شهدت قناة الحرة الأمريكية الناطقة بالعربية قبل بضعة أشهر تغييرا في الشكل والمحتوى، مع انتداب وجوه إعلامية وصحفية جديدها، تزامنا مع تنصيب الديبلوماسي الأمريكي السابق ألبيرتو فرنانديز مديرا لمجلس شبكة الشرق الأوسط للإرسال” MBN”. في هذا الحوار يتحدث فرنانديز عن الصيغة الجديدة للقناة والتغييرات التي شهدتها، ويشرح مهمته ومسؤوليته في إعادة الحياة للقناة حتى تأخذ مكانتها في العالم العربي بهويتها الجديدة. شهدت قناة الحرة في الآونة الأخيرة تغييرا في الشكل والمحتوى، وذلك حتى تصبح لها هوية وتغدو قادرة على المنافسة كما أعلنتم سلفا، بعد هذه المدة اليسيرة على الانطلاقة الجديدة، هل تعتقد أن هدفكم يتحقق وأن القناة تسير في الطريق الصحيح؟ نحن في بداية عملية التحول فالإطلالة الجديدة انطلقت بداية نوفمبر، من أربعة أشهر فقط، إلا أنني متفائل بالخطوات الإيجابية التي حققناها وأدت إلى تحسن ملموس وكبير. مما لا شك فيه أننا على الطريق الصحيح، فالتحول الكامل يمكن أن يأخذ سنوات. ما الذي كان غائبا في نظرك في النسخة السابقة للقناة وأدى بها إلى الفشل؟ من المهم التركيز على المستقبل وعلى التحديات المقبلة التي تتلخص بتقوية البنية التحتية التقنية للشبكة. نسعى لأن نكون في الطليعة تكنولوجيا من ناحية البث ووسائل التواصل الاجتماعي. أرى أن التحديات المقبلة يمكن أن تكون تقنية أو أخرى مرتبطة بطريقة الوصول إلى الجمهور العربي كافة من خلال الأقمار الصناعية وال”كابل(Cable)”. ليس أمامنا تحد لجهة المحتوى أو الإنتاج والهدف أن يعلم الجمهور أن “الحرة” اليوم ليست القناة التي عرفوها بالأمس وأن يعطونا فرصة ثانية ويشاهدوها مجددا ويشهدوا للاختلاف الكبير الذي حدث. تحد آخر هو الحفاظ على الاستقلالية، وهنا لا أتحدث عن الضغط علينا من داخل أميركا إنما الضغط في المنطقة العربية حيث أن بعض الناس أو الدول يريدوننا أن نأخذ طرفا ضد الآخر- وهنا بالطبع لا أتكلم عن إيران فنحن ضد إيران- وبالطبع لن نكون طرفا مع دولة عربية ضد أخرى، فالموضوعية من صلب رسالتنا ونحن نمثل الاستقلالية والحرية. تتوجه القناة بالدرجة الأولى إلى جمهور الشرق الأوسط والبلدان المغاربية، بما يعتري في هذه المنطقتين من مشاكل اجتماعية واقتصادية ونزاعات طائفية، ما هي الخطة التي تنهجها «الحرة» في التعامل مع القضايا التي تهم المواطن العربي عموما عبر شبكتها البرامجية ؟ هناك مشكلة أساسية بشكل عام ناجمة عن نفوذ الأنظمة وتأثيرها على الإعلام. الكثير من وسائل الإعلام العربية تركز على قضايا تعتبرها مهمة وهي هامشية. هناك محاولات للوم الآخر: إسرائيل، أميركا، والغرب بدلا من التركيز على التحديات الحقيقية والكبيرة النابعة من الداخل. برأيي الشخصي، المنطقة العربية على حافة الهاوية، خصوصا اقتصاديا واجتماعيا، وينبغي التركيز على هذه الأمور وعلى مستوى التعليم والحياة الاجتماعية والفقر والتهميش وعدم وجود مستقبل للجماهير العربية. أرى أن مسؤولية الصحافة أن تقدم للجمهور “الحقيقة أولا” وهو شعارنا ولا نعني بذلك الحقيقة السياسية فقط، التي تشكل هوسا أحيانا في العالم العربي بل ينبغي التركيز على المشكلات التي ذكرناها والموضوعات التي تهتم بالارتقاء بالكرامة الإنسانية. هل تعتقد أن الحرة قادرة اليوم على منافسة كبريات القنوات العربية التي تستقطب بشكل كبير المشاهد العربي بينها قناة الجزيرة، وهل ستتمكن فعلا من إيجاد موطئ قدم لها في السوق الإعلامي العربي ؟ علينا الاستمرار في مهمتنا التي تهدف إلى تحسين إنتاجنا، ونحن في بداية هذه المنافسة، فالنقلة التي شهدناها أخيرا نوعية، وقفزة كبيرة، إلا أننا في حاجة للمزيد من التحسين والتغيير. كما تعلم، هنالك صورة سائدة في متخيل المواطن العربي من أن «الحرة» وغيرها من المنابر الإعلامية الأمريكية في المنطقة ليست سوى بوقا لخدمة أجندات أمريكا في العالم العربي،وبالتالي نلاحظ أن هنالك توجسا في التعاطي مع هذه المنابر ، ما رأيك في هذا الطرح؟ وهل ستستطيع «الحرة» أن تحوز على ثقة المشاهد العربي بهويتها الجديدة ؟ تضحكني هذه المقولة أحيانا. 