خيم شبح تدافع مأساوي أودى بحياة ثمانية أشخاص في ملعب "أوليمبي" في العاصمة الكاميرونية ياوندي، على أول كأس أمم إفريقيا تفوز بها السنغال على حساب مصر، في نهائيات اعتبرت في بعض الأحيان فوضوية، ولكنها أظهرت التقدم الحاصل بكرة القدم في القارة السمراء من ناحية أسلوب اللعب. أدى اكتظاظ المتفرجين وفتح بوابة ملعب "أوليمبي" في الوقت الخطأ إلى مقتل ثمانية أشخاص، من بينهم طفل في سن الستة أعوام، قبيل مباراة الكاميرون وجزر القمر، إلى ارتداء البطولة الوشاح الأسود وسط أجواء حزينة، لتسلط الأضواء بشكل مأساوي على المشكلات التنظيمية وسوء حالة الملاعب، ما فرض على المنظمين ضرورة نقل مباراتين بسبب حالة العشب المزرية لملعب دوالا. وبرغم إنذار أولي إثر تبادل إطلاق النار في بويا (جنوب غرب الكاميرون) في بداية المنافسات، لم تتأثر البطولة القارية بمشكلات أمنية في بلد يواجه نزاعين: مع الانفصاليين الناطقين باللغة الإنكليزية (الغرب) والجهاديين من بوكو حرام (الشمال). قال ريغوبير سونغ قائد منتخب الكاميرون السابق، "شاهدنا بعض المباريات الجيدة". أضافت بعض المباريات الرائعة روح الإثارة للبطولة، على غرار مواجهات الغابون-المغرب (2-2)، جزر القمر-غانا (3-2)، مصر-المغرب (2-1) أو السنغال-بوركينا فاسو (3-1). اتسم النهائي بين السنغال ومصر الذي انتهى لصالح منتخب "أسود تيرانغا" بركلات الترجيح 4-2 (صفر-صفر في الوقتين الأصلي والإضافي)، بالحذر الدفاعي واللعب المغلق، كما هي الحال في كثير من المباريات النهائية للبطولة القارية. هي المرة الخامسة في إحدى عشرة نسخة، تنتهي فيها المباراة النهائية بالتعادل السلبي. بعد خسارته نهائيين (2002 و2019)، توج منتخب "أسود تيرانغا" بطلا لإفريقيا في المحاولة الثالثة، التي كانت ثابتة. ظهر منتخب السنغال الأكثر استقرارا منذ أربع سنوات، حين وصل إلى نهائي النسخة السابقة (خسر أمام الجزائر صفر-1)، وحجز مقعده إلى مونديال روسيا 2018، متوجا العمل الرائع الذي يقوم به مدربه الحالي ولاعبه السابق أليو سيسيه لما يقرب من سبع سنوات، مع كوكبة من النجوم على رأسهم أفضل حارس في البطولة القارية إدوار مندي والمدافع خاليدو كوليبالي، وأفضل لاعب في البطولة المهاجم ساديو مانيه. في أول ظهور لها على هذا المستوى القاري، نجحت جزر القمر في اجتياز الدور الأو ل، على الرغم من أن المشاركة في ثمن النهائي عابها حارس مرمى، مع تعرض أحدهم للإصابة وتأثر الآخران بفيروس كورونا، ليتم الدفع بظهير أيسر بين الخشبات الثلاث بشخص شاكر الهدهور. من ناحيتها، تألقت غامبيا في مشاركتها الأولى في بطولة قارية من خلال بلوغها ربع النهائي، مدفوعة بأفكار مدربها البلجيكي توم سانتفيت ومهاجم بولونيا الإيطالي موسى بارو. غينيا الاستوائية التي شاركت في نسختين سابقا مع قاسم مشترك كونها نظمت الأولى وتشاركت الاستضافة مع غابون في الثانية، تأهلت لأول مرة إلى النهائيات بعد خوضها للتصفيات، فتألقت حتى ربع النهائي، بفضل لاعب خط وسط متعدد المهام هو