توديع "عزي أحمد" بمقبرة المجاهدين بأجدير وسط تعبير كبير للمغاربة عن الحزن والأسى    استعدادات تنظيم النسخة الرابعة من الملتقى الجهوي للمقاولة بالحسيمة    ترقب بناء وتجهيز داخلية لفائدة المتدربين بالمعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية بتارجيست        "ميتا" تطلق إصدارا جديدا من "إنستغرام" لأجهزة "آيباد"    "آبل" تتيح نموذجي ذكاء اصطناعي مجانا    لشبونة.. مصرع 15 شخصا وإصابة 20 آخرين إثر خروج عربة قطار سياحي عن مسارها    الدرك الملكي بأزلا يوقف مشتبها في سرقته لمحتويات سيارة إسعاف    رحيل "عيزي أحمد" يٌفجّر تسونامي من التعليقات وموجة حزن على المنصات الرقمية وعائلته تواريه الثرى بمقبرة المجاهدين بأجدير    القضاء يدين ابتسام لشكر بالسجن 30 شهرا بتهمة "الإساءة للدين"    ليلة الحزن في الحسيمة.. رحيل "عيزي أحمد" تاركاً ناصر ورفاقه خلف القضبان    إدانة ابتسام لشكر بسنتين ونصف حبساً نافذاً    "الأسود" يواصلون التحضير للقاء النيجر    ذكرى المولد النبوي .. نور محمد صلى الله عليه وسلم يُنير طريق الأمة في زمن العتمة    باحثة فرنسية تهاجم "لوموند" وتنتقد "أكاذيبها" حول الملك محمد السادس في رسالة لماكرون    بنسليمان.. انطلاق عملية انتقاء وإدماج مجندي التجريدة ال40 للخدمة العسكرية    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر    ملء السدود يستقر بداية شتنبر بأمل تباشِير تساقطات الموسم الفلاحي    هاجس تقليص "هجرة الممرضين" يتصدر نقاشات وزارة الصحة والمهنيين    "البام" يدعو إلى زيادة مقاعد النواب إلى 450 ولائحة وطنية للكفاءات    ورزازات.. توقيف نصاب انتحل صفة مسؤولين عسكريين وأمنيين للنصب على أشخاص عبر وعدهم بوظائف            تحويلات الجالية المغربية تسجل رقما قياسيا ب119 مليار درهم سنة 2024    نتنياهو يصف رئيس وزراء بلجيكا "بالضعيف" عقب قرار الاعتراف بفلسطين    فيفا: سوق الانتقالات الصيفية يحطم رقماً قياسياً بأكثر من 9 مليارات دولار    دولة أوروبية تحظر بيع مشروبات الطاقة للأطفال دون 16 عاما    ميناء العرائش .. تراجع بنسبة 6 في المائة في مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي    جمعية ساحة الفنانين تطلق مخططها الاستعجالي لإنقاذ مايمكن إنقاذه    المهراوي يبدأ تجربة جديدة في روسيا    فرنسا تصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد ومسؤولين سابقين لاتهامهم باستهداف صحفيين عام 2012    هدية غير متوقعة من عابر سبيل    ترامب يتهم الصين وكوريا الشمالية وروسيا بالتآمر ضد أمريكا        عزل رئيسة جماعة بإقليم بنسليمان            خصاص خطير في أدوية السكري بمركز اتروكوت يهدد حياة المرضى    تصفيات مونديال 2026.. المنتخب المغربي يواصل تحضيراته بواقع حصتين في اليوم استعدادا لملاقاة النيجر    الألماني غوندوغان يلتحق بغلطة سراي    كيوسك الأربعاء | إطلاق 694 مشروعا جديدا لتعزيز خدمات الصرف الصحى    الرئيس الصيني: لا سلام عالمي دون اقتلاع جذور الحروب وبناء علاقات متوازنة    دراسة تكشف أهمية لقاح فيروس الجهاز