تقديم طلبات التسجيل في اللوائح الانتخابية لسنة 2026 يستمر إلى 31 دجنبر الجاري    مجلس النواب يصادق على ثلاثة مشاريع قوانين تتعلق بالانتخابات    نشرة إنشارية.. تساقطات ثلجية وهبات رياح قوية الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    التامني: الخطر الحقيقي على الديمقراطية هو المال الفاسد والقوانين الانتخابية دون المستوى    منيب: تفعيل الحكم الذاتي يتطلب تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تحترم السيادة الشعبية    وقفة في تطوان تضامنا مع فلسطين ورفضا لاستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة    رئيس بلغاريا ينتظر استقالة الحكومة        فليك يؤكد غياب لاعبه أراوخو عن مواجهة أتلتيكو مدريد لأسباب شخصية    "كاف" يحيل أحداث مباراة الجيش الملكي والأهلي للجنة الانضباط    المغرب يراهن على الجمع بين التحلية والتكنولوجيات المتقدمة لتأمين موارده المائية        قاموس أكسفورد يعلن عن كلمة العام 2025    الذهب ينخفض مع جني المستثمرين للأرباح    قراءة نقدية لقانون مالية 2026    لجنة المالية بالمستشارين تصادق على مشروع ميزانية 2026 بالأغلبية... وتمرر توسيع الحجز في المنبع تدريجيًا    "فيفبرو" تؤازر لاعبي منتخب ماليزيا الموقوفين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    فنزويلا.. ترامب يجتمع بمستشاريه ومادورو يحشد أنصاره ويقسم "بالولاء المطلق" لشعبه    كيوسك الثلاثاء | كندا تختار المغرب كأول بلد في العالم للتأشيرات الرقمية    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الصين وباكستان في مناورات عسكرية        الرئيس الفرنسي يبدأ زيارة للصين غدا الأربعاء    كندا تلتحق ببرنامج دفاعي أوروبي    القصر الصغير.. وفاة شابة حامل بتوأمين تهز قرية ظهر الخروب وسط غضب بسبب نقلها بين مستشفيين    قطر وكأس العرب 2025 .. تمجيد إعلامي مبالغ فيه ومقارنات تستفز الشارع الرياضي العربي    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    ساكنة تيزنيت تجدد دعمها للشعب الفلسطيني في يوم التضامن العالمي    كأس العرب (قطر 2025).. المنتخب الفلسطيني ينتزع فوزا ثمينا أمام نظيره القطري (1-0)    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    الداخلية تدعو المواطنين البالغين 18 سنة قبل مارس 2026 إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية    بورصة الدارالبيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    حموشي يستقبل الأمين العام المساعد الجديد لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    عرض فيلم "مع حسن في غزة" بمهرجان مراكش.. قصة بحث إنساني تحولت إلى وثيقة تاريخية    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    عائدات الأسفار تسجل 113 مليار درهم في الأشهر العشرة الأولى من 2025    أزارو: المنتخب الرديف جاهز لبداية قوية وهدفنا هو التتويج وإسعاد الجماهير المغربية    يامال: فكرت في اللعب للمغرب بعد إنجاز 2022.. لكن إسبانيا كانت خياري النهائي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    جمعية تحتج على تراجع حقوق ذوي الإعاقة    مراكش .. انطلاق أشغال الدورة ال19 للمؤتمر العالمي للماء    السياحة المغربية تقفز إلى 116 مليار درهم وترفع مساهمتها في الاقتصاد سنة 2024    صحيفة أمريكية: ترامب طلب من مادورو الاستقالة وترك البلاد    نجاح متميز للملتقى الوطني للمخطوطات بإنزكان    حكايات مدرِّسين من أيّام المدرسة    فيلم زنقة مالقة لمريم التوزاني .. نشيد الذاكرة والحب على عتبة الثمانين    مزاد يبيع "لوحة مفقودة" ب2,3 ملايين يورو    طقس الاثنين.. أجواء باردة نسبيا إلى باردة بعدد من مناطق المملكة    لمجرد أمام القضاء بتهمة الاغتصاب    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فسحة رمضان على “أخبار اليوم”.. فوضى الذاكرة.. “يوميات العمل الوطني والمسلح في المغرب”- الحلقة 19
