في كل موسم صيف، تعود حركة العبور بين أوروبا والمغرب إلى واجهة الاهتمام، مدفوعة بعملية ضخمة تنقل ملايين من أفراد الجالية المغربية إلى أرض الوطن. وبينما توفر المملكة بنية لوجستية متطورة لاستقبال مواطنيها، تواصل السلطات الإسبانية تقديم معبر سبتة، كواجهة تنظيمية، رغم وضعها القانوني والسيادي المعلّق. وتنشر مدريد، بشكل دوري، تقارير مفصلة حول عدد الأشخاص والعربات التي تعبر من وإلى المدينة، إلى جانب الإشادة بالتنسيق الأمني والإداري، في ما يبدو أنه محاولة لإضفاء شرعية متجددة على حضور مؤسساتها فوق نقطة تماس جغرافي وسياسي لا تزال محل خلاف. ويتم تقديم هذا المعبر في البلاغات الرسمية كعنوان للنجاعة والفعالية، مع إحصاء آلاف عمليات التحقق والتفتيش، دون الإشارة إلى الخصوصية القانونية والتاريخية التي تميز سبتة عن باقي المعابر الأوروبية. ويُقرأ هذا التركيز الإعلامي، في نظر متابعين، كمحاولة لتثبيت واقع استعماري مستمر من خلال التحكم الرمزي في تدفق مواطنين مغاربة نحو وطنهم. وفي المقابل، تبرز الموانئ المغربية الكبرى، مثل طنجة المتوسط والناظور والحسيمة، كبدائل متطورة من حيث الاستقبال والخدمة، وتُدار العملية فيها في إطار سيادي صرف، دون حاجة إلى استعراض أمني أو بروتوكولات متعددة الجنسيات. وتلقى هذه المعابر، تفضيلا متزايدا، من طرف المسافرين المغاربة، نظراً لما توفره من شعور بالانتماء والانسيابية ووضوح الإجراءات. وفيما تسعى إسبانيا إلى تقديم نفسها كضامن رئيسي لعبور الجالية، تُطرح تساؤلات حول رمزية هذا الدور، خاصة حين يتم توظيفه ضمن خطاب إداري يُغفل طبيعة الأرض التي يُدار منها، ويُقحم سبتة في معادلة وظيفية تخدم منطق التطبيع مع السيطرة الممتدة. ويحذّر باحثون في قضايا الحدود من أن استمرار استخدام سبتة كمعبر رئيسي، دون معالجة الإطار السياسي الأوسع، قد يُكرّس مع الوقت قراءة مغلوطة للعلاقة بين المواطن المغربي وأرضه، حيث يتحوّل العبور إلى إجراء يخضع لوساطة خارجية، لا إلى فعل سيادي طبيعي. ومن بين مظاهر هذا الخلل، حسب شهادات متقاطعة، ما يعيشه المسافرون من شعور بالفصل الإداري والنفسي، بمجرد اجتيازهم للبوابة الفاصلة، حيث يُعاد تصنيفهم مؤقتاً كمجرد عابرين في نقطة مراقبة، عوض أن يُنظر إليهم كأفراد يمارسون حقهم المشروع في العودة إلى الوطن. ولا يُخفي بعض المسافرين تفضيلهم للموانئ المغربية بدافع الراحة واحترام الكرامة، بعيداً عن أجواء الطوابير والضبط الأمني المفرط، الذي لا يخلو أحياناً من معاملة متفاوتة، ترتبط بوثائق الإقامة أو نوعية المركبة، وهو ما يتنافى مع مبدأ المساواة في التنقل. ويستمر هذا التباين في ظل غياب مقاربة مشتركة تحترم المعايير السيادية، وتفصل بين ما هو لوجستي وما هو سياسي، خاصة حين يتم اختزال ملايين الرحلات السنوية في معبر واحد يُستغل رمزياً لإبراز الحضور الإسباني فوق نقطة جغرافية لا تزال معلقة من حيث وضعها القانوني.