بعد أقل من سنة على مغادرته قصر الإليزيه الرئاسي، في حفل تسلم وتسليم "السلطة" لخلفه إيمانويل ماكرون، أصدر السياسي الاشتراكي ورئيس الجمهورية الفرنسية السابق، فرونسوا هولاند، كتابا تحت عنوان "دروس السلطة" les leçons du pouvoir، يسلط من خلاله الضوء على تجربته السياسية في فترة الأعوام الخمسة التي قضاها في سدة الحكم. كتاب هولاند الجديد "دروس السلطة" الصادر عن "دار ستوك"، تضمن استعادة مفصلة لولاية الرئيس الفرنسي السابق، التي انتهت بأن أصبح أول زعيم فرنسي في التاريخ الحديث لا يسعى لإعادة انتخابه وتجديد ولايته، والأجدر بالذكر أن هولاند أوضح في مقدمة الكتاب الذي استهله بالتفاصيل والمشاعر الذي رافقته خلال الساعات الأخيرة لمغادرته الإليزيه، (أوضح) أنه اتخذ قرار إصدار هذا الكتاب، بالضبط يوم حفل تسليم السلط، ولعله يحاول من خلال هذا الكتاب "التفسير والتبرير وقول كل شيء، قبل أن تنسب له أشياء.. والتاريخ لا يرحم". طلب الرئيس الأمريكي مهلة لأخذ "موافقة" الكونغرس قبل التدخل العسكري، اعتبره هولاند دليلا على أن امتلاك السلطة لدى بعض الديمقراطيات، أقل بكثير مما يشاع وما يعتقد على العموم، في حين أن "الرئيس الفرنسي هو الوحيد في العالم القادر على اتخاذ قرار دون الحاجة إلى التشاور أو طلب إذن مع برلمانه مسبقاً". قرار أوباما باستشارة الكونغرس، فتح أبواب جهنم على الرئيس هولاند، في البرلمان الفرنسي، حيث ارتفعت أصوات أحزاب اليمين أسوة باليسار للمطالبة بتنظيم مثل هذا الإجراء في الجمهورية، الأمر الذي رفضه هولاند بشكل قطعي، "رفضت، واعتبرت أنه ليس لدي الحق فقط في إشراك قواتنا العسكرية في العمليات التي أراها مناسبة.. احتفظت بهذا الامتياز الرئاسي لصالح من سيخلفني على رأس الجمهورية فالاستسلام للتشاور المسبق مع البرلمان كان سيحرم الرئيس من القدرة المستقبلية على اتخاذ القرار والعمل بشكل ميداني وعملي في هذا العالم الخطر الذي نعيش فيه". وحمل الرئيس الفرنسي السابق، مسؤولية الوضعية الكارثة التي تعيشها سوريا، للتهرب الأمريكي من التدخل، "كما كنت أتوقع أن التهرب الأمريكي سيتسبب في تأثير كارثي في المنطقة، روسيا انتهزت الفرصة، ودخلت في اللعبة، حيث قرر فلاديمير بوتين لعب دور الوسيط، من خلال دفع نظام بشار الأسد إلى الالتزام بتدمير منشآته الكيميائية وإخلاء المخزونات، بوعد قدمه ولم يف به كونه مجرد تظاهر بالطاعة، حيث أظهرت النتيجة أنه احتفظ ببعض الأسلحة المحظورة، وأنه سيواصل استخدامها فيما بعد". وتأسف هولاند لما آلت إلية الأوضاع في سوريا، مشيرا إلى أن التدخل العسكري كان من شأنه تغيير مسار الأحداث، "كانت فرنسا مستعدة لذلك، وكنت أملك سلطة القرار بفضل مؤسساتنا، غير أن تراجع حلفائنا الأمريكيين والبريطانيين عرقل العملية برمتها، وفرنسا لم تكن تستطيع التدخل بمفردها دون تفويض من الأممالمتحدة". اتخذ الرئيس الفرنسي السابق، فرونسوا هولاند، مجموعة من القرارات المهمة إبان فترة ولايته التي شهدت الكثير من المطبات والعراقيل، واضطرته في نهاية المطاف إلى عدم الترشح لولاية رئاسية ثانية، ولعل هذا ما دفع الرئيس الاشتراكي، لتخصيص تبويب في كتابه "دروس السلطة"، تحت عنوان "اتخاذ القرار" يسلط من خلاله الضوء على حصيلة قراراته المصيرية والكبيرة خلال السنوات الخمس، خاصة تلك المتعلقة بالتدخل العسكري الفرنسي في مالي. فلسفة قرارات هولاند يسلم هولاند بفكرة أن "سمعة المرء تعيش أطول منه"، غير أنه يؤمن أيضا بنظرية "التشكيك" في المتداول، معتبرا أن السمعة الجيدة لكل شخص موضع شك مادامت مبنية على الإطراء الذي يكون في كثير من الاحيان غير مستحق ومبالغ فيه، وذلك بسبب "الشائعات التي يعود لها الفضل في ذلك الشعور الفطري بالقرار"، يقول هولاند معتبرا أن "تردد هذا النوع من الناس مؤشر لحسابات بارعة، ومماطلتهم تحيل لمهارة عليا، وفي بعض الأحيان هم أكثر إثارة للجدل بدون مبرر، فبالنسبة لهؤلاء، التأمل موسوم بختم التخلف والحكمة، التي