بعد مرور أزيد من سنة على الاستقلال القانوني والفعلي للسلطة القضائية، أًصبح القضاة يطالبون بمزيد من السلطات، على حساب وزارة العدل، ما ينذر بمواجهة بين السلطتين. فخلال افتتاح السنة القضائية، أول أمس، بمقر محكمة النقض بالرباط، طالب مصطفى فارس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بنزع سلطة الإشراف على المعهد العالي للقضاء من يد وزارة العدل، وإعطاء صلاحية الإشراف عليه للقضاة، وهو المطلب نفسه، الذي أيده رئيس النيابة العامة محمد النباوي، الذي دعا، أيضا، إلى نزع التدبير المالي والمادي للمحاكم من وزارة العدل، لتتولاه السلطة القضائية. رئيس السلطة القضائية اعتبر أن التكوين الأساسي والمستمر للقضاة، ورش أساسي ومهم لاستقلال السلطة القضائية، وأن هذا لن يتم إلا بإشراف السلطة القضائية على المعهد العالي للقضاء، “لأسباب موضوعية يتفق عليها الجميع”، لأن المجلس “هو الأقرب لمعرفة واقع الممارسة القضائية وخصوصيتها، والأقدر على تحديد حاجياتها”. أما عبدالنباوي، فدعا إلى التعجيل “بإعادة النظر في تنظيم المعهد العالي للقضاء، وإسناد الإشراف عليه إلى السلطة القضائية”، وتمكين رئاسة النيابة العامة من تنفيذ برامج التكوين والتأطير اللازمة لأعضائها بواسطته، عن طريق إقرار مساطر مبسطة للتعبير عن الطلبات، ومراعاة الحالات الاستعجالية الناجمة عن صدور قوانين جديدة خلال السنة القضائية، تتطلب استعجال عقْد حلقات تكوينية رغم عدم برمجتها سابقاً. بالإضافة إلى إشراك رئاسة النيابة العامة والمسؤولين القضائيين في تحديد برامج التكوين والإشراف على تنفيذها وتقييمها. وبخصوص مطلب الإشراف على المحاكم، اعتبر أن استقلال السلطة القضائية، “لن يَكتمل بدون تحقيق الاستقلال المالي والمادي للمحاكم”، وإقرار “سلطة مسؤوليها عن كافة مواردها البشرية”. وشدد على أن حمولة الفصل 107 من الدستور تتطلبُ “تسيير السلطة القضائية للموارد البشرية والمالية اللازمة لها لأداء مهامها دون تدخل سلطات أخرى، حتى تكون قادرةً على إنجاز برامجها وتنفيذ التزاماتها الدستورية. وتساءل: “كيف يمكن تجسيد استقلال النيابة العامة إن كانت النصوص القانونية والتنظيمية لا تمكن رئاسة النيابة العامة من تنفيذ برامجها بنَفسها”. وكيف لها أن تُطور أداءها وهي لا تسيطر حتى على الشبكة المعلوماتية التي تستخدمها النيابات العامة بالمحاكم؟ ولا تتوفر حتى على الإحصائيات القضائية، وبالأحرى تطويرها أو تعديلها؟” ما هي خلفيات هذه المطالب وأبعادها؟ “أخبار اليوم” سألت مسؤولا في وزارة العدل، عن مدى إمكانية تحقيق مطالب القضاة، بتفويت مزيد من الصلاحيات لهم، فرد قائلا: “نحن نعمل في إطار القانون، وإذا سمح القانون للسلطة القضائية بالحصول على هذه السلطات، فسنحترم ذلك”، في إشارة إلى أن الاستجابة لهذه المطالب يحتاج لتعديل القوانين. وحول خلفيات هذه المطالب قال عبداللطيف الشنتوف، رئيس نادي القضاة ل”أخبار اليوم”، إنه لا يعرف سبب هذا الخطاب الذي تبناه كل من فارس وعبدالنباوي، وهل لذلك علاقة “بصعوبات واجهتها السلطة القضائية”، مضيفا “قد يكون ذلك يعكس تشكي من وضعية تعيشها السلطة القضائية”. وعن خلفيات هذا الجدل، وضح بأنه منذ الشروع في مناقشة قوانين السلطة القضائية، طالب القضاة بالاستقلال التام لهذه السلطة، إي إداريا وماليا وبالإشراف على الموارد البشرية للمحاكم، لكن القانون اتجه إلى “استقلالية إصدار الأحكام”. لكن الواقع أظهر أنه لا يمكن لسلطة أن تشتغل بوسائل سلطة أخرى، مشيرا إلى صعوبات في عمل المحاكم، من قبيل توفير الورق والطابعات، وغيرها، والتي توجد كلها بيد وزارة العدل، ولا سلطة لرؤساء المحاكم عليها. وبخصوص المعهد العالي للقضاء، الذي يعتبر مؤسسة عمومية يرأس وزير العدل مجلسها الإداري، ذكر الشنتوف أن “ميثاق إصلاح العدالة” أوصى بنقل رئاسة المجلس الإداري للرئيس الأول لمحكمة النقض، لكن هذه التوصية لم يتم تفعيلها، داعيا إلى تعديل القانون المنظم للمعهد الذي يتغير منذ سنوات. من جهته، يرى النقيب عبدالرحيم الجامعي، أنه يجب التمييز بين جانبين: الموارد البشرية والمالية من جهة، والإشراف على الإدارة من جهة ثانية، إذ يمكن أن تكون للسلطة القضائية موارد مالية وبشرية تحت إشرافها في المحاكم، على أساس أن تخضع للمراقبة المالية. أما الإدارة، فيجب أن تبقى تحت سلطة وزارة العدل، لأن الموظفين يخضعون لنظام الوظيفة العمومية. أما إذا أراد المغرب أن يذهب بعيدا في استقلال السلطة القضائية، فإن عليه، حسب الجامعي، أن يلحق كلا من مديرية الشؤون المدنية بالسلطة القضائية، ومديرية الشؤون الجنائية والعفو بالنيابة العامة، وينهي وجود وزارة العدل كليا، ولكن هذا التوجه سيتطلب تعديل الدستور.