عند النقطة التي يلين فيها السور الغربي للمدينة العتيقة وينحدر نحو مياه الاطلسي، يظهر برج سيدي ميمون كامتداد حجري صامت لخط الدفاع البرتغالي، برج صغير الحجم لكنه عميق الدلالة، استيقظ من عزلته مؤخرا بعد ان قررت جماعة اصيلة فتحه امام الزوار، في خطوة تهدف الى اعادة وصل المدينة بتراثها البحري المنسي. لا يشبه هذا البرج المعالم الشاهقة او الابراج المهيبة، فلا سلالم ملتفة تحيط به، ولا نوافذ تطل على الساحة، ولا بوابة تزين مدخله. بل هو اشبه بلسان حجري يتقدم بهدوء نحو البحر، ينهض فوق جدار سميك منخفض، موجه بعناية لمراقبة الساحل الغربي للمدينة. هو اقرب الى نقطة حراسة متقدمة، بناها البرتغاليون في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، ضمن خط تحصينات شامل انطلق سنة 1471، حين سيطروا على المدينة وشيدوا اسوارا تحيط بها من كل الجهات. ولم يكن برج سيدي ميمون مقرا للحكم ولا معقلا للجنود، بل كان عينا مفتوحة على البحر، يراقب حركة السفن ويحذر من اقتراب الخطر، ضمن شبكة من الابراج والممرات الداخلية التي كانت تربط بين باب البحر والواجهة الغربية. وبمرور الزمن، طغت شهرة برج القمرة، الذي كان مقرا للحاكم البرتغالي ويرتبط باسم الملك دون سيباستيان، وكذلك برج القريقية، الذي يعلو بقامته ويوفر اطلالة بانورامية على اصيلة، وبقي برج سيدي ميمون في الظل، يتآكل على مهل بفعل الرطوبة والنسيان. في الاشهر الاخيرة، تم تنظيف محيط البرج وتدعيمه بوسائل بسيطة دون تشويه معالمه، واعيد فتحه امام العموم بتوجيه من رئيس جماعة اصيلة الدكتور طارق غيلان، في اطار سياسة تروم تثمين المعالم غير البارزة وادماجها في المسارات السياحية الموجهة للزوار المغاربة والاجانب. ويقول مصدر مسؤول داخل الجماعة ان فتح هذا البرج لا يراد منه تحويله الى مزار جماهيري، بل تصحيح نظرة جزئية تعتبر ان معالم اصيلة تقتصر على المهرجانات والجداريات، في حين ان تحت كل حجر ذاكرة، وحول كل زاوية برج، رواية. الزائر الذي يصل الى برج سيدي ميمون لا يجد منصة مزودة بشروح ولا لوحات تفسيرية، بل فضاء بسيطا مفتوحا على المحيط، حيث يلتقي الجدار بالافق، وتضرب الامواج الاساس الحجري في تكرار رتيب. ويمنح الجلوس هناك، على طرف البرج، شعورا خاصا بالسكينة، وكان المرء يطل من نافذة طبيعية على ما تبقى من تاريخ الدفاعات البحرية التي حافظت على شكلها الاصلي، رغم تعاقب القرون. مع ان البرج لا يستقطب الحشود، الا ان عدد الزوار ارتفع بشكل ملحوظ منذ اعادة فتحه، خصوصا في فترات المساء، حيث يقصده عشاق التصوير والمهتمون بالهندسة الدفاعية التقليدية، وحتى بعض سكان المدينة الذين اكتشفوا فيه زاوية لم يسبق لهم التوقف عندها. فهنا، لا يتعلق الامر بمعلم مزخرف او موقع ذائع الصيت، بل بنقطة صامتة تستمد قوتها من اصالتها. ويساهم برج سيدي ميمون اليوم في رسم ملامح جديدة للسياحة الثقافية باصيلة، بعيدا عن الصور النمطية والانشطة الموسمية. اذ يتيح للزائر فرصة اعادة قراءة السور ليس كجدار فقط، بل كوثيقة حجرية متعددة الطبقات، تربط بين البرتغالي والمغربي، بين الدفاع والجمال، وبين الحضور والانزواء. وفي مدينة اعتادت التزيين، يقدم هذا البرج درسا في البساطة، حيث لا شيء سوى الحجارة والماء، والتاريخ الذي لا يصرخ لكنه لا يصمت ايضا.