التنفسي المخلوي لكبار السن    شرب كمية كافية من السوائل يساعد على تخفيف التوتر        الولايات المتحدة تعلن تحييد "قارب مخدرات" قادم من فنزويلا    غموض مستقبل حمدالله بعد رغبته في الرحيل عن الشباب السعودي    أمينوكس سعيد بالحفاوة الجماهيرية في مهرجان السويسي بالرباط    تكهنات بانفصال لامين يامال عن نيكي نيكول بعد حذف الصور المشتركة    وجبات خفيفة بعد الرياضة تعزز تعافي العضلات.. الخيارات البسيطة أكثر فعالية    "الحر" يطلق جديده الفني "صرا لي صرا"    80 فنانًا من دول مختلفة يشاركون في المعرض الجماعي للفن التشكيلي بتطوان    اختصاصي في جراحة العظام يكشف فوائد المشي حافي القدمين        الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    ليالي العام الهجري    جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التلازم بين السطحية والعمق

إن السطحية التي تعد ظاهرة في ممارسة أي فكر، تعتبر ظاهرة كونية، تنتظم جميع الكون ومخلوقاته المختلفة، بحيث يجوز لنا الحديث عنها في المحسوسات والمعنويات وفي الماديات والغيبيات على السواء.
وكل مصنوعات الإنسان وإبداعاته في شتى المجالات لا تخرج عن قانون الظاهر والباطن، بحيث يكون الباطن أساسا للظاهر، والذي يظل دائما تابعا له وأقل فائدة ونفعا منه، ويتأسس على هذه السنة الإلهية في المخلوقات والمصنوعات كلها، أن تظل قيمة الشيء كامنة في باطنه، وأن يكون الباطن حاكما ومهيمنا على الظاهر، لا يشذ عن هذه القاعدة المطردة والسنة الجارية شيء في الأرض والسماوات.
وسطحية الفكر أخذت هذا الوصف من النظر إلى البناء العمراني من جهة السطح فقط، والذي لا يستطيع النفاذ إلى معرفة ما ينطوي عليه ذلك البناء من مرافق وكيفية تصميمها وزخرفتها، وما بداخلها من بشر وأثات وغير ذلك من الخفايا والأسرار.
ولابد هنا أن نلاحظ بأن البناية هي التي تحمل السطح، وإذن فهي المسؤولة عن وجوده وبقائه، بحيث إذا انهارت أعمدتها خر السقف من فوقها ولم تقم له قائمة، ولا يخدش في مكانة الأعمدة من البنيان كون السطح مسؤول هو أيضا في الدرجة الثانية، عن سلامة البناية من التصدع والخراب، بمنع الرياح والأمطار من التسرب إلى الداخل وتدميره.
فكل شيء يملك لبا هو أهم ما فيه، ويملك لبابا يكون هو ما يبرز منه للعيان، وقد يصرف جمال ظاهره العقل عن الالتفات إلى لبه، وتخصيصه بما يناسب قدره من العناية والاهتمام.
فلباب الشجرة يتجلى في الجذع والأغصان والأوراق، ولبها هو ثمارها التي غالبا ما تتوفر هي الأخرى على لباب أو قشرة ليست لها إلا فائدة قليلة، ولبها الذي يفيد فائدة كبيرة يطلبها الزراع والمنتجون والمستثمرون من وراء غراسة تلك الشجرة وإنتاجها. وقد يختلف الأمر نوعا ما بالنسبة للفواكه التي ينتفع بلبابها ويستغنى عن لبها مثل التمر، لكن يكفي النواة نفعا أنها تختزن برنامج ومقومات استنبات غرسة أخرى تثمر من جديد، وهي التي يحفظ بداخلها جميع خصائص الشجرة التي تعرف بها، ولذلك فإن العلماء البيولوجيين عندما يرومون تغيير مظهر الشجرة أو ثمارها يتوسلون إلى ذلك بتدخلات معينة يحدثونها على مستوى النواة.
