وإلى الشعب؟ الوسوم الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغرب ايمانويل ماكرون بنكيران عبد الإله دونالد ترامب فرنسا