لا يزال البحر المتوسط يحصد أرواح عشرات المهاجرين غير الشرعيين في طريقهم إلى « الحلم الأوربي » كما يعتقدون، وتقول منظمة الهجرة الدولية إن « البحر المتوسط شهد أكثر من 3760 حالة وفاة وفقدان لمهاجرين في عام 2024، ما يجعله أحد أخطر طرق الهجرة في العالم ». وتشير بيانات الأممالمتحدة إلى « وجود أكثر من 761 ألف مهاجر من 44 جنسية في ليبيا، وحدها حتى منتصف 2024، يعيش الكثير منهم في ظروف غير إنسانية في مراكز احتجاز أو مخازن يديرها مهربون ». وفي حديثه ل »سبوتنيك »، قال رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة د. أيمن زهري، إن « العامل الاقتصادي يتصدر أسباب الهجرة غير النظامية، لكنه مرتبط بعوامل أخرى من بينها الفساد ونقص الموارد والصراعات السياسية التي أثّرت على التنمية، وعلى خلق فرص العمل، فضلًا عن الزيادة السكانية الهائلة، إذ شهدت دول الجنوب طفرة في أعداد الشباب مع ارتفاع معدلات الإنجاب في أفريقيا، ولهذا أصبحت القارة السمراء مخزن الشباب على مستوى العالم، وإذا لم يتم التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة بشكل يساهم في دمجها في بلدانها والاستفادة منها في التنمية في بلدان الجنوب، فإن هذه الظاهرة ستستمر لأجل الطويل ». وأوضح زهري أن « مسألة الهجرة غير الشرعية مستمرة، ومن غير المتوقع أن تنتهي قريبا، حيث أن هناك دائما سماسرة، وهي تدر أرباحا كبيرة لذلك ستستمر لفترة طويلة ولحين علاج الخلل التنموي في بلدان الجنوب »، مشيرًا إلى أن « نزيف العقول أمر صعب وقد تم استنزاف الكفاءات الطبية في كل من غانا ومصر، وتم استنزاف خبراء تكنلوجيا المعلومات من شمال أفريقيا ». وحول الحد الفاصل بين الاستفادة من المداخيل الاقتصادية والحفاظ على الثروة البشرية، أكد الخبير أنه « إذا لم يتم توظيف هذه الموارد في بلدانها فلا ضير في أن تذهب إلى مكان آخر وتستفيد من خبراتها »، مشيرا إلى أن « أوربا تقوم بدور سيء في ملف الهجرة وتتعامل مع الهجرة غير النظامية بأسلوب أمني عبر الضغط على الدول المصدرة لها، لكن هذا الإجراء يتنافى مع حقوق الانسان، ويتماهى مع تشدد اليمين الأوربي، وهو ممارسة فاشلة لأن من يريد أن يهاجر سيفعل ذلك بطريقة أو بأخرى ». وأوضح أستاذ علم الاجتماع والعلوم السياسية د. مصطفى المريزق، أن « هناك 6 ملايين مهاجر نظامي يقيمون في أوربا، ويمثّل الشباب منهم نسبة 15% تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاما، ويحتفل المغاربة سنويا في 10 غشت باليوم الوطني للجالية المغربية بالخارج، للاحتفاء بالشباب المغاربة في الخارج »، مشيرا إلى أن « من يهاجرون يسعون لمتابعة الدراسة والتحصيل العلمي ولاكتساب من المهارات، كذلك هناك من يهاجر لأسباب ثقافية وفنية وفي إطار مبادرات دولية، وهناك من يختار الهجرة كحل من بين الحلول للترقي الاجتماعي، وللبحث عن فضاءات أفضل تضمن لهم المزيد من الحقوق والمكتسبات ». وأشار المريزق في تصريحات ل »سبوتنيك »، إلى « دور وسائل التواصل الاجتماعي في ملف الهجرة، وتأثيراتها التي تتيح علاقات جديدة، وتمكن الشباب المغاربة من الاطلاع على ما يحدث في الخارج، وفي وجود القيود التي يرزح تحتها سكان الجنوب، والتي تحرمهم من حق الهجرة، يلجأون إلى طرق غير قانونية ويغامرون بحياتهم ». واعتبر الخبير أن « المهاجرين أصبحوا قوة خلفية للتنمية في المغرب خلال الأعوام الأخيرة نظرا لتقدم القوانين والوضعية الحقوقية والاستقرار، وهم يمثلون طاقة حقيقية وقوة في مجالات العلوم والصناعات والابتكار والرياضة وغيرها من المجالات، ولهم ارتباط كبير بالمغرب ويقدمون اسهاماتهم ويمثلون ثروة حقيقية للبلاد ». وأورد الخبير دراسة للبنك الدولي تشير إلى أن « نحو 80% من المهاجرين المغاربة يستقرون في دول الاتحاد الأوربي وتصل تحويلاتهم المصرفية إلى المغرب إلى ما يقرب من 11 مليار دولار، وهي قوة توفر للمغرب العملة الصعبة، فضلا عن إسهاماتهم في تحريك العجلة الاقتصادية المحلية وتنشيط السياحة، إلا أن المغرب لا ينظر لهم على أنهم مصدر اقتصادي فحسب بل عاملا أساسيا للتنمية الوطنية »، مؤكدا أن « المغرب يتعامل بحزم وفقا لتعهداته الدولبة وبكل ما يملكه من قوة من أجل مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية ».