نواكشوط تحتضن المنتدى البرلماني الاقتصادي الأول بين المغرب وموريتانيا لتعزيز التعاون الثنائي    ضواحي طنجة.. رجل أعمال أجنبي يحصل على 2 مليار سنتيم لمفرخة أسماك لم ترَ النور    حالة الحرب بين الهند وباكستان تترسخ!    توقيف شخصين بالبيضاء بشبهة حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    افتتاح الجناح المغربي في المعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار عمارة فاس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تشارك في خطة أميركية لتوزيع المساعدات في غزة    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    أخبار الساحة    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    عمال النظافة بطنجة يحتجون ضد شركة "أرما"    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    استئنافية البيضاء تُحدّد تاريج جلسة أخرى لمواصلة مناقشة ملف قضية "اسكوبار الصحراء"    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    بنعلي: المغرب أحدث رسميا ثماني محميات بحرية موزعة على طول سواحله المتوسطية والأطلسية    مطالب برلمانية برفع قيمة المنحة الجامعية    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    "الفراقشية" يضخون الأغنام المدعمة في السوق    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    مجلس المنافسة يحقق في تواطؤ محتمل بين فاعلين بسوق السردين الصناعي دام 20 عامًا    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    انعقاد الاجتماع الوزاري المقبل للدول الإفريقية الأطلسية في شتنبر المقبل بنيويورك    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    سؤال في قلب الأزمة السياسية والأخلاقية    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    برلماني يطالب باختصاصات تقريرية لغرف الصناعة التقليدية    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة وتصاعب المطالب بوقف التطبيع.. إسرائيل تصادق على اتفاقية النقل البحري مع المغرب    8 قتلى و7 جرحى في حادث انهيار منزل من 4 طوابق بفاس    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليمان الريسوني يكتب: وماذا بعد إدريس لشكر؟
نشر في اليوم 24 يوم 13 - 05 - 2020

بداية، لا بد أن نعترف بأن الحاجة إلى حزب اشتراكي قوي ومستقل باتت، مع أزمة كورونا، أكبر وأكثرا إلحاحا من أي وقت مضى. لقد رأينا، مع بداية انتشار الوباء، كيف أن حكومات عالمية، من اليمين أو يمين الوسط، وجدت نفسها تعتنق وتحاول تطبيق برنامج اقتصادي مقتبس من أفكار اليسار. حيث لم تعد الحكومة هي «المشكلة»، كما كان يقال في أيام مارغريت تاتشر ورونالد ريغان، بل أصبحت هي «الحل»، كما كتب الصحافي الفرنسي ألان فراشون في مقال مهم بعنوان L'après-Covid-19 : à gauche toute? ، مشيرا إلى أن الفكر السائد في الولايات المتحدة، كما في أوروبا، والذي ينعش الوصفات المقدَّمة لمحاربة الفيروس وعواقبه، ينتمي إلى تيار الديمقراطية الاجتماعية.
فهل بمقدور الاتحاد الاشتراكي، عندنا، الاضطلاع بهذه المهام؟ سيجيب الكثيرون، خصوصا المتحمسين لإبعاد إدريس لشكر، بأن هذا يصعب مع القيادة الحالية. وقد يقول من لا يختلفون معه إن لشكر عندما تحدث، في أحد آخر لقاءاته، عن إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، إنما كان ينطلق من وعي بأن الاتحاد الاشتراكي حتى إن لم ينجح في قيادة الحكومة المقبلة، فإن «حتمية اشتراكية» ما ستفرض نفسها على برنامج أية حكومة آتية، وبالتالي، فمن المهم أن يكون فيها الاتحاد الاشتراكي بصيغة من الصيغ، بصرف النظر عمن سيقودها، طالما أنها ستطبق برنامجه. هذا الجواب، الذي سمعنا مثله خلال مشاركة الحزب في حكومة جطو، إذا كان يلوي كثيرا من الأعناق ليجد مسوغا هوياتيا للمشاركة في حكومة لا هوية لها، فإنه سيجر أصحابه إلى سؤال آخر: وما الحاجة إلى حزب اشتراكي، إذا كانت الاشتراكية ستصبح حتمية في برامج حكومات ما بعد كورونا، ليبرالية كانت أم إسلامية؟
لكن الاتحاد الاشتراكي، في تاريخه، لم يكن حزبا يدافع عن المسألة الاجتماعية فحسب، بل إنه، عندما وجد نفسه، أمام أحزاب ليبرالية أفقدها ارتباطها بالإدارة استقلاليتها وحرية مبادرتها، قد اضطلع بمهمة الدفاع عن كثير من القيم الليبرالية، أولاها الديمقراطية وحقوق الإنسان. الاتحاد الاشتراكي، من خلال إعلامه ومنظماته الموازية (أو الجماهيرية، كما كانت تسمى زمنئذ)، كان، أيضا، منتدى مفتوحا للشعراء والمفكرين والمسرحيين والسينمائيين والتشكيليين والموسيقيين الحداثيين. لقد كانت بنيات استقبال الاتحاد الاشتراكي تسع حتى منتقدي الفكرة الاشتراكية والكتاب الملاعين (les maudits).