إيبان سلفادور إيدو، الرجل ذو الشعر الوردي أو كما بات يعرف ب "غاتوزو دي مالابو"، تيمنا باللاعب الإيطالي الشهير جينارو غاتوزو. سجل الملاوي غابادينيو مانغو بتسديدة من أكثر من 40 مترا بمسار مذهل، في دور ال16 ضد المغرب، أفضل أهداف النهائيات. لم يمنع هذا الهدف الساحر الخسارة 1-2، لكنه أشعل فتيل المباراة فارضا على "أسود الأطلس" اعتماد الأسلوب الهجومي للفوز باللقاء. في المقابل، لن يواسي قائد ومهاجم الكاميرون فنسان أبو بكر نفسه، عقب خروج بلاده من دور نصف النهائي، بلقب هداف البطولة بتسجيله ثمانية أهداف، لكنه بالتأكيد دون اسمه في سجلات البطولة بعدما تساوى مع الإيفواري لوران بوكو (1970)، متأخرا بفارق هدف عن الرقم القياسي في نهائيات واحدة للزائيري (جمهورية الكونغو الديمقراطية) الراحل بيار نداي مولامبا صاحب تسعة أهداف في 1974. تنازلت الجزائر حاملة اللقب والمرشحة الأبرز للاحتفاظ بلقبها عن القمة لتودع المسابقة باحتلالها المركز الأخير في مجموعتها، مع هدف يتيم لصالحها سجلته بعد تأخرها أمام ساحل العاج صفر-3 في مباراتها الأخيرة في الدور الأول. وبدورها، غادرت غانا التي اعتادت على التواجد في المربع الذهبي، المسابقة من الدور الأول، لتعكس البطاقة الحمراء لقائدها أندريه أيو الصورة الحزينة لمنتخب سيطر سابقا على القارة السمراء. سلط المدرب أليو سيسيه، ملك إفريقيا مع السنغال، وكذلك البوركينابي كامو مالو، صاحب المركز الرابع مع منتخب "الخيول" (بوركينا فاسو)، أو محمد ماغاسوبا مع مالي، الضوء على قيمة المدربين "المحليين". وصل عدد المدربين الوطنيين في البطولة القارية إلى 16 من أصل 24، وهو رقم قياسي لم تشهده سابقا النهائيات. لن ترتاح كرة القدم الأفريقية طويلا، حيث ينتظر منتخبات القارة السمراء استحقاقات مصيرية تتمثل بملحق تصفيات القارية للتأهل إلى مونديال 2022 في قطر. تواجدت معظم المنتخبات التي ستخوض الملحق في الكاميرون، باستثناء جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تواجه المغرب. وستكون المواجهة النارية بين السنغال ومصر عبارة عن استحقاق ثأري للفراعنة والخسارة في النهائي القاري مع تجدد صراع الزميلين في ليفربول الإنكليزي والخصمين مع منتخب بلديهما ساديو مانيه ومحمد صلاح. في المقابل، يتوجب على الجزائر أن تتعافى من فشلها القاري أمام "الأسود غير المروضة" الكاميرون والتي فشلت بدورها في رهان الفوز بكأس أمم إفريقيا على أرضها وأمام جماهيرها. كما يجب على غانا أن تحشد نفسها لمواجهة نيجيريا الرائعة في الدور الأول للبطولة القارية، حيث كانت الوحيدة التي تأهلت من دور المجموعات بالعلامة الكاملة مع 3 انتصارات، قبل أن تخرج من دور ال16 على يد تونس 1-صفر، علما أن منتخب "نسور قرطاج" سيواجه نظيره "نسور مالي" في سعي الأخير للالتحاق بركب المنتخبات المتأهلة إلى العرس الرياضي في قطر للمرة الأولى في تاريخه. وتستضيف ساحل العاج في غضون عام ونصف العام النسخة ال 34 المقبلة من نهائيات كأس أمم إفريقيا.