نشر في اليوم 24 يوم 19 - 05 - 2020

تعزز المشهد الثقافي المغربي في العقدين الأخيرين بصدور عدد من المذكرات، من أبرزها مذكرات فاعلين سياسيين من هيئات تنتمي إلى اليسار المغربي. وتناولت هذه المذكرات بشكل متفاوت وبرؤى مختلفة، الأحداث الهامة والمصيرية أحيانا، التي عرفها المغرب زمن الحماية والاستقلال. وأثار مضمون هذه المذكرات وما جاء فيها من آراء ومواقف وتفسيرات ردود فعل متفاوتة، صدرت عن مثقفين وسياسيين ومهتمين من أطياف متعددة. وتم الاحتفاء غير ما مرة ببعض هذه المذكرات. كما تم تقديمها في عدد من المنابر والمؤسسات. وفي هذا السياق، ومساهمة منها في إثراء النقاش الدائر، وانسجاما مع اهتماماتها، نظمت مجلة رباط الكتب الإلكترونية لقاءً علميا بشراكة مع مؤسسة أرشيف المغرب، في موضوع ذاكرة اليسار. وساهمت في اللقاء الذي احتضنته المؤسسة بتاريخ 18 أبريل 2019، ثلة من الباحثين الجامعيين والشباب. وقد اختار المشاركون في اللقاء مقاربة موضوع الذاكرة، من خلال نماذج منتقاة هي: شهادات وتأملات لعبد الرحيم بوعبيد، وهكذا تكلم بنسعيد لمحمد بنسعيد آيت إيدر، وأحاديث فيما جرى لعبد الرحمن اليوسفي، ويوميات العمل الوطني المسلح لعبد السلام الجبلي، والمغرب الذي عشته لعبد الواحد الراضي. وحظيت هذه المساهمات بتمهيد نظري من خلال قراءة في كتاب ميلونكوليا اليسار: الماركسية، التاريخ، والذاكرة لإنزو ترافيرسو. مجلة رباط الكتب تفضلت بتقاسم ثمار هذا اللقاء مع قراء «أخبار اليوم»، والتي تنشرها على حلقات.
سمير آيت أومغار
لقد ظل عبد السلام الجبلي متعلقا عاطفيا وسياسيا في تذكره لوقائع مرحلة الحماية بعبد لله إبراهيم، بحكم الصلات القوية التي وُجدت بينهما، فهو يقول: “وفي بعض الأحيان أخرج من المنزل مقتفيا قادة الحركة وعلى رأسهم عبد الله إبراهيم” (ص.35)، وقوله “وسيكون لمحاضرات عبد الله إبراهيم بعد عودته في 1949 من فرنسا الدور الأهم في الانتقال من العمل السياسي إلى المقاومة والكفاح المسلح” (ص.36)، زيادة على تأكيده أن “محاضرات الأستاذ عبد لله إبراهيم وهو الرجل الألمعي مستفيضة، فضلا عن جوابه عن كل الأسئلة بترَوٍ وبشرح مستفيض خلال الاجتماعات التي حضرتها مع باقي الإخوة” (ص.42)، وهي المحاضرات التي سيتأثر بها كثيرًا حسب منطوق يومياته (ص.61). وبالتالي نجد عبد لله إبراهيم قد تحول إلى ذلك المسدس الذي استأثر بانتباه الشاهد عبد السلام الجبلي دون بقية العناصر الأخرى المكونة للمشهد السياسي، والتي رغم استحضاره لبعضها في كتابه، إلا أنها ظلت خافتة كالشبح. فتحيزات الجبلي واضحة في تسجيله لذكرياته التي تأثرت كثيرا بميوله إلى عبد لله إبراهيم. من جهة أخرى، نشير إلى تسرب مجموعة من الأحكام المسبقة عن نظام الحماية الفرنسية إلى ذكريات الجبلي، فهو يقول: “لم تعرف المرحلة الاستعمارية تطورا شاملا في المجال الطبي، فقد اتخذ مسارا بطيئا جدا” (ص.17)، وقوله: “جلبت معاهدة الحماية العار والبؤس للمغاربة، إذ أن الاستعمار قسم المغرب إلى نافع وغير نافع، ونشر الدعارة وقننها” (ص.21). مقابل صمته وحذره الشديد عند حديثه عن الباشا التهامي الكلاوي المزواري رغم أمره بجلده ثلاث مرات. فهو لم ينعته في كتابه بأي وصف قدحي على شاكلة مؤسسات الحماية الفرنسية.