وقد كان الحزب، بعماله وطلبته ومثقفيه ومقاوميه… يشكل سلطة اجتماعية ورمزية تخلق توازنا مهما مع سلطات الحسن الثاني المطلقة. ويمكن الجزم بأن الاتحاد الاشتراكي كان حزبا قويا عندما كان يولي الأهمية الأساس لهذه السلطة الرمزية أكثر من المشاركة في حكومات ومجالس محدودة السلط. لذلك، فالحاجة، اليوم، إلى الاتحاد، التاريخي، تفوق الحاجة إلى حزب يقود حكومة ببرنامج اشتراكي.
لكن، هل مازال بإمكان الاتحاد الاشتراكي ملء الفراغ الاشتراكي، واستعادة أدواره التاريخية، مدعوما بحقيقة أن أسئلة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتخلف والثقافة والشباب… مازالت معلقة، وأن هذه الأسئلة والإشكالات بقدر ما تحتاج إلى إرادة سياسية لتنزيلها، تحتاج، أيضا، إلى نظرية وفعل سياسي لغرسها في مجتمع تستشري فيه الرفضوية إلى جانب الحساسيات المحافظة التي دخلت، بدورها، في أزمة ما بعد الربيع العربي، وأزمة المشاركة في الحكومات والمجالس؟ للإجابة عن هذا السؤال نستعين بقراءة ثلاثة من رموز الاتحاد؛ القراءة الأولى هي التي صدرت عن عبد الواحد الراضي.
يحكي محمد الحبابي في حوار منشور، قائلا: «عندما دخلت إلى ساحة القصر (خلال حفل الولاء الذي أقيم بالقصر الملكي بتطوان في غشت 2009)، وجدت عددا من المسؤولين والوزراء، منهم عبد الواحد الراضي الذي وقفت معه وأخذنا نناقش وضعية الاتحاد الاشتراكي على ضوء الانتخابات الجماعية التي كانت قد مرت قبل ثلاثة أشهر، في يونيو 2009، فقال لي الراضي حرفيا: «ما بقا اتحاد اشتراكي.. كل واحد في المكتب السياسي يبحث عن مجيمعة لتسانده»، ثم أضاف الراضي والمرارة تعلو محياه: إنني أبذل قصارى جهدي لكي لا يموت الحزب الآن». الموقف الثاني هو الذي عبر عنه فتح الله ولعلو، بعد انسحابه من المؤتمر التاسع للحزب في دجنبر 2012، حين قال إن «الحزب أصبح يعرف بدونة (ruralisation) غير مسبوقة». والموقف الثالث هو الذي أبداه محمد الأشعري خلال ندوة في 2014، حين قال إن «الاتحاد استنفد شروط استمراره على الشكل الذي هو عليه، وإن كل محاولة لإصلاح الحزب أو إنقاذه أو انتزاعه من إدريس لشكر هي مضيعة للوقت والجهد».
إننا عندما ننظر إلى الحركة التي قادها عشرة من أعضاء المكتب السياسي ضد إدريس لشكر في 2017، وما عليه المكتب السياسي للحزب اليوم، نجده تكرارا لما قاله عبد الواحد الراضي في 2009 عن «مجيمعات» المكتب السياسي. وعندما نسمع عن تصويت الطبقة الوسطى العقابي للاتحاد الاشتراكي، ونقرأ النتائج التي حصل عليها الحزب في 2015، وكيف أقصي من رئاسة كل المدن الكبرى والمتوسطة، نفهم أن ما قصده فتح الله ولعلو في 2012 لم يكن توصيفا عنصريا، ولكنه قراءة سوسيو-سياسية للتحولات العميقة التي أحدثها «الجشع» الانتخابي في بنية الاتحاد الاشتراكي. وعندما نتأمل موقف الأشعري، نجد أنه لم يربط الموت السياسي للاتحاد الاشتراكي بانحراف قيادته، فحسب، بل ساءل بنية الحزب التنظيمية والاجتماعية، وأفكاره وإيديولوجيته، وهل مازالت هذه العناصر مجتمعة قادرة، كما كانت، على تحميس وتأطير المغاربة؟ وخلص إلى أن الأحزاب، كالأفكار والأشخاص، تُخلق وتتطور ثم تموت.
وإذا كان ما عبر عنه الراضي وولعلو قد أكده الواقع؛ حيث لم تعد خلافات قيادة الحزب شأن حزبيا، كما لم تعد «غربة» الحزب في المدن ووسط الطبقات الوسطى مجرد نظرية تحتاج إلى الدلالة عليها، فإن ما قاله الأشعري يجد تفسيره، إلى جانب الأزمة التنظيمية، في ظهور منافسين «أخلاقويين» جدد للخطاب الأخلاقي اليساري، وحدوث تحولات عميقة في بنية المجتمع المغربي وفي الوسائط، يصعب على خطاب مثل الخطاب الاتحادي وبنيات استقباله الحالية استيعابها. وحتى إذا لاءم الحزب خطابه وجدد بنيات استقباله، فإن بنيته التنظيمية «المتضخمة»، بفعل الانتخابات وغيرها، ستعيقه.
إذن، ماذا عساه يقوم به من سيخلف إدريس لشكر على رأس الحزب لإبقائه حيًّا؟ لا يمكنه سوى الاختباء في الحكومات والمجالس والبرلمانات. وهذا التقدير يقاسمني إياه وزير العدل، محمد بنعبد القادر، الذي قال، عندما طالبه مناضلو حزبه في طنجة بتفسير دخول الحزب إلى حكومة العثماني: «لو لم يدخل الاتحاد الاشتراكي إلى هذه الحكومة، لتحول إلى مجرد ناد سياسي صغير».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.