قلما تستغرق رواية ما بضع سنين من مؤلفها لكي ترى النور وتجد لها مكانا في المكتبات. لكن رواية البرتغالي «جوزيه ساراماغو»، الموسومة ب»كلارابويا»- أو ب»نور السماء»- حطمت الرقم القياسي في طريقها إلى القراء، ليس من حيث قصر المدة الزمنية، بل من حيث طولها. إذ استغرق صدورها ونشرها نحو 60 عاما. كيف ذلك؟ لقد كتب ساراماغو، الفائز بجائزة نوبل سنة 1998، هذه الرواية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث سلمها لناشره سنة 1953. لكن هذا الأخير تماطل في نشرها حتى ضاعت منه المخطوطة في ظروف غامضة. وحين كاد الروائي ينسى أمر الرواية، ظهرت الرواية فجأة سنة 1989، حيث عثر عليها ورثة الناشر وأخبروه بالأمر. لكن الروائي ما أن حصل على المخطوطة حتى كتب وصية يوصي فيها ألا تنشر الرواية إلا بعد وفاته. القدر المحتوم حلّ يوم 18 يونيو 2010. إلا أن الرواية لم ترَ النور إلا بعد مرور ثلاث سنوات من وفاته في البرتغال والبرازيل معا. لكن الرواية ترجمت إلى الإسبانية، لتحقق انتشارا واسعا في إسبانيا وأمريكا اللاتينية. كما صدرت قبل أيام فقط، الترجمة العربية عن شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، وهي من إنجاز المترجم هيثم لمع. تحكي الرواية، كما جاء في مقالة نشرتها صحيفة «غارديان» البريطانية، قصة سكان مركب سكني في لشبونةالبرتغالية وهم: صانع الأحذية «سيلفيستر»، و»جاستينا» وزوجها العنيف، و»كارمن» المرأة الإسبانية التي تعيش على الحنين. «إنها رواية محرجة بالنسبة إلى العصر. إذ العائلة، التي هي عماد المجتمع، صارت أشبه بعش الأفاعي. ثمة اغتصاب، وحب سحاقي، واعتداء. هل كان المجتمع البرتغالي قادرا على معالجة هذه القضايا في الخمسينيات؟» تتساءل أرملة الراحل «بيلار ديل ريو»، قبل أن تجيب بالقول: «لا أظن ذلك. تخميني يقول إن دار النشر كانت تحتفظ بها إلى أن يحل الزمن المناسب». وكشفت أرملة الروائي الراحل، الذي اشتهر كثيرا بروايته «العمى» أن ساراماغو كان يقول عن هذه الرواية إنها «الكتاب الذي ضاع وظهر في الزمن المناسب». إذ كشفت، خلال الندوة الصحافية التي خصصت لتقديم الرواية في العاصمة الإسبانية مدريد، أن «ساراماغو» «أخبرنا أنه لا يريد نشر الكتاب إبان حياته… لكننا نعرف جميعا، وأعتقد أن ساراماغو يعرف أيضا، أنه من الأفضل نشرها». من جانب آخر، كشفت أرملة الروائي بعض المذكرات التي كتبها ساراماغو، عندما كان يؤلف الرواية الضائعة، وكذا المخطوطة الأصلية التي بعث بها الكاتب إلى دار النشر. يشار إلى أن أول رواية ألفها «ساراماغو»، صدرت تحت عنوان «أرض الخطيئة» سنة 1947، لكنها فشلت في تحقيق الرواج التجاري المطلوب منها. وهذا جعل الاعتراف العالمي بالكاتب يتأخر حتى الثمانينيات، حينما نشر روايته التاريخية «الإله الأكتع» سنة 1982، قبل أن يتوج بجائزة نوبل سنة 1998. من مؤلفاته المترجمة إلى العربية: «سنة موت ريكاردوس» (1984)، «الطوف الحجري» (1986)، «العمى» (1995)، «كل الأسماء» (2002)..