تفسر على أنها علامة إحراج، فبالنسبة لهؤلاء الأهم هو إثبات قدرتهم على اتخاذ القرار"، يقول هولاند. وفي محاولة منه للدفاع عن تلك القرارات الكبيرة التي اتخذها إبان فترة زعامته السياسية، يقول الرئيس الفرنسي السابق إنها كانت هادفة إلى التجميع وليس التفرقة، "اعتدت على تفضيل التوازن على الجرأة، والحوار على السلطة، والحكمة على الدهشة، بالرغم من أن الظروف كانت تتطلب الجرأة والسرعة والحزم"، يقول الزعيم الاشتراكي، مضيفا "لكن في فن القرار، أعتبر أن كل شيء هو مسألة ظروف وسياق". ولم يخف هولاند خوفه وارتيابه من القوانين العامة، مبررا مواقفه السياسية الصارمة وقراراته العسكرية في الشرق الأوسط ومالي، بالميزة الكبيرة التي كان يتوفر عليها آنذاك، والمتمثلة في استخدامه القوة، لصد الخصم وعدم منحه فرصة لإعداد رده، غير أنه عبر عن حسرة كبيرة فيما يخص قراراته المتعلقة بالشق الاقتصادي، "الحاجة الكبيرة إلى الاستشارات والخبرة، تضمن صحة وسلامة السياسة، لقد حرصت على تنفيذ استراتيجيتي الاقتصادية، لكن عندما أردت أن أذهب بسرعة كبيرة، كما في قوانين العمل، دفعت الثمن". الزعيم الاشتراكي هولاند، الذي واجه انخفاضا كبيرا على مستوى شعبيته منذ وصوله إلى مركز السلطة، بسبب ما اعتبره الفرنسيون "إخلاء بوعوده في تخفيض مستوى البطالة، وانتشال الجمهورية من حالة الركود الاقتصادي"، ما ساهم في تصاعد الحركة الاحتجاجية ضده في الشارع بسبب قانون العمل الجديد المثير للجدل خاصة في أوساط الشباب، حاول الدفاع عن نفسه، في كتابه "دروس السلطة"، موضحا أنه لم يلعب بالوقت أبدا، ولم يترك مهمة إصلاح الاقتصاد وتغيير مسار البطالة السلبي للزمن، ولم يستخف بالوعود التي قطعها، غير أن الخمس سنوات لم تنصفه، "كنت أعرف أن فترة الخمس سنوات قصيرة للغاية حتى أنها أقصر من المتعارف عليه.. منذ يوليوز 2012، تم اتخاذ إجراءات رئيسية لإعادة التوازن للحسابات العامة، وفي نونبر من نفس السنة تم إشراك سياسة العرض، في دجنبر 2012 تم تحديد استراتيجيتنا الصناعية، يمكن إلقاء اللوم على قراراتي، والتبريرات التي أعطيتها، وأيضا محتواها، إلى جانب عواقبها على المصلحة العامة، لم يكن الوقت يسمح بأخذها.. هذا بالنسبة للتوجهات الاقتصادية، أما التوجهات العسكرية فقد كانت حاسمة أكثر". إنقاذ الصناعة النووية "اتخاذ القرار هو أيضا الاعتراف بالأخطاء الماضية"، بهذه العبارة يبدأ هولاند ملف الوَعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية عام 2012، القاضي بالتحوُّل الجذري في سياسة الطاقة الفرنسية، من خلال بناء جيل جديد من المفاعلات النووية لتحل محل محطات الطاقة القديمة التي تُزود البلاد بمعظم الكهرباء. أقر الرئيس الفرنسي السابق فرونسوا هولاند، أن حكومته الاشتراكية وضعت على رأس أولوياتها إنقاذ الصناعة النووية، بالموازاة مع التقدم التكنولوجي، غير أن الحسابات تغيرت بعد وصولهم سدة الحكم عقب خروج الشركة الفرنسية للطاقة النووية، "أريفا"، ببيان تدق من خلال ناقوس الخطر، حيث سجلت خسائر فادحة تصل إلى 5 مليارات يورو في عام 2014، ما هدد خطة الإنقاذ التي وضعتها الحكومة، "كان هذا غير مقبول أبدا، سواء بالنسبة لاستقلال الطاقة لدينا أو لاستيفاء العقود كما يجب مع شركائنا، خاصة الصين.. لذلك قررت أن أجمع بين شركتي "أريفا" و"إي إدي إف" وإعادة رسملة المجموعة، وفي الوقت نفسه كنت قد منحت موافقتي لشركة EDF لتوقيع عقد كبير لبناء محطة نووية في "هينكلي بوينت" في المملكة المتحدة بمبلغ 22 مليار يورو، ما سيضمن ل EDF تطوير الصادرات بالرغم من العوائق الداخلية". وأوضح هولاند أن قراراته في هذا الخصوص استمدها من قرارات جورج بومبيدو، الذي طلب في عام 1973 من شركة EDF، أن تبني أسطولًا من محطات الطاقة، "فرنسا لديها مؤهلات تمكنها من تقليل اعتمادها على النفط وإنتاج الكهرباء بتكلفة أقل.. كانت رغبتي هي تسريع صعود الطاقات المتجددة والحفاظ على ريادتنا في الصناعة النووية".