بعد مسيرة 8 يوليوز في الدارالبيضاء، ها هي مسيرة أخرى أكبر نظمت الأحد 15 يوليوز بالرباط، تطالب، بدورها، بتحقيق انفراج سياسي بالإفراج عن معتقلي الريف وتصفية الأجواء. الآلاف صدحت حناجرهم وسط شارع محمد الخامس بالشعارات، مطالبين بالحرية للمعتقلين. أتوا من مدن مختلفة رغم المنع الذي طال عددا منهم للحؤول دون وصولهم إلى الرباط. مسيرة جمعت في صف واحد قيادات يسارية في فدرالية اليسار على رأسها نبيلة منيب، إلى جانب العدل والإحسان على رأسها محمد العبادي وفتح الله أرسلان وغيرهم، إلى جانب الحقوقيين عبد الحميد أمين والمعطي منجب وعبد الله حمودي، وغيرهم. الجميع رفعوا شعارا واحدا هو «الحرية للمعتقلين»، وأتوا للمشاركة تلبية لنداء عائلات المعتقلين. قيادات الأحزاب التقليدية وغير التقليدية غابت. حزب الاستقلال «المعارض»، الذي زار أمينه العام منطقة الريف ووصف الأحكام بالقاسية، وأطلق فكرة المصالحة مع الريف، غاب عن المسيرة. ولم يكن معتقلو الريف وحدهم ضمن شعارات المسيرة، إنما أيضا رفعت لافتات وشعارات تطالب بحرية الصحافيين توفيق بوعشرين وحميد المهداوي القابعين في السجن، ورفعت لافتات «الصحافة ليس جريمة»، وأخرى تذكر بقضية معتقلي جرادة: «المجد لشهداء الرغيف الأسود.. الحرية لمعتقلي جرادة». ما هي رسائل هذه المسيرة الحاشدة التي تعد استمرارا لحالة الغليان الاجتماعي منذ صدور أحكام الريف؟ أولا، المسيرة استمرار لإعلان رفض الأحكام «القاسية» التي صدرت في حق المعتقلين، والتي وصلت إلى 20 سنة سجنا، وإعلان للتضامن مع الصحافة وكل الفئات المجتمعية التي خرجت تطالب بحقوق اقتصادية واجتماعية. لا حاجة إلى التذكير بأن أحكام الريف كانت محل انتقاد أيضا من شخصيات حزبية، سواء في الأغلبية أو المعارضة، وحتى من بعض الوزراء. الرسالة الثانية فحواها أن هناك حالة من القلق المجتمعي عبرت عنه المسيرة، جراء تدهور الوضع الحقوقي. في بداية السنوات العشر الأخيرة، عاش المغرب انتعاشة حقوقية، وأصبحت الاحتجاجات جزءا من المشهد اليومي، على غرار عدد من الدول الديمقراطية، وكانت السلطات تتعامل معها بعقلانية، لكن، في السنوات الأخيرة، ضاق صدر السلطات، ولجأت إلى سياسة القمع والمنع، بمبررات مختلفة، مثل مبرر خطر الانفصاليين في الريف، أو خطر التمويلات الأجنبية في حالة بعض الجمعيات الحقوقية التي جرى التضييق عليها بمبرر تلقي تمويلات من الخارج. ثالثا، مشاركة أطياف سياسية مختلفة ومتناقضة فكريا وسياسيا وإيديولوجيا، والتصريحات التي صدرت عن رموز مختلف هذه الأطياف الداعية إلى توحيد النضال من أجل الحرية والديمقراطية، تعني أننا بصدد تشكل جبهة يسارية إسلامية بعيدة عن الأحزاب التقليدية، تضم أحزاب فدرالية اليسار والعدل والإحسان وجمعيات حقوقية ووجوها من حركة 20 فبراير. أي أننا بصدد حركة فبراير جديدة في طور التبلور مدعومة بقلق مجتمعي عام. فرغم أن حركة 20 فبراير أنتجت دستور 2011، وربحت البلاد معها وثيقة دستورية جيدة، لكن المشكل برز في الممارسة التي أدت إلى إضعاف الأحزاب وضياع استقلال قرارها وتراجع السياسة، وهو ما يشكل خطرا على الدولة التي تحتاج إلى أحزاب قوية وديمقراطية حقيقية. السؤال المطروح هو: لماذا وصلنا إلى هذا الوضع وحشرنا البلاد في هذا المأزق؟ وهل هناك أمل في تحقيق انفراج قريب وتصفية الأجواء، واستيعاب رسائل مسيرتي 8 و15 يوليوز، وإطلاق نفس ديمقراطي جديد؟.