فالنواة تتطور في التراب لتصبح جذرا خفيا عن الأنظار وعنه تتفتق النبتة التي تتحول إلى شجرة جديدة ممتدة في الهواء باسقة الثمار، والمسؤول عن كل هذه التحولات هو النواة التي صارت جذرا لهذه الشجرة.
أليس الإنسان ذاته هو أبهر مثال لثنائية الظاهر والباطن واللب واللباب والسطح والعمق والقلب والقالب؟ فالروح المنفوخة في الجسد هي باطن الإنسان وأشرف وأسمى ما فيه؛ لأنها المسؤولة عن تحمل أمانة الاستخلاف في الأرض، وما تقتضيه من ممارسة واسعة للحرية والاختيار، وفعل الصلاح والفساد، وتحمل تبعات الأفعال في الدنيا والآخرة.
ومن التطبيقات الشرعية في هذا الصدد، أن الله لا ينظر إلى صورة الإنسان، وإنما إلى قلبه: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ" [صحيح مسلم]، فلا قيمة للعمل الذي يؤديه الجسد بجميع جوارحه في حد ذاته، ما لم يكن بإخلاص من القلب وقصده العبودية لله وابتغاء مرضاته.
كما قال الشاعر:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته فأنت بالقلب لا بالجسم إنسان
فأفعال القلب التي تمثل باطن الإنسان مثل الفكر، لها ظاهر وباطن، وغالبا ما يتجلى ظاهرها في فعل الجسم؛ مثل القيام بالأركان التي تخول لفاعلها صفة الإسلام دون الإيمان، الذي يشكل العمق القلبي لجميع التكاليف الشرعية، "قالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" [بسورة الحجرات، الآية: 14].
فالعمل الظاهر لا يعطينا إلا صورة سطحية عن حقيقته المختفية في أعماق القلب، والتي حملت على وجوده وقيامه، حتى يظل القلب مسؤولا عن الفعل وليس الجسم الذي يتولى إنجازه في الواقع المعاين.
فالكلام مثلا فعل ظاهره الألفاظ وما يتركب منها من مضمون، ينطوي على أخبار ووعود وإرادات والتزامات ومعلومات، وعمقه هو الصدق الذي قد يجدي في كشفه التحري والتدقيق والتحليل العلمي وقد لا يجدي شيئا. فالصدق القلبي درجة أولى من المسؤولية تتجلى في البداية على هذا المستوى، وأما الدرجة الثانية من المسؤولية فتتجلى على مستوى العمل حينما يطابق القول ولا يزيغ عن مقتضياته.
فإذا تساءلنا لماذا خص الله الجنس البشري بالفكر من دون باقي الحيوانات؟ كان الجواب العميق هو لأن الله طوقه بحمل أمانة الاستخلاف العظمى، والتي لن يكون لها أي مغزى دون القدرة على التفكير لبلورة موقفه منها قبولا ورفضا، والتزامه بأعبائها وفاء أو ضياعا، فجميع المهام الاستخلافية تتوقف على الفكر فهما وتفاعلا على أوسع نطاق.
وكان الجواب السطحي هو ما سوى ذلك من المذاهب والفلسفات الوضعية الفاقدة للعمق الإيماني المبني على الوحي الصحيح، ولهذا فإنها تستحق صفة السطحية وإن اشتملت على تنظيرات معقدة، لكونها قد تنتهي إلى مسؤوليات أبسط وأحط درجة، وأقل نفعا من مسؤولية الاستخلاف في شقها الإيجابي -والذي نعني به تحمل هذه الأمانة والتزاماتها العملية– لا في شقها السلبي والذي يعني جحدها والتنكر لها اعتقادا وعملا.
فهل يحق لنا أن نطلق وصف السطحية على كل فكر لا يبحث في مسؤوليات الإنسان ولو في حدودها الدنيا؟ وهل السطحية أنواع ودرجات متفاوتة؟ ذلك ما سنتطرق إليه في حلقة قادمة بحول الله.
والحمد لله رب العالمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.