لكل حصان كبوة، ولكل رجل سياسة عثرات بالعشرات بل ومئات. مناسبة هذا الحديث سقطة مكتب الأستاذ مصطفى الرميد في امتحان الضمان الاجتماعي، والقصة أن مستخدمة لأكثر من عشرين سنة في مكتب الأستاذ ترحل إلى دار البقاء، لكنها تترك قنبلة سياسية وقانونية، فالمستخدمة، رحمها الله، في مكتب المحاماة العريق ذاك، لم تكن مسجلة في لوائح صندوق الضمان الاجتماعي، وبالتالي لم تساهم ولا مشغلها بفلس واحد. وبعيدا عن السياسة وحساباتها، والأخلاقيات وإحراجاتها، تبقى النصوص السارية قديمها وجديدها، مدعوة لأن تتقدم للمنصة، وتأخذ الكلمة. فللضمان الاجتماعي وغيره من آليات الحماية ترسانة قانونية مهمة، بدءا بالظهائر السابقة إلى القوانين اللاحقة الملحقة بها والمكملة لها. وقد كانت الغاية من سن نظام للضمان الاجتماعي، تحقيق السلم الاجتماعي ومأسسة قيم التضامن وترسيخ الحماية من خلال دفع الأخطار المهددة للمداخيل والإيرادات أو المكثرة للمصاريف والنفقات، وهي بذلك من النظام العام، حيث أولاها المشرع حماية خاصة، ومنع بصريح القول عنها كل التفاف أو تحايل. وإن كنا لا نحاسب نجاعة هذه القوانين، ولا حتى دور القضاء في المسألة، فإننا فضلنا على الأقل،والمناسبة شرط، أن نتقاسم والقراء بعض المعلومات القانونية البسيطة، وبالخصوص الظهيرالشريف بمثابة قانون رقم 1.72.184 بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392 الموافق ل 27 يوليوز 1972 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي. علّ بعض الاقتباسات تنير بصيرة من لم تكتمل معارفه أو لم تقترب من الموضوع اهتماماته. ومن المعلوم، ينتج عن التطبيق السليم لقوانين الضمان الاجتماعي تعويضات يستفيد منها المستخدم وذووه، والتزامات للمشغل بالاقتطاع وبتمويل صندوق التضامن والتكافل والتآزر، كواحد من خطوط الدفاع عن السلم الاجتماعي. وقد حرص المشرع في ظهير 27 يوليوز 1972 على تحصين حق المؤمن لهم في الاستفادة من خدمات الضمان الاجتماعي، بجزاءات وغرامات، ولكن بالرغم من ذلك استمرت حالات عدم التصريح بالمستخدمين على قائمة المنازعات، ذلك أن المظالم كثيرة والجشع أو التهاون في المشغلين أحيانا سمة غالبة. وبالعودة إلى الظهير السالف ذكره، فقد اعتبر مسؤولية عدم التصريح بالأجير لدى الصندوق تقع على عاتق المشغل، باعتباره الملزم طبقا للفصل 15 بالانخراط وتسجيل الأجراء، وكذلك جعله المشرع مدينا إزاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمجموع واجبات الاشتراك وجعله مسؤولا عن أدائها، وهذا ما نصت عليه أحكام الفصل 23 من ظهير 1972. وبالرجوع إلى العمل القضائي، نجده قد واجه في العديد من أحكامه الأجير بعدم القبول في دعواه ضد المشغل بعلة أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو صاحب الصفة في المطالبة بالواجبات المقتطعة من أجرته، استنادا للفصل 21 من ظهير 1972. ففي قرار صادر عن محكمة النقض عدد 1519 بتاريخ 25 يونيو 1990 (غير منشور) في الملفالاجتماعي عدد 8365/79 جاء ما يلي: "لا يسوغ للأجير مقاضاة مُشغّله من أجل أداء واجبات الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فالصندوق هو الذي له الصفة في مقاضاة المُؤجر من أجل الأداءات المذكورة". وعطفا على ما سبق، فانعدام الصفة هذا هو الذي يمنع المستخدم كما ذوي حقوقه من التنازل عن المطالبة بالمبالغ المقتطعة أو الواجب اقتطاعها، أو القبول ببديل عنها، أو الإقرار بخطإ المستخدم في عدم تسجيل نفسه، كما فعل والد المشمولة بالرحمة بعد وفاتها، بتوقيعه لبيان حقيقة تحدث عن كل شيء، إلا الحقيقة القانونية، وليته سكت. ونستمر مع الفصل 22 من نفس الظهير الذي يشير إلى أنه "يبقى المشغّل متحملا وحده واجب الاشتراك، وتعتبر ملغاة بحكم القانون كل اتفاقية منافية لذلك"، وهنا تسقط حجية الدفع بعدم رغبة المستخدمة في تسجيل نفسها بالصندوق، أو بتفضيلها لمقابل آخر، أو بانقطاع علاقة شخص المُشَغِل بمكتبه. بل يضيف الفصل 23 أنه "لا يجوز للمأجور التعرض على اقتطاع واجب اشتراكه، ويعتبر أداء الأجرة دون اقتطاع واجب الاشتراك بمثابة إبراء من واجب هذا الاشتراك من طرف المشغل لفائدة المأجور"، وهنا تأكيد آخر على أن المشغل، وحده، من يتحمل المسؤولية الكاملة في التصريح بمستخدميه وأداء الواجبات. وفي الأخير فإن الذي ضاع في حقه، وتضرر من عدم التصريح هو أولا وأخيرا صندوق الضمان الاجتماعي، الذي وحده يحق له المطالبة باسترجاع الأموال غير المدفوعة. وهي المطالَبة التي نرى لو تشدّد ومارسها، وفق القانون، صاحب الصفة هنا، لحفظت ماء وجه هذه المؤسسة العريقة، ولجنبت الأجيال اللاحقة، مأساة إعلان إفلاسها، أو مجزرة خيار "إصلاحها"على حساب المنخرطين كما تجري العادة. والذي اثرى واغتنى بلا سبب، هو مكتب المحاماة الذي احتفظ بالمبالغ الواجب دفعها، ولم يتم تحويلها إلى الآن لحساب الصندوق، وبِلُغَة القانون، يبقى هذا الالتزام قائما ولو زال كسبه فيما بعد. لقد أخطأ مكتب الأستاذ القدير في التقدير، وأما ما توصلت به المستخدمة المتوفاة، من أموال العطف إن صحّت، بلُغة من دبّج البيان، وملايين الرعاية الأبوية التي أٌغْدِقت، إن صَدَقَت، فلا نقول إلا: "جعلها الله في ميزان حسناتكم، آمين، والسلام". *عصام القويطي باحث في قانون الأعمال، حاصل على الأهلية لممارسة المحاماة.