99 في المائة من وسائل الإعلام العربية هي في جيوب الأنظمة وتمثلها. “الحرة” هي بالفعل حرة، فلا تدخل مباشر من الحكومة الأميركية في شؤونها، والبيت الأبيض لا يتصل بفرنانديز ويدعوه للتركيز على خبر دون الآخر. هذا موجود في العالم العربي وليس هنا. متابعو “الحرة” يدركون أن هناك حرية تعبير حقيقة، على سبيل المثال، خبر نقل السفارة الأميركية إلى القدس تمت تغطيته بكل موضوعية لكن عند التعليق عليه، رحب بعض الضيوف والآخرون انتقدوا بشدة. أول تعليق انتقادي وشديد جاء من الصحافي والمحلل هشام ملحم، ما يظهر تعددية في الآراء قل وجودها في الوسائل الأخرى. من خلال الاطلاع على شبكة برامج القناة، يتضح أن هنالك توجها جديدا نحو الصحافة الاستقصائية عبر برنامج «الحرة تتحرى» وهو ما كان غائبا ربما عن النسخة السالفة للقناة، ما الدافع وراء اعتماد جنس التحقيق الصحفي؟ هل بغرض الرفع من نسب المشاهدة فقط أم أن هنالك أسباب أخرى ؟ هناك أسباب مختلفة منها أننا لا نريد أن نكون نسخة من القنوات “النظامية” بل نريد أن نكون شبكة حرة مشوقة، والصحافة الاستقصائية تنطوي على الكثير من التشويق. وإذا كانت لديك برامج مشوقة، فبالتأكيد يمكنك جذب عدد أكبر من المشاهدين. «إسلام حر» عنوان برنامج ديني تعرضه القناة يبتغي كما هو معلن إظهار رؤية إيجابية للدين الإسلامي، كيف يمكن ذلك علما أن قضية الدين قضية حساسة جدا بالنسبة للمواطن العربي؟ أليس إسلام بحيري (مقدم برنامج “إسلام حر” على قناة الحرة) مواطن عربي مسلم، له صوت وله موقف!. نبقى دائما مع شبكة برامج القناة، يبدو واضحا أن هنالك غياب لبرامج تهم المنطقة المغاربية بشكل خاص، ما السبب؟ هل لكون المنطقة ليست على نفس مقاس أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للخطاب الإعلامي للحرة؟ لطالما أهملت الصحافة العربية-الدولية منطقة المغرب العربي ونحن نفهم هذا الموضوع ونحاول سد هذه الثغرة من خلال تقديم نشرة إخبارية يومية مدتها ساعتين متخصصة بالشأن المغاربي فضلا عن تغطيتنا للحدث في هذه المنطقة في النشرات الإخبارية طوال اليوم. لا ننسى أن لدينا موقع متخصص هو “أصوات مغاربية”. وفي المستقبل القريب أريد إنتاج برنامج أو برامج خاصة عن المنطقة. انطلاقا من خبرتك في مجال الإعلام ومتابعتك لمنابر إعلامية عربية، كيف تقيم واقع الإعلام العربي ؟ الإعلام العربي يعاني من مشكلتين أساسيتين تتمثل الأولى في زيادة الاستقطاب السياسي والطائفي أما الثانية فتتمثل ببسط يد السلطة على الإعلام العربي أكثر من ذي قبل، وخصوصا بعد الربيع العربي. هذا رأيي كمتابع للصحافة العربية منذ مدة طويلة. بعيدا عن مهمتك مديرا لشبكة الشرق الأوسط للإرسال، خبرت منعرجات الدبلوماسية لسنوات عديدة من خلال توليك لمنصب مدير الإعلام والدبلوماسية العامة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولديك إلمام واسع بالقضايا التي تعتلي في العالم العربي، كيف تقيم السياسيات الأخيرة لبلدك تجاه المنطقة العربية؟ دائما هناك إيجابيات وسلبيات كما هناك إنجازات وفشل. أرى تحسن في السياسة الخارجية الأميركية مع هذه الإدارة من ناحيتين، وهذا طبعا بالمقارنة مع الإدارة السابقة، إدارة أوباما، الموقف الأميركي ضد إيران أفضل وأقوى وهذا أمر إيجابي أما الأمر الإيجابي الآخر فهو محاولة التقارب مع أصدقاء الولاياتالمتحدة في المنطقة، ومع الحلفاء التقليديين، وأنا أؤيد هذا الأمر. إلا أنني لا أوافق على كل ما تفعله الإدارة الجديدة كمسألة الانسحاب من شمال سوريا، أعتقد أن هذا خطير، ومجددا،هذا رأيي الشخصي. ما هي أبرز القضايا التي تضعونها وتعتزمون وضعها في مقبل الأيام ضمن أولوياتكم في تغطياتكم الإخبارية وشبكتم البرامجية في القناة ؟ الأخبار دائما مرتبطة بالحدث وبما يجري في الشرق الأوسط والعالم. نركز كثيرا على الأخبار العاجلة، إنما في المبدأ فنحن نهمتم بقضايا وأهداف تتعلق بالكرامة الإنسانية مثل حرية التعبير، المعتقد، وحقوق الإنسان بشكل عام والكفاح ضد القمع الفكري. هذه القضايا قريبة لقلبي وفكري، وأنا رئيس الشركة، وهذا يؤثر على أولوياتنا. صحيح أني لست عربيا، إنما عشت في العالم العربي لسنوات طويلة، ويهمني إيجاد منبر للفكر النقدي لمناقشة تحديات الهيمنة الفكرية والإيديولوجية، وأريد أن نكون منبرا حرا للفكر النقدي، ليس فقط للواقع في العالم العربي إنما في الولاياتالمتحدة والغرب أيضا.