عرف المغرب في السنوات الأخيرة أرقام مهولة على مستوى الجريمة ، خاصة على مستوى الأحداث بحيث يشكل الأحداث نسبة جد مهمة تستحق الوقوف عليها و دراستها هنا نطرح التساؤل ما هي أسباب و الدوافع التي تدفع القاصر إلى ارتكاب الجريمة؟ الجريمة قانونا تأخذ إحدى بعدين اثنين , إما أن تكون جريمة إيجابية تجسيدا لفعل مادي مكتمل الأركان , وإما أن تأخذ بعدا سلبيا عبارة عن ترك لما أوجب القانون القيام به. وفي حالة الجرائم المتعلقة بالأحداث سيكون من الأفضل الابتعاد عن القانون في معالجة الظاهرة لأنه لا يهتم بمعالجة الظاهرة الإجرامية مُعالجة دقيقة تفكك الأسباب وتدرس نسيجها بالشكل الذي تعالجه علوم الاجتماع على سبيل المثال , فالحقل الحقيقي للبحث في مثل هذا الميدان هو علم الاجتماع بالدرجة الأولى. وبنظرة جد بسيطة على جوهر الموضوع سنجد أن الجريمة تختلف باختلاف الدول , فهي في الدول النامية مثل المغرب تأخذ أبعادا متنوعة ومتشعبة يصعب السيطرة عليها , وفي دول متقدمة تأخذ أبعادا أخرى مختلفة يمكن السيطرة عليها بشكل كبير وبأساليب جد حديثة تساهم فيها تراكمات من البناء ولمدة عقود , اللهم أن معظم الجرائم المعروفة مثل الاعتداء المادي المفضي لعاهة أو اعتداءات السرقة والاغتصاب يجمع بينها جميعا خيط مهم وهو وجود فراغ نفسي واجتماعي من نوع ما يدفع بالشخص إلى الانتقام من نفسه أولا ومن المجتمع برمته ثانيا. ولهذا فجرائم الاغتصاب على سبيل المثال تغدو أكثر الجرائم انتشارا وذيوعا في دول العالم الثالث التي يسود فيها توسع طبقي متوحش وانعدام للعدالة بين طبقات المجتمع الواحد . حيث الهشاشة الاجتماعية عامل يصبح مؤثرا في صناعة جرائم من نوع خاص يكون للأحداث فيها نصيب كبير ومهم للغاية نظرا للخصوصية النفسية لهؤلاء والتي تبدأ في سن مُبكر تستشعر فيه هذه الفئة داخل بنيتها الاجتماعية الشبه ميتة ما يحيط بها من تهميش ممنهج , فتضطر أمام حماسة المراهقة إلى بلورة ما تشعر به في الشارع العام مُباشرة كتعبير عن السخط الاجتماعي وكبلورة لمشروع وُلد ميتا من الأساس , حيث أن غياب أية بدائل تبني شخصية هذا الحدث وتعطيه ما مُنح لأقرانه من أبناء الأثرياء , حيث غياب المسارح ومعاهد موسيقية على سبيل المثال وغياب ملاعب للقرب ( كرة قدم سلة تنس .. وغيرها .. ) كلها تجعل الحدث في مواجهة مباشرة مع الشارع أمام خلو الساحة من أي فضاء يحتضن إبداعاته ويستخلص طاقاته التي قد تكون علمية أو أدبية أو فنية أو رياضية وغيرها , فالإنسان في نهاية المطاف لا يُولد من رحم أمه مُجرما. هنا نتحدث تحديدا عن منتوج وُلد ميتا , بل وُلد من الأساس لكي يكون مشروعا انتقاميا من الدولة و المجتمع .. ولهذا يصبح من الطبيعي أن تنشغل مجتمعات العالم الثالث والمغرب إحداها بمواضيع الجنس على سبيل النموذج كأحد المواضيع التي تنفجر فيها ظواهر متفجرة من قبيل التحرش والاغتصاب والتي يلعب فيها جميعا القاصرون أدوارا كبرى حيث يكون ضروريا ملئ الفراغ الكبير بظواهر بديلة يكون التهميش حطبها الأول والأكثر ثقلا من أي مسبب آخر….