بعد أقل من سنة على مغادرته قصر الإليزيه الرئاسي، في حفل تسلم وتسليم "السلطة" لخلفه إيمانويل ماكرون، أصدر السياسي الاشتراكي ورئيس الجمهورية الفرنسية السابق، فرونسوا هولاند، كتابا تحت عنوان "دروس السلطة" les leçons du pouvoir، يسلط من خلاله الضوء على تجربته السياسية في فترة الأعوام الخمسة التي قضاها في سدة الحكم. كتاب هولاند الجديد "دروس السلطة" الصادر عن "دار ستوك"، تضمن استعادة مفصلة لولاية الرئيس الفرنسي السابق، التي انتهت بأن أصبح أول زعيم فرنسي في التاريخ الحديث لا يسعى لإعادة انتخابه وتجديد ولايته، والأجدر بالذكر أن هولاند أوضح في مقدمة الكتاب الذي استهله بالتفاصيل والمشاعر الذي رافقته خلال الساعات الأخيرة لمغادرته الإليزيه، (أوضح) أنه اتخذ قرار إصدار هذا الكتاب، بالضبط يوم حفل تسليم السلط، ولعله يحاول من خلال هذا الكتاب "التفسير والتبرير وقول كل شيء، قبل أن تنسب له أشياء.. والتاريخ لا يرحم". الرئيس الفرنسي السابق فرونسوا هولاند، لا يفوت أية فرصة لانتقاد القوانين الصارمة المفروضة، على رئيس الجمهوية خلال فترة الخمس سنوات الرئاسية، والتي يعتبرها كبلته وصادرت حريته كإنسان وكمواطن ثم ك"رئيس عاد". ويعتبر هولاند أنه "وبدون أدنى شك تترك مجالا قليلا وشبه نادر للأوقات الشخصية والخاصة، وغالبا ما تكون قصيرة جدا وتنقطع بسبب الضرب المستمر للأحداث، كنت أتخيل في البداية أنني سأوفق بين الأمور العامة والخاصة وسأفصل بينهما، كما فعل بعض أسلافي، مساء أعود إلى المنزل، ثم أخرج مرة أخرى مترجلا لأتمشى في باريس أو أذهب إلى المسرح، ولكن هذا وهم كبير. فالرئيس لا يستطيع فعل هذا، أو بالأحرى لا يستطيع ترك منصبه، أو الابتعاد كثيرا". هولاند يعترف بأن جلوسه على كرسي الرئاسة سلبه حريته، وأصبح يعيش وفق برنامج محدد لا يستطيع تجاوزه أو حتى تجاوز نفسه، عكس الرؤساء السابقين الذي يعتبرهم الزعيم الاشتراكي "رجالات الدولة الأكثر حظا"، والسبب في هذا هو "التهديدات الأمنية التي تتطلب جهاز حماية ثقيل، فمجرد السير في الشوارع يتطلب توفير فريق من الحماية المتخفية". ويتذكر هولاند أنه وفي احدى المرات القليلة التي خرج فيها إلى الشارع، وجد نفسه في موقف طريف، عندما اضطرت شرطية وشرطي لعب دور حبيبين بالرغم من كونهما عكس ذلك، فقط من أجل جذب انتباه المارة وتحقيق الأمن للرئيس خفية. "ذهابي إلى المسرح أو دار السينما، يتطلب إعدادا كبيرا، يبدأ بمعرفة غرفة العرض بشكل مسبق، إزالة الألغام، زرع مخبرين وأمن مختف في كل الأماكن المجاورة وبين الجمهور، الأسلحة أيضا تكون حاضرة وجاهزة للاستخدام، هذا دون أن أذكر تجهيزات الرحلات الرسمية التي تتطلب احتياطات أكبر، ونقل معدات كبيرة وثقيلة من الجمهورية، وسرعان ما اقتصرت حياتي الخاصة على المباني العامة". وفي وصفه لمعمار الإليزيه الداخلي، والذي عاش به على مدار الخمس سنوات، يقول هولاند إن الشقق تقع في الطابق الأول من الجناح الغربي، وتتميز بأنها مريحة وعملية وأنيقة ولكنها عتيقة، غرفة معيشة كبيرة مظلمة، مكتب صغير، غرفتان رصينتان مع نوافذ عالية، ممر طويل مزين برسومات على سبيل الإعارة من المتحف الوطني، دقيقة واحدة يكون الرئيس في مكتبه، حيث يعمل 13 أو 14 ساعات كل يوم، يخصص للرئيس موظف بالإليزيه ذو خبرة كبيرة، مهمته تنظيم الحياة اليومية للرئيس، وتحديد برنامجه، دون مضيعة للوقت". كلب هولاند هدية من المحاربين الكنديين حسب التقليد، يقدم المحاربون الكنديون لكل رئيس فرنسي جديد كلبا من نوع لابرادور، بعد كل رحلة يقوم بها إلى مقاطعة كيبيك الجميلة، وهولاند لم يكن قطعا استثناء. "امرأة شابة على باب الإليزيه قدمت نفسها آنذاك وأحضرت لي كلب لابرادور أطلقت عليه اسم فيلا، على اسم جزيرة مصرية والتي هي أيضا عملية فنية لوكالة الفضاء الأوروبية للهبوط على سطح المذنب، وصحيح هبطت الكلبة فيلا أيضا في الإليزيه وكانت حيوانا في ملكية جميع موظفي الإليزيه، وبعد ذلك بقليل، أنجبت 10 أنواع من الجراء تم وضعهم واحدا تلو الآخر مع المتعاونين معي أو الأصدقاء الطيبين، قبل بضعة أشهر من مغادرة الإليزيه، اقترحت خدمة الاتصال الخاصة بي أن أسمح للصحافة بالتقاط صورة للقاء فيلا الأم بأبنائها… أشعر أن الفرنسيين لديهم مودة خاصة للحيوانات الأليفة. لكنني رفضت، بالنسبة لي، يحق لهم خصوصياتهم". حنين لزوجته القديمة في قصر الإليزيه توجد أيضًا "صالة رياضية مفتوحة لجميع الموظفين، لم تكن مزدحمة بحضوري، غرفة سينما تتسع لأربعين شخصًا، وحضانة مفتوحة لجميع الموظفين الموجودين يتركون بها أطفالهم خلال اليوم، ما يضيف لمسة من الصراحة على جو العمل هذا. قضيت وقتا لآخر مع قليل من الحنين إلى الماضي، وتذكرت أياما عندما كانت هنا سيجولين رويال، ثم كوني مستشارا للرئيس ميتران، يقود بلدنا في سن صغيرة جدا. في ذلك الوقت، أعترف، كان تقاسم المهام العائلية كما نقول اليوم "بين الجنسين". وكانت سيجولين رويال أما رائعة، لم تأخذ نصيبها". بعد مضي أزيد من سنة على مغادرته قصر الإليزيه، يوضح هولاند أن "الرئيس ليس في منزله في الإليزيه، إنه ضيف الجمهورية. هو مجرد عابر، ومستأجر لمدة خمس سنوات، إلا في حالة تجديد عقد الإيجار. لذلك رفضت أي تحول باهظ الثمن. قام جورج بومبيدو، فاليري جيسكار ديستان، بتعديل زخرفة القصر لتكييفه مع ذوقهم، هذا في وقت سابق، أما اليوم فتكلفة الإصلاحات في القصر هي مصلحة عامة وتولي مهمة التدقيق فيها لمحكمة مراجعي الحسابات".