كما لاحظنا من خلال قراءتنا للكتاب، تحيز عبد السلام الجبلي في ذكرياته لمدينة مراكش، وبالتحديد لحَيِّه ومنزله الذي نشأ فيه دون سائر الأحياء (يؤكد المؤلف الطابع الأندلسي للحي الذي نشأ فيه، واستقرار ابن البناء العددي في منزل أسرته زمن حكم بني مرين). فهو يقدم مراكش كمهد للوعي والعمل الوطنيين، ويعتبر أحداث شتنبر 1937م في مراكش (إخراج الجياع والفقراء لاستقبال بول رامادي والجنرال نوگيس) “أول الأحداث النضالية التي شكلت منعرجا تاريخيا لمقاومة الاستعمار، وبداية تأسيس مسلسل النضال الوطني” (ص.22). أما الاجتماع التنظيمي لهذه المُظاهرة فقد جرى في منزل الجبلي لا غيره (ص.21). ويعود عبد السلام الجبلي في إحدى الصفحات إلى القول إن “الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار، ابتدأت منذ 24 شتنبر 1937، حيث اشتعلت شرارتها بمراكش” (ص.53)، مع عدم قبوله بأي تاريخ آخر كما يُفهم من قوله: “الحركة الوطنية التي يمكن إرجاع بدايتها إلى أحداث 24 شتنبر 1937 بمراكش، أو حركة اللطيف في 16 ماي 1930 عند البعض” (ص.55). تحمل هذه الذكريات مجموعة من المواقف السياسية التي كوَّنها عبد السلام الجبلي زمن الحماية وبعد الاستقلال، والتي انعكست بشكل واضح على ذكرياته التي شرع في استرجاعها عند حوار عبد لله العلوي له.
ولنختم بهذه الحادثة الطريفة التي وقعت للجبلي في الرباط: فهو يذكر أنه استدعي إلى الرباط للحسم في النزاع حول الشخص الأجدر برئاسة جمعية أبناء الشهداء، فيقول: “وذهبت إلى الديوان الملكي، حيث استقبلني مدير الديوان المرحوم مسعود الشيكر. وكنت أدخن سيجارة، حين سمعت ضجة في الباب فإذا بالأمير مولاي الحسن يدخل حاملا سيجارة، وبعد السلام استفسرني عن الموضوع” (ص.97). يتضح لنا من خلال هذا النموذج أن ذاكرة الجبلي لم تتمكن خلال هذا اللقاء من تسجيل تفاصيل كثيرة، لكنها احتفظت بشكل مثير للانتباه بحمله والأمير مولاي الحسن لسيجارة، دون إبراز المغزى من تذكر هذا النوع من التفاصيل.
تجدر الإشارة في النهاية إلى بعض الملاحظات الشكلية حول الكتاب الذي تولى عبد لله العلوي تحريره بناء على لقاءاته بعبد السلام الجبلي. فقد تسللت بعض الأخطاء اللغوية المطبعية وغيرها إلى متن الكتاب، كتسمية تازناخت في 7 مواضع ب “تازناقت” (ص.54، 60، 62…)، وتحريف جُل أسماء المقيمين العامين في المغرب باللغة العربية: مثل: ثيودور سينغ (Théodore Steeg)، هنري بوسو (Henri Ponsot)، بيبربواي دولانور (Pierre Boyer de Latour)، إلخ…) (ص.117-116)، زيادة على وضع مجموعة من الهوامش للكتاب، تضمنت تواريخ الأحداث السياسية الكبرى في المغرب، والتي لا تتصل في جلها بمضامين الكتاب، مثل تاريخ تشييد مراكش من طرف أبي بكر بن عمر اللمتوني، واحتلال الجيش الفرنسي لمدينة وجدة سنة 1907م، وتنازل مولاي عبد الحفيظ عن العرش سنة 1912، وانعقاد مؤتمر أنفا سنة 1943، وصولا إلى محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 1971. وبالتالي، وجب أخذ الحيطة والحذر عند كل استغلال لمذكرات أو يوميات فاعل سياسي، لاشتمالها على ذكريات ملوثة وأحكام مسبقة، وانحيازها إلى بعض الأفراد دون البعض الآخر تبعا للميول السياسية والفكرية لصاحب المذكرات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.