يسابق وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، الزمن من أجل إعلان توقيع اتفاق اجتماعي مع النقابات قبل فاتح ماي المقبل، عيد العمال العالمي. نجح لفتيت في «إقناع» وزارة المالية بتخصيص غلاف مالي، يناهز 8 ملايير درهم، لتحسين الدخل، وهو أكبر من الذي اقترحه رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني (6 ملايير درهم)، ما مكن وزير الداخلية من تقديم عرض يشمل الزيادة في الأجور لجميع الموظفين، ورفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص. طبعا، وزير الداخلية جزء من الحكومة، والعثماني هو الذي سيوقع الاتفاق إذا كتب له النجاح، لكن، سيحسب لوزير الداخلية أنه نجح في ما فشل فيه العثماني، مع ما يحمله ذلك من دلالات. وافقت النقابات الأساسية مبدئيا على مقترح الزيادات في الأجور والتعويضات العائلية، لكن هناك أمورا غير متفق عليها. لا تغطي الزيادات في الواقع سوى ما جرى اقتطاعه من أجور الموظفين خلال إصلاح التقاعد، وتداعيات رفع الدعم، وتأثير التضخم، أما النقط العالقة، فلم يجرِ التوصل بشأنها إلى اتفاق. عرض وزير الداخلية على النقابات، أخيرا، مسودة اتفاق شامل، وتلقى ردود بعض النقابات، وينتظر عقد لقاء خلال هذا الأسبوع لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق. من أبرز النقط العالقة، سعي النقابات إلى الحصول على التزام حكومي بتفعيل ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011، ووضع مقاربة جديدة للتوافق حول القوانين الاجتماعية؛ قانون الإضراب، قانون النقابات، وتعديل مدونة الشغل. بخصوص اتفاق 26 أبريل، الذي يعد التزاما حكوميا من حكومة عباس الفاسي، فإن أربع نقط أساسية فيه مازالت عالقة، منها ما لا يتطلب التزامات مالية، مثل المصادقة على الاتفاقية الدولية (87) حول ضمان الحرية النقابية، وهو التزام لم تف به الحكومة إلى حد الآن. ثانيا، إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، والذي يحاكم بمقتضاه العديد من النقابيين، بذريعة أنهم يعرقلون العمل. فأرباب العمل يلجؤون إلى وضع شكاوى لدى النيابة العامة ضد العمال المضربين، بدعوى أنهم يعرقلون العمل، فيحاكَمون بناء على هذا الفصل. أما النقطة الثالثة، فتتعلق بإحداث درجة جديدة في سلم الوظيفة العمومية، لأن العديد من الموظفين، بعد قضائهم سنوات في الوظيفة، لا يترقون سوى مرة أو مرتين. وتخص النقطة الرابعة التعويض عن العمل في المناطق النائية، وقد جرى الاتفاق منذ بضع سنوات على قيمة هذه التعويضات حسب المناطق، لكنه لم ينفَّذ. هذا عن اتفاق 26 أبريل، لكن هناك أيضا ملفات أخرى عالقة تطالب النقابات بتوضيحها، وهي: كيفية التعامل مع القوانين الاجتماعية؟ الحكومة أحالت مشروع القانون التنظيمي حول شروط ممارسة حق الإضراب على البرلمان، دون توافق مع النقابات، وكانت النتيجة أنه بقي مجمدا منذ 2016، ولم يصادَق عليه، كما أنها أعدت مسودة مشروع قانون النقابات، دون أن يحصل توافق حوله، فيما يلح أرباب العمل على تعديل مدونة الشغل، لضمان مرونة أكبر في التشغيل. هذه النصوص الثلاثة حساسة بالنسبة إلى العمال، فالنقابات تخشى تشديد شروط ممارسة الحق في الإضراب بما يمس بالحريات النقابية، وتتوجس من قانون ينظم النقابات، على غرار قانون الأحزاب، كما تتخوف من إحداث تعديلات في مدونة الشغل، تعطي أرباب العمل مرونة أكبر في التخلي عن العمال. تريد الحكومة، من وراء توقيع اتفاق اجتماعي يعد الأول من نوعه منذ اتفاق 26 أبريل 2011، الحصول على شيك على بياض بخصوص تمرير القوانين الاجتماعية، لكن النقابات ترفض مقايضة الزيادات في الأجور بالمصادقة على هذه القوانين، وتطرح ضرورة إعطاء إشارات قوية لتصفية الأجواء، بوقف محاكمات العمال والتضييق على الحرية النقابية، وبتحقيق انفراج عام، ومأسسة الحوار الاجتماعي، وجعل القوانين الاجتماعية محور تفاوض قبل طرحها على مسطرة المصادقة.. فهل ينجح الاتفاق المرتقب في ضمان سلم اجتماعي؟