مَهزَلة محمد زيان.. يَستجدي التضامن من المُتمرنين والمُبتدئين    المنتخب النسوي لأقل من 17 سنة يفشل في بلوغ المونديال    ميناء الحسيمة يستقبل أول رحلة ل"مرحبا"    االمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يدعو إلى ترشيد استهلاك الماء واستعماله بشكل مسؤول ومعقلن    عودة فريق الدفاع الحسني الجديدي للدوري المغربي الاحترافي الأول لكرة القدم : تألق وإصرار يجسدان العزيمة والإرادة    عامل الجديدة الخمليشي.. رجل الظل الذي كان له الفضل في عودة الفريق الدكالي إلى قسم الصفوة    إيطاليا تفرح بفوز صعب على ألبانيا    "لبؤاتU17" يفشلن في بلوغ المونديال    الجالية المغربية بفرنسا.. عيد أضحى وسط زوبعة سياسية غير مسبوقة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ثمانية من جنوده في عملية رفح    فيدرالية اليسار تستنكر إغلاق ممرات عمومية تؤدي لشواطئ المضيق    الكهرماء يدعو إلى ترشيد استهلاك الماء    الأكاديمي شحلان يبعث رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة .. "ما هكذا تؤكل الكتف"    القنصلية العامة للمملكة المغربية ببروكسل تحتفل بالذكرى الستين لتوقيع الاتفاقية الثنائية لليد العاملة بين المغرب وبلجيكا    المواشي المستوردة تضعف الإقبال على أسواق الأضاحي بالجنوب الشرقي    للنهوض بمستقبل رقمي شامل ومنفتح وآمن في القارة الإفريقية.. المغرب يعلن عزمه تقليص الفجوة الرقمية    إرشادات بسيطة لعيد أضحى صحي وسليم.. عن تناول وجبات العيد وطرق الطهي الصحية    بريطانيا : خبراء ينوهون بجهود المغرب لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية    تقرير وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة يكشف عن جودة مياه الاستحمام ورمال الشواطئ المغربية لعام 2023    فوز صعب لحامل اللقب إيطاليا على ألبانيا في اليورو    بعدما فشل في حصد اللقب.. نابي يستعد لمغادرة الجيش الملكي    هل تعمّد الرئيس الفرنسي معاملة تبون كطفل في قمة مجموعة السبع؟    أطروحة بالإنجليزية تناقش موضوع الترجمة    تصنيف متقدم للجامعة الدولية للرباط    ضابط أمن وزميلته مقدم شرطة يواجهان اتهامات بالفساد    لفتيت يفوض صلاحيات جديدة للولاة والعمال    الملك محمد السادس يهنئ عاهل المملكة المتحدة    "مغربيات الفوتصال" يهزمن منتخب غرينلاند    أزيد من مليون و833 ألف حاجا وحاجة ضيوف الرحمن هذا العام    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 37 ألفا و296 شهيدا منذ بدء الحرب        ترجمة "خطبة عرفة" إلى 20 لغة لتصل إلى مليار مستمع حول العالم    اللجوء إلى المبيت في العراء بسبب نقص الخيام يثير غضب حجاج مغاربة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    خطيب المسجد الحرام يطالب الحجاج بالدعاء للفلسطينيين    "الأمن" الملف الثقيل في علاقات المغرب والولايات المتحدة    "الجسر الثقافي بين المغرب وإيطاليا"، معرض للصور الفوتوغرافية يحتفي بالخصائص الثقافية بين البلدين    بوركينا فاسو تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    خضع لحصص كيميائية.. تفاصيل جديدة حول وضع الفنان الزعري بعد إصابته بالسرطان    بورصة البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الانخفاض    صديقي: المغرب اعتمد سياسة استباقية لتحسين النجاعة المائية في خدمة السيادة الغذائية    مغاربة يقصدون "كوستا ديل صول" لقضاء عطلة العيد بدل ممارسة شعائر الاضحية    إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة .. معالجة 1173 إشعارا بالغش سنة 2023    "الصردي".. سلالة تحظى بإقبال كبير خلال عيد الأضحى    الحجاج يدعون لغزة في يوم عرفات    الحجاج يقفون على جبل عرفة    مؤنسات الحرم.. لماذا يطلق هذا الاسم على نساء مكة يوم عرفة؟    مقتل مهاجم حفل في "يورو 2024"    مغاربة يواصلون الاحتجاج تضامنا مع غزة    حفلٌ مغربي أردني في أكاديمية المملكة يتوّج دورات تدريبية ل"دار العود"    النشرة الأسبوعية.. 27 إصابة جديدة ب "كوفيد-19"    إرشادات مهمة لعيد أضحى صحي وسليم..    الفنانة بطمة خالة للمرة الثالثة    ‬المؤرخ ‬عبد ‬الله ‬العروي ‬يحلل ‬ويناقش ‬ويعلق ‬على ‬خطب ‬الملك ‬محمد ‬السادس ‬ويكشف ‬خلافه ‬مع ‬الديبلوماسية ‬المغربية    " الوادي الكبير" بانُوراما روائيّة مُشوِّقة ومُؤلِمة عن الأندلس    التعاون الثقافي بين الرباط وبكين يجمع بنسعيد بنظيره الصيني    دسم احتفالية عيد الأضحى يحتاج الحيطة للعناية بالصحة    مخاوف ‬في ‬أوساط ‬علمية ‬عالمية ‬من ‬انتشار ‬فيروس ‬يعيد ‬شبح ‬كورونا..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهدر المدرسي يزداد مع الأيام شراسة
نشر في ميثاق الرابطة يوم 27 - 01 - 2012

يبدو أنه كلما تنفس المراهقون والمراهقات الصعداء، إلا ووجدت الأسر والمدارس نفسها مرة أخرى تتردى في أزمة لا يدرك أبعادها إلا الله والراسخون في العلم من المتخصصين في فهم العوائق التي تحول وبين كثير من الناشئة متابعة دراستهم العلمية والتقنية أمام هذا الهدر المدرسي الذي يزداد مع الأيام شراسة فيشتد الضيق بكل مخلص، ويتضاءل الأمل في جدوى ما يقدم من برامج ومناهج ملوثة مما يجعل الاتهامات تتصاعد لتطال الأسر والمدرسين وهم البرءاء من كل ما يخل بالمنظومة التعليمية، ناسين أو متناسين أن السياسات التي تحرك قطار التعليم المتعثر أصلا تضع المثبطات على السكة للحيلولة بينه وبين الوصول إلى المحطة التي ينتظرها الجميع.
وإذا كان من الإنصاف أن ينسب الفضل إلى أهله فإنه عندما نتحدث عن الأسر والمدرسين نجدهم يبذلون جهودا مضنية في بناء أجيال، وتنامي ومتابعة مواصلة إبحارها إلى آفاق أوسع وأرحب، وكثيرا ما تضيع هذه الجهود لنجد أنفسنا ضائعين في متاهة، والمرام بعيد، ومع هذا لا يزال لنا أمل كبير في تحرك جديد وفعال لمواكبة التجديد المبدع رغم خطورة الأوضاع القاتمة القاسية.
وعلى عكس ما يتوقع خصوم الأجيال الصاعدة من اليمين واليسار، ولسوف يظل الصراع قائما بين الأوفياء للبنين والبنات والساعين لتكميم الأفواه وتقييد السائرين وتكبيلهم، ولقد كان السلف الصالح يعطون أكثر مما يأخذون، وهؤلاء ينغصون على هذه الأجيال حياتها، والتلويح بها كشظايا أغصان مبعثرة، ومواسير متفجرة، ويعلم الله أنه بدون نمو تعليم كما وكيفا ستبقى الأفكار المقدمة مجرد حبر على ورق، بل تبعية مجنونة والتهاث، وارتهان يدفع إلى الهروب إلى أحضان العقم والردة، وتبديد جهود مخلصة والرمي بها في مزبلة نفايات التاريخ، وإنه بدون تنمية المراهقين وغير المراهقين فلا سبيل أن نصبح طرفا فاعلا في تيار العلم والمعرفة والمهارة والخبرة.
وعلينا أن نتوقف قليلا عن المضي وراء ما يرى من متناقضات، لنلقي نظرة على واقع هذا التعليم البئيس في مدارسنا التي تئن تحت المشاكل المختلقة، وقبل أن نقلب صفحات ماضية، وأن نتطلع إلى آفاق مستقبلية لتحقيق النهضة، فلنوجه هذا السؤال إلى كل غيور على الناشئة: من قال إن الأجيال الجديدة عقيمة؟ إن فيها كفاءات توازي كفاءات الأجيال الماضية وتزيد، لكن الذين يرعبهم شعار المعرفة للجميع يودون حرقها بهدر متعمد وبشكل سريع، ليخلو الجو للأصنام القديمة، والأصنام التي تنحت من جديد وهو موقف من يريد تخدير العقول لكسب الوقت لهم ولأولادهم وأحفادهم وأصهارهم وصدق الله العظيم إذ يقول: "إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في ضلال مبين" [الاَنبياء، 52-54].
ومهما تعلق هؤلاء بهذه القيم التافهة المخالفة للنقل والعقل والمناقضة لكل منطق، فالرجال الذين يسعون لتحقيق حلم الرفاهية العلمية والمعرفية للبنين والبنات، قفزوا على عديد من التجارب والخبرات الإنسانية التي نال فيها أصحابها قدرا وافيا من العدالة الاجتماعية، دفعوا ثمنه كثيرا من الدماء والدموع، والعاقل اليوم هو ذاك الذي يدفع بالأسر والمدارس إسباغ رعايتها وحمايتها على البنين والبنات وسط هذا الجنون من الهدر المقيت، ولتحقيق حلم يملأ فيه العدل الاجتماعي كل بيت من بيوت الأمة، وخلق مستقبل للأجيال المتعاقبة بلا دموع ولا ألم.
وأنا من فوق هذا المنبر أوجه النداء إلى كل غيور يسعى لإنقاذ الأجيال من أنات ذل الجهل وشقاء الهدر المدرسي، إلى من له اهتمام بوضع حجر تأسيس بنيان حياة نهضة الأمة المرتقبة، إلى الذين نعلق عليهم الأمل بإنارة السبيل للخلاص من هذه الرزايا، وبما يلائم العصر الحاضر وتطويع الضمائر لتسمع صوت الحق والواجب، لتصل الكلمة الرشيدة إلى القلوب الواعية، فيتولد الأمل وتورق الحياة المدرسية ولا يبقى مكان للمحن والقطيعة المفروضة على المراهقين والمراهقات من تلامذتنا الأبرياء الذين استنكفوا مقاعد الدراسة واختاروا مشوار الهدر القبيح، لبتر أعضاء عزيزة من جسدنا مما جعل الظلام الحالك يسد ما بيننا وبينهم الأفق، وقد كنا نعلق إنارة جو الأمة على جِدهم وكفاحهم وإخلاصهم، لكن أعظم المصائب ما أصاب الأجيال المراهقة وهي تخطو في بداية الطريق، وأفدح الرزايا ما أضعف شباب الأمة وهي تتأهب لتخوض غمار الحياة، ورغم غرابة ما يقع من غبار في مفترق الطرق من الحيرة والتخبط لسد الطريق أمام من يسلكها، ولقد جرب المضي في عدة طرق فوجدنا أنفسنا وجها لوجه مع التيه، وقد خسر أبناؤنا وبناتنا كل شيء: الأب والأم والوطن، فامتطوا صهوة التمرد، وشقوا عصا الطاعة، واتخذوا لنفسهم مسارا آخر باعوا فيه مقعد الدراسة بأوكس الأثمان، فانقطعت صلة البنين والبنات بعالم الدراسة والأسرة من ينتبه ويدق جرس الإنذار؟.
وعندما تستوقفنا هذه الظاهرة؛ فإننا نقول أن بداية هذه الأوجاع والعذاب الانفصال القطعي بين المراهق الشارد ومجتمعه وعالمه، وهموم أمته فالجرح ينكأ ويتسع الشرخ في لحظة طيش ليعشعش الخوف في ذهن هؤلاء المشردين فيفقدون الأمان ليعيشوا مع الهزيمة واليأس والقنوط، غير شاعرين بالصخور التي تدميهم وهو يدورون في ليل طويل يلفه الظلام.
فتصور معي أخي القارئ الكريم آلام الأب والأم وهما ينظران إلى عصارة كبديهما يهوي في الهاوية إلى القاع وصدق الله العظيم إذ يقول: "اِن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا" [المزمل، 17].
والأمة حاضرا تود أن ترى من أبنائها وبناتها الأكفاء من يحمل ثمرة العلم والمعرفة في حنان، ووجوه تحمل الأمل في مستقبل مشرق للوصول إلى أصل الحياة، وما الحياة بالنسبة للأمة إلا بنون وبنات يتدفق من فكرهم وعقلهم ماء الحياة عذبا زلالا نقيا يروي العقول والقلوب العطشى، ويحول صحراء الأمة إلى جنان مثمرة وحقول تملأ سماء الأمة وأرضها خيرا وبركة حتى يتسنى لذي الإصلاح المحافظة على المصابيح التي تضيء طريقها والقوى التي ترعى قيمها وتقاليدها وعقائدها وأفكارها، وما الحياة بأشد حاجة إلى نور الإسلام وأخلاقياته كحاجتها اليوم، إذ تبين عجز الحضارة الحديثة العرجاء من أن تمنح الإنسانية السعادة والهدوء يوم ارتكست في حياة مادية لائكية ملأت أرض البشرية قلقا وضياعا وتمزقا، وبان عجزها من أن تمنحها قيما روحية وأخلاقية ترسي بها سفينتها التي تصارع الأهوال في شاطئ النجاة وبر الأمان، وإن رياح التغيير سوف تصنع بأفكار وسلوك الذين يعملون بقوله تعالى: "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين" [الاَنبياء، 89].
ومشكلة المراهقة بمعناها الشائع مشكلة عالمية الكل يعاني منها وهي مشكلة ضخمة وعويصة، وفترتها مليئة بالجراح والأحزان، وسيظل جيلنا موصوما ومدانا ما لم يكفر عما جرى للأجيال الضائعة من المراهقين والمراهقات؛ ولأن التاريخ لا يقف عند لحظة أو مرحلة، ولذلك ففرصة التكفير ما زالت قائمة، والساحة تتسع لبناء الكثير فوق خرائب العقول المهدرة والمدمرة ورغما عنها، والناجح هو من يحسن الاختيار ويعبد الطريق أمام السائرين، والتفرغ لمطالب المراهقين مداه ليس ببعيد للحسم والقرار السريع، ولا وقت للتردد لإزاحة الضغوط الجديد منها والقديم والمشكلة كلما تحدد مسارها سهل تخطيها بمفاهيم وطرائق جديدة.
والله الهادي إلى سواء السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.