للمدير العام ورئيس تحرير جريدة الأسبوع الصحفي استعداد نقدي لاذع، وله أدوات بشرية ولغوية يستعملها قفازا. ولا يثنيه مجال لا يفهم فيه عن الكتابة حوله، وقد يَخْذُلُهُ القلم فيقع في المحذور قانونا. خطر ببالي كل هذا وأنا أقرأ مَقَالَةٌ الأستاذ مصطفى العلوي في حقيقته الضائعة المنشورة بتاريخ 19/03/2015 تحت عنوان: «حتمية الاهتمام الملكي بسلامة الأحكام القضائية»، وهي مقالة لو حجب اسم كاتبها وعرضت على الراغبين في اجتياز مباراة دخول معهد الإعلام أو التخرج منه لأبدو مثلي الملاحظات التالية: 1: كال الكاتب لقرار قضائي صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ولمصدريه ما أَمَرَتْهُ به نفسه، ونسي أن النعي على الأحكام القضائية له طرق الطعن العادية وغير العادية، وأن للتعليق على الأحكام القضائية ضوابط متعارف عليها، وينبغي على المعلق أن يكون ملمّا أولا بالمصطلحات القانونية، وثانيا بمعانيها، والبيّن من المقال أن هناك جهلا مطبقا بكل ذلك: فما يصدر عن محكمة الاستئناف يسمى قرارا، وما تصدره المحاكم الابتدائية يسمى حكما، ولم يعد هناك مجلس أعلى، بل هناك محكمة النقض، وما يحكم به من مال بدون طلب وتلقائيا يسمى ردّا، وما يحكم به جبرا للضرر وبناء على طلب يسمى تعويضًا، ولا جناح على غرفة الجنيات الاستئنافية أن تقْضِي بالرد تلقائيا أو تعدله أو تضيف فيه أو تلغيه بِحَسَبِ الأحوال، ولا خروج في ذلك عن الحياد. 2: إن الحكم القضائي عنوان الحقيقة، وأسلاك الاتصال والانفصال التي ذكرها كاتب المقال سواء ذات المرجعية الحزبية أو العائلية لا تدخل إلى قاعة المداولة، والقول بذلك يمس بأحكام الدستور ويرتب الجزاء. 3: ما ورد كرأي مخالف للقرار القضائي من طرف الكاتب ليس منطوقا له، فهو انتصار منه لمن يعتقد أنه برئ، ولا يجوز مطلقا زرع أشواك الشك والارتياب والفتنة في ما يصدره القضاء من الأحكام، فالصحافي نوعان: صحافي الجنة وصحافي النار !! 4: إن الكتابة في مجال لا يفهم فيه المرء مدعاة للخطأ، فمن أسباب انقضاء العقوبة العفو الخاصُّ، وهو ليس سبيلا لتعديل الأحكام أو إلغائها، بل له شروط تخاطب الجناب الشريف في المَكُنْونِ الإنساني، وقول الكاتب إن العفو الخاص طريق للطعن في الأحكام حسب قوله، لا سند له في القانون مطلقا، وقد لا يجد قبولا ممن حرص على حياد السلطة القضائية واستقلالها لاسيما وأن قوة السلطة القضائية، التي كرّسها الملك محمد السادس في الدستور الذي نصَّ بالحرف على أن الأحكام القضائية، تصدر باسم جلالة الملك وطبقا للقانون!! 5: المقالة ضربت استقلال القضاء في مقتل، وادَّعَتْ أنَّ الغرفة الجنائية مصدرة القرار تأثرت بجهة ما في قرارها، وفي غياب أي دليل يبين ذلك، وبانعدام الصفة في هذا الباب، يكون المحذور قانونا قد تحقق!! 6: يورد كاتب المقال مقتطفات من الخطب الملكيّة السامية التي تعرض لموضوع استقلال القضاء ومكانته داخل المجتمع، وللتذكير من عاصر الملوك الثلاثة فقط، نوضح له أن النطق الملكي السامي في أي مناسبة يعرض فيها للقضاء والقضاء، يعتبره صمّام الأمان والاستقرار، ولا أدلَّ على ذلك من أحكام الدستور الجديد، أفردت للقضاء مواد جريئة وغاية في الصلابة ومنها منع التأثير على القضاة أو إرهابهم. القضاة يصدرون أحكامهم باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، وسلامة الأحكام القضائية من حيث القانون بيد محكمة النقض !! 7: إن نشر الصور وذكر أسماء المتهمين وسرد الحجج والوثائق والأسرار مما يمنع على الصحف أن تورده في نشراتها له تأثير على القضاء، وغالبا ما لا تتقيد به الصحف، والقانون صريح وواضح في هذا الباب! 8: تستعين الصحف بالمستشارين القانونيين في الركن القضائي أو القانوني، والأستاذ مصطفى العلوي يتوفر بجريدته على طاقم من هذه الفئة وكان من باب المستحب عرض المقالة على هذه الجهة لقراءتها وتصحيح أخطائها قبل نشرها. ختاما: للأحكام القضائية منزلتها السامية داخل المجتمعات، وطرق الطعن فيها متاحة قانونا، والتعليق عليها له أدواته، وللقضاة حرمة وحصَانة، والصحافة بدورها قضاء، وهي صاحبة الجلالة كما يُقال، ومن خصال الصحفي الحياد وسحر البيان والاستقلال. رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